ملفات

فلُوس الشراب .. أموال “الحرام” التي تنقذ ميزانية حكومة بنكيران

تحريم الشرع الإسلامي، الذي يدين به غالب المغاربة، لشرب الخمر وتجريم الجهر بذلك قانوناً، مقابل ارتفاع استهلاكه، ليس مؤشرا فقط على “نفاق اجتماعي” لفئة عريضة من أبناء الشعب المغربي في علاقتهم مع هذه المشروب المسكر، بل هو يبرز أيضا نفاق الحكومة المغربية نفسها، التي ما فتئ أبرز قادتها يشهرون ورقة الدين الإسلامي في وجه خصومهم، علالوة على ما تحفل بها برامجهم الإنتخابية.

999 مليار .. هل جعلت شرب الخمر حلالا؟

تداولت مؤخرا مختلف وسائل الإعلام، أنه أمام تراجع حجم المداخيل الضريبية والموارد المالية خلال السنة الماضية، وفي محاولة لسد عجز الميزانية، يراهن رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران على ارتفاع المداخيل التي تجنيها الحكومة من أرباح بيع الخمور والسجائر، لسد ثقوب الميزانية خلال السنة المقبلة، بحيث أكدت الإحصائيات والتوقعات المتضمنة في قانون المالية لسنة 2015 ارتفاع مداخيل الضريبية على الخمور والتبغ بمختلف أنواعها.

وحسب قانون المالية، من المنتظر أن تصل المداخيل المترتبة عن الرسوم المفروضة على الخمور والكحول 54 مليار سنتيم، والمداخيل المترتبة عن الرسوم المفروضة على أنواع “البيرة” ما مجموعه 77 مليار سنتيم، فيما ستصل مداخيل الرسم المترتب على التبغ المصنع أزيد من 867 مليار سنتيم، وبذلك تتحصل الحكومة على حوالي 999 مليار سنتيم من مداخيل بيع السجائر والخمور بشتى أنواعها.

وستسجل الرسوم الداخلية على الاستهلاك تزايدا بنسبة 5.2 في المائة لتصل إلى 24.6 مليار درهم، أي ما يعادل 8.7 مليارات درهم من الرسوم الداخلية على استهلاك التبغ (5.4+ في المائة) و1.6 مليار درهم لباقي الرسوم الداخلية على الاستهلاك. وبذلك، يقول مصدر إعلامي إن “حزب العدالة والتنمية وحركته الدعوية يراهنان على تناول أكبر كمية ممكنة من الخمور بالمغرب، وهما فعلا يدعوان إلى ذلك ليس خوفا على انتهاك شرع الله، ولكن خوفا على الميزانية”.

“العامل الاقتصادي يفسر تغاضي السلطات المغربية عن معاقبة شَاربِي ومُدمني الخمر، إذ أورد التقرير أن استهلاك الخمر يَدر على ميزانية الدولة 400 مليون يورو سنويا، ما يعادل ثلث ميزانية وزارة الصحة، وهو أمر كثير على بلد مثل المغرب”، يقول ذات المصدر.

موارد جريمة

السباق نحو تنمية موارد الدولة بمداخيل الخمور يوازيه صرامة تشريعية في التنصيص على تجريم التناول العلني للخمر، وسن سياسة جنائية تسعى لمحاربة الخمر بالمغرب.

يقول يوسف وهابي في “خمريات القانون المغربي” أن التشريع المغربي عمل على تجريم السكر العلني البين، وعاقب عليه بمقتضى المرسوم الملكي رقم 66,724 بتاريخ 14 نونبر 1967 بمثابة قانون، والذي ألغى الظهير الشريف الصادر في 20 شتنبر 1914 بالمعاقبة عن السكر العلني وعن الإدمان على شراب المسكرات، وكذا القانون الصادر في 30 يوليوز 1929 بالمعاقبة عن السكر العلني. ومن المعلوم أن التشريع المغربي لا يتضمن أي نص يمنع أو يجرم شرب الخمر الذي يظل أمرا مسكوتا عنه، وهو ما قد يدفع الكثيرين إلى الاعتقاد أن المشرع قد أباح شرب الخمر ما دام أنه لم يعاقب عليه.

وتناول المؤلف القانوني للمحامي يوسف وهابي، جوانب تقنين بيع هذه المادة بالمغرب والعقوبات التي ينزلها القانون على مخالفيه، وأيضا الفئات المتسهدفة سواء بالاتجار في الخمور أو استهلاكها.

وأورد المؤلف أنه نظرا لحساسية موضوع الترخيص بالاتجار في الخمور واستحالة إغفال النصوص الشرعية والدينية المتعلقة به، وبالنظر إلى أن الإمام والسلطان يجب تنزيهه عن وضع تشريعات منافية للدين، فقد صدر في 2 أكتوبر 1917 ظهير فوض السلطان بموجبه صلاحية اتخاذ التدابير التشريعية والتنظيمية في شأن بيع الخمور والكحول إلى الصدر الأعظم.

وبعد حصول المغرب على اسقلاله تم نقل هذا الاختصاص إلى رئيس الحكومة بموجب الظهير الشريف المؤرخ في 15 فبراير 1958، وبعد إعلان حالة الاستثناء وتسلم الملك رئاسة الحكومة صدر مرسوم ملكي بتاريخ 31 يناير 1966 بالتفويض في المسائل المتعلقة بالكحول والمشروبات الكحولية والخمور وألعاب القمار والمهن المرتبطة بها، إلى المدير العام للديوان الملكي، وبعد إنهاء حالة الاستثناء انتقل هذا التفويض إلى الوزير الأول باعتباره حسب البعض وارثا لمنصب الصدر الأعظم قديما.

وتطرق وهابي إلى النظام القانوني للاتجار واستهلاك الخمور، معتبرا أنه يختلف باختلاف البائع (مؤسسات أو خواص)، محددا الظهير الشريف ليوليوز 1967 مرجعا لذلك، كما بين الإجراءات المتبعة للحصول على التراخيص، قبل أن ينتقل إلى الضوابط والقيود الوادة على التراخيص الخمرية.

منع الظهير سالف الذكر بيع الخمور بجوار الأماكن الدينية وبنايات الأوقاف وكذا المقابر، احتراما للمشاعر الدينية، كما منع استغلال مؤسسة خمرية قرب المؤسسات العسكرية أو الاستشفائية أو المدرسية، وذلك لفرض حماية تربوية وصحية وأمنية وتخضع المسافة الفاصلة بين هذه المرافق والمؤسسات الخمرية لتقدير للسلطة المحلية.

وحدد الظهير نفسه الأشخاص الممنوعين من الحصول على تراخيص بيع الخمور.

وتطرق وهابي إلى مبحث عنونه بشرب الخمر بين الحظر والإباحة في التشريع المغربي، مبينا أن المشرع كان أقرب إلى منع شرب الخمر على المغاربة المسلمين، محددا أن المشرع تحدث عن المسؤولية عن السكر ولو أنه لم يتحدث عن الشرب، وأورد عقوبات على السكر العلني ولم يخضع ذلك إلى توفر نسبة معينة من الكحول في الدم. كما تحدث المؤلف عن المسؤولية المدنية للسكران.

وانتقل يوسف وهابي في الفصل الثاني من كتابه إلى الحديث عن العلاقة بين الخمور والإجرام، وإلى السياسة الجنائية في مجال بيع الخمور في الفصل الثالث.

وانطلق الباحث إلى الحديث عن جرائم السكر، فبالإضافة إلى الجرائم المشددة المتمثلة في السكر العلني البين المقرون بارتكاب جريمة، ذكر إقلاق راحة العموم كظرف مشدد، وذكر في الفقرة الثانية من الفصل الأول من مرسوم 1967، إذ نصت على أنه «تضاعف هاتان العقوبتان إذا تسبب الشخص الموجود في حالة سكر في ضوضاء تقلق راحة العموم…».

وتحدث أيضا عن عقوبة بيع الخمور للمغاربة المسلمين التي تشترط وقوع فعل البيع أو التسليم المجاني وأن يكون المبيع أو المقدم مجانا عبارة عن مشروبات كحولية أو ممزوجة بالكحول، ومن جهة ثالثة أن يستهدف البيع شخصا مغربيا ومسلما، على أن يتوفر لدى الفاعل القصد الجنائي.

وتحدث وهابي عن طائفة من جرائم الخمور، كجريمة «زدني سكرا»، ويدل في إطارها ما يسمى بساعة سعيدة، التي تقدم فيها الحانات قنينتي خمر بثمن واحدة للتشجيع على الاستهلاك، وهي جريمة مسكوت عنها، ويقصد به ما ورد في الفصل32 من مرسوم 1967، الذي وإن كان يقر بأن الخمر مباح لغير المغاربة المسلمين، فإنه يشترط عدم الإفراط في الشرب إلى درجة السكر الطافح. كما تطرق إلى جريمة إشهار الخمور وعقوبتها، وإلى استقبال المتعاطين للدعارة في المؤسسات الخمرية، المعاقب عليه في الفصل 34 محددا أن الجريمة تتوفر عند استقبال أحد الجنسين المعروفين بتعاطي الفحشاء واستقبال نساء فاجرات وتشغيل أفراد منحرفين قصد تعاطي الفحشاء في مؤسسته أو في الأماكن المجاورة لها.

وتوزعت فصول الكتاب لتشمل مناحي أخرى من تجريم بيع الخمور وإباحتها، كما أفرد القوانين المتعلقة بزجر المخلفين وسحب التراخيص.

المرغوب الممنوع من الإشهار

تَقدّم فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب بمقترح قانون لمنع إشهار المشروبات الكحولية، حيث أعلن عن تقديم هذا المقترح في افتتاح جلسة الأسئلة في المجلس.

ويتكون هذا المقترح القانون من 8 مواد، حيث تنص المادة الثانية على منع الاشهار المباشر أو غير المباشر لكل أنواع المشروبات الكحولية أيا كانت الوسيلة المستعملة والجمهور المستهدف. كما تتضمن المادة الثامنة من المقترح ذاته عقوبة الحبس بمدة تتراوح من 3 أشهر إلى سنتين وبغرامة تتراوح بين 10 ألف درهم و25 ألف درهم لكل مخالفي القانون، ويسوغ للمحكمة أن تأمر بإغلاق كل محل وقع فيه العرض والإشهار لمدة لا تقل عن عشرين يوما ولا تتجاوز ثلاثة أشهر.

ومعلوم أن إشهار المشروبات الكحولية يتم بالأساس في المغرب في بعض المجلات والجرائد وفي بعض المحلات التجارية والمطاعم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *