خارج الحدود

“السوق السوداء” في جنوب افريقيا تبتلع “السوق البيضاء”‎

بعد عشرين عاما على انتهاء نظام الفصل العنصري، لم يعد المستهلكون في جنوب افريقيا يصنفون تبعا للون بشرتهم… بل أن الفروقات باتت تقاس خصوصا لناحية الرواتب واسلوب الحياة كما في اي بلد “عادي”.

ولخص مدير شركة “ايكو” الاستشارية بيتر لانغشميت الوضع قائلا “في ظل الفصل العنصري، كان البيض يملكون كل شيء والسود لم يكن لديهم شيء”.

الا ان الاوضاع تبدلت كثيرا مذ ذاك. “فقد تسارعت وتيرة التحول بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وبات +السوق الاسود+ اكبر من الابيض في كل الفئات تقريبا، باستثناء قلة منها، نخبوية، مثل سوق هواتف +اي فون+” التابعة لمجوعة “آبل”.

ومع ان البيض لا يزالون يتقاضون رواتب بمعدلات اعلى بست مرات من السود، الا انهم لم يعودوا يمثلون سوى 8 % من سكان البلاد. كما ان طبقة السود متوسطي او ميسوري الحال باتت تملك قدرة شرائية اعلى.

ويمثل هؤلاء السود الميسورون 58 % من زبائن شبكة “وولوورثز” للسوبرماركت بعد ان كانت هذه المحال الكبرى الراقية من ميزات ضواحي السكان البيض. وكانت نسبة الزبائن السود لهذه السلسلة 47 % قبل خمس سنوات فقط.

اما على صعيد السيارات، 57 % من الاشخاص الذين يشترون سيارات “بي ام دبليو” التي تمثل رمزا للفخامة، هم من السود في حين كانت نسبتهم 54 % قبل خمس سنوات.

وفي حين لا يزال 51 % من سكان جنوب افريقيا ممن لديهم عمال منزليون هم من البيض مقابل 36 % من السود، كانت النسبة قبل خمس سنوات 63 % مقابل 27 %.

واشار بول ميدلتن مدير وكالة “ايبوني ايفوري” الى “اننا بتنا نتحدث عن مستويات الرواتب واساليب الحياة والموقع الجغرافي اكثر من السود والبيض”.

واوضح ان ما تغير هو ان جزءا لا يستهان به من السود ممن اصبحوا ميسورين ماديا خلال السنوات الاخيرة نقلوا مقر اقامتهم الى الاحياء التي كانت مخصصة في السابق للبيض فقط. وقد اعتمدوا بغالبيتهم العادات الاستهلاكية لجيرانهم الجدد، مع بعض الفروقات، فالاكبر سنا يهتمون بشكل كبير بالمظهر ويشترون الكثير من الكماليات، في حين يبدو الشبان اكثر معارضة للتقاليد.

واشار الاختصاصي في التسويق اندي رايس الى انه “من الصعب ايجاد اسواق اخرى في العالم تتغير بالسرعة التي يتغير فيها سوق جنوب افريقيا”، لافتا الى ان “المشكلة ليست في ان السوق بات اكثر تعقيدا، بل اننا قمنا بالتبسيط كثيرا في الماضي مع اعتماد المعايير العرقية”.

ومع ان السود يشترون المنتجات نفسها التي يشتريها جيرانهم البيض، غير ان هؤلاء المستهلكين الجدد يحافظون على سلوكيات خاصة.

وقالت سيوي نيوساوا المستشارة (السوداء) لدى “ايبوني ايفوري” مبتسمة ان “الامر لم يعد يتعلق بالمنتجات المخصصة للسود او للبيض. ما يهم هو الطريقة التي يتم من خلالها شراء هذه المنتجات”.

واضافت مستشهدة بمستهلكين بيض من الطبقة الميسورة “اريد ما تريدونه انتم. اذا كان ذلك جيدا وكان بامكاني الحصول عليه، اريد شراءه. الا ان الفرق انني اريد ذلك +البارحة+! الانتظار… قطعا لا”.

وتابعت ضاحكة “هذا امر يرتبط بشدة بالسود، عدم القدرة على الانتظار. اعتقد ان السبب هو اننا امضينا وقتا طويلا في الانتظار” حتى نهاية نظام الفصل العنصري.

حتى ان بعض المعلنين يواجهون اتهامات بأنهم يعتبرون الغالبية السكانية من السود (الذين يعيش نصفهم تحت خط الفقر) كسكان بلد اجنبي. وبذلك وكالات اعلانية اسسها سود تستفيد من الوضع ولا تتوانى عن تأكيد قدرتها على محاكاة “السوق الاسود” بشكل افضل.

كذلك فإن تعبير “السوق الاسود”، في بلد يمثل السود اكثر من 80 % من سكانه، تثير انزعاج كثيرين.

وقال فيكتور دلاميني الاختصاصي في التسويق ان “هذا الامر يعكس فكرا موروثا من حقبة الفصل العنصري اكثر منها حقيقة اقتصادية. الامر اشبه بالذهاب الى اوروبا والتحدث عن سوق ابيض”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *