وطنيات

أزمة تسويق الحوامض بسوس تنذر بموسم فلاحي كارثي

يعرف القطاع الفلاحي بسوس ماسة أوضاعا استثنائية لم يشهدها القطاع منذ سنوات، إذ بعد موسمين فلاحين كارثيين، يأتي مشكل تسويق الحوامض ليقوض انتظارات الفلاحين لتعويض الخسائر التي تكبدها القطاع في السنوات الأخيرة.

وخلقت هذه الوضعية أزمة بين الفلاحين والبنوك بالمنطقة، إذ أكدت مصادر أن نسبة الديون المتراكمة على الفلاحين تسببت في قلة السيولة المالية بمجموعة من البنوك، وأبطأت عمليات تسديد مستحقاتهم في الآجال المحدد. وأضافت ذات المصادر أن محاكم سوس تشهد مؤخراً ارتفاعا في دعاوى القضائية المتعلقة بالشيكات بدون رصيد وكذا تسجيل تزايد عدد المكمبيالات غير المؤداة.

وقد أدت هذه الوضعية إلى توقف البنوك عن إجراء عمليات الاقتراض الموجهة للفلاحين والمتعلقة منها بالقروض الزراعية. وقد سببت قلة السيولة المالية لدى الفلاحين إلى عدم مستحقات الموردين بالنسبة تعاملات الموسم الفارط. وهذه النقطة أرهقت كاهل الفلاحين مما أدى إلى عدم تهيئ سيئ للموسم الفلاحي الحالي، مما قد ينذر بنقص مهول في بعض المزروعات كالخضروات مثلا.

ومما زاد من استثنائية الموسم الفلاحي الحالي توالي سنوات الجفاف، إذ تم تسجيل نقص كبير في الفرشة المائية بسوس، وانخفاظ في حقينة السدود مما أدى إلى توقف بعض السدود، ومنها سد عبد المومن، عن تزويد الفلاحين بمياه السقي كما هو مسجل بحوض إسن إذ أقدم مسؤولو وزارة الفلاحة بسوس على قطع مياه السقي عن لحوض إسن دون إشعار.

فمثلا منطقة إسن معروفة بزراعة الخضروات وتزويدها للسوق الداخلي بحاجياته من هذه المزروعات، إلا أن وزارة الفلاحة قامت بقطع مياه السقي وبقي الفلاحون يصارعون الجفاف في ظل شح الفرشة المائية وأيضاً في ظل المنع المطبق لحفر آبار جديدة.

وهذا الإجراء مسؤولية ضيعات فلاحية يملكها فلاحون صغار، وظل التخبط في تدبير المياه تم ومنع فلاحي هذه المنطقة من تعميق الآبار، إذ تقدم أزيد من 190 فلاح بطلبات حفر الآبار منذ فبراير 2013 دون تمنحهم وزارة الفلاحة هذه الرخص رغم استخلاصها أتاوة الحفر منذ أزيد من سنة.

وينضاف هذا المشكل إلى مشكل آخر يتعلق بإقدام شركة أمان سوس على قطع مياه السقي عن ما يزيد عن 300 فلاح بمنطقة الكردان بسبب عدم أداء مستحقات استهلاك مياه السقي للسنة الماضية، وهذا الإجراء أدى إلى تأزيم وضعية الفلاحين وتعرض أزيد من 1000 هكتار من المزروعات للتلف. مما قد ينذر بكارثة ستعيد منطقة الكردان الى سنوات مقابل إنجاز مشروع إنقاذ المنطقة.

ونظرا للوضع الكارثي الذي بات تعرفه الفرشة المائية بحوضي سوس وماسة، تدارس المكتب الوطني للفيدرالية بين المهنية المغربية لإنتاج وتصدير الفواكه والخضر الإشكاليات المرتبطة بالموسم الفلاحي الجديد، خاصة ندرة مياه السقي التي تهدد المناطق الفلاحية.

وانتقد مكتب FIFEL استمرار استعمال الطرق التقليدية في السقي التي تزيد من مشاكل تبدير هذه المادة الحيوية، حيث أن السياسة الفلاحية لم تواز بين كمية مياه السقي المتوفرة والمساحات المزروعة مما أدى إلى استنزاف المياه الجوفية والسطحية خاصة مع توالي سنوات الجفاف، مما أسفر أيضا عن نقصان حقينة السدود.

كما نبه إلى تزايد ظاهرة ملوحة المياه خاصة في المناطق المجاورة لوادي سوس، وطالبت فيدرالية FIFEL باتخاذ الإجراءات الكفيلة بوقف تسرب مياه البحر إلى المياه الجوفية. وطالب الفلاحون بالإسراع بإخراج مشروع تحلية مياه البحر إلى الوجود أصبح ضرورة ملحة لإنقاد الإستثمارات الفلاحية بسوس، حيث أن الوضع المائي بسوس أصبح كارثيا ويتطلب تدخلا حكوميا لإنقاذ المساحات المزروعة والحفاظ على الأمن الغدائي المغربي.

من جهة أخرى، فمن بين المؤشرات التي تنذر بوضع فلاحي كارثي بسوس، استمرار معاناة منتجي الحوامض والبواكر بسوس، رغم الحديث عن زيادة الإنتاج وحرية التسويق وتعدد محطات التلفيف.

ويعتبر قطاع الحوامض والبواكر من أهم القطاعات الفلاحية بالمغرب، إذ تقدر الاستغلاليات والضيعات الفلاحية بـ 92 ألف هكتار موزعة، يستغلها ما يناهز 14 ألف فلاح، يساهم قطاع الحوامض في إحداث 21 مليون يوم عمل في السنة، حسب إحصائيات الوزارة الوصية.

ومن المشاكل التي تؤرق الفلاحين بسوس ما أقدم عليه مكتب المراقبة الصحية ONSSA بمنع 5 محطات للتلفيف بتصدير منتوجاتها من الحوامض للسوق الخارجية وخاصة روسيا، بسبب عدم تقيد هذه المجموعات الإنتاجية بالمعايير الصحية المعتمدة.

وبعد الأزمة التي عرفها قطاع تصدير الحوامض في السنة الماضية تم خلق لجنة مختلطة تضم المنتجين ومحطات التلفيف، ومكتب السلامة الصحية للمنتوجات الغدائية يعهد إليها تحديد حجم كميات الحوامض التي ستحتاجها الأسواق الخارجية، ومراقبة معيار جودة المنتوجات الفلاحية تجنبا للإشكالات التي خلقت الأزمة الموسم الحالي بعد توقف صادرات الحوامض لدى السوق الروسية نتيجة عدم جودتها.

وكان المهنيون والجهات المسؤولة على القطاع قد اتخذوا مجموعة من الإجراءات من طرف لجنة موسعة عهد إليها دراسة وتقديم مقترحات بخصوص إشكاليات تصدير الحوامض إلى السوق الأوروبية المشتركة من خلال اتفاق المصدرين على وضع نظام لتصدير الحوامض.

وحسب إحصائيات رسمية فإن المغرب ينتج في المتوسط 1.3 مليون طن سنويا، توجه 53 ألف طن منها نحو التصدير، وهو ما يمثل حجم معاملات يقارب 3 ملايير درهم.

وحسب جمعية أصحاب محطات تلفيف الحوامض بالمغرب “أسكام”، فقد عرف الإنتاج ارتفاعا كبيرا إذ تجاوز في المسوم الفلاحي 2013 و2014 ميلونان ونصف المليون طن، وتجاوز كميات الحوامض المصدر 600000 طن بزيادة في مقابل ما يقارب 400,000 طن كمعدل للكميات المصدر في السنوات الخمس الأخيرة.

وقد صاحب ارتفاع الإنتاج نقصا حادا في الكميات المصدرة وانخفاضا كبيرا لأثمان المبيعات في السوق الخاريجية والداخلية.

وحسب المنتجين، فالموسم الفلاحي الحالي جد صعب بكل المقاييس، وذلك راجع إلى عدة معطيات ميدانية تتعلق بالظروف المناخية غير الملائمة، وضعف جودة المنتوجات عكس المتوقع، وقلة التساقطات المطرية في الموسم الفلاحي الحالي، بالإضافة مشاكل التسويق وتسرع بعض المصدرين بإغراق الأسواق، وغياب وتراجع نسب التصدير إلى بعض الأسواق الخارجية خاصة السوق الإستهلاكية الروسية.

وحسب مهتمين فإن السوق الداخلية تمتص ما يناهز 60 في المائة من منتوج الحوامض الذي مشاكل جمة في مجال التسويق الداخلي، وبالتالي لا يتم تقييم مسارات غالبية الإنتاج، بفعل عدم التحكم فالقطاع غير المهيكل، الذي يسبب في التقليل من عروض التسويق بنسبة 30 إلى 40 في المائة.

وكانت مجموعة من الجمعيات المهنية قد دقت ناقوس الخطر في الأشهر الأخيرة، وتحدثت عن موسم فلاحي كارثي لتضافر مجموعة من المعيقات تم إجمالها في تسابق محطات التلفيف إلى تصدير منتوجاتهم دون وجود خريطة طريق بين كبريات المجموعات التصديرية.

وفي هذا الاتجاه فإن عملية التصدير بدأت في شتنبر الماضي، في حين أن الكليمانتين، الذي تميز هذه السنة بصغر حجمه، كان لزاما أن يتم جنيه في أربعة عمليات نضجها، مما يعني أربعة عمليات اكتمال نمو هذا المنتوج. والنتيجة تصدير منتوج يفتقد للنضج والمذاق الذي تتسم بها المنتوجات المغربية.

وفي هذا الإطار أطلق عدد من المهنيين استغاثات للجهات الحكومية بغية التدخل العاجل لإيجاد حل لمشكلة التسويق للخارج، وتبسيط مساطر الحصول على رخص حفر الآبار التعويضية، وإعفاء الفلاحين من الديون المتراكمة عليهم جراء تتابع ثلاث مواسم فلاحية كارثية بمنطقة سوس، خاصة مع تزامن هذه السنة مع دخول الضريبة في القطاع الفلاحي حيز التنفيذ، والإضافة إلى إقرار الإتحاد الأوروبي بفوائد التعشير وإثقال كاهل الفلاح برسوم جديدة سترفع من كلفة الإنتاج.

هذه المستجدات تأتي في ظل استمرار الخلاف بين حكومة بكيران والتمثيليات المهنية للفلاحين فيما يخص عدة نقط تتعلق بالدعم وفرض الضريبة والمشاكل الشغلية.

فماذا يجري في قطاع الحوامض والبواكر، وما هي أسباب الأزمة التي تضرب قطاع تسويق البواكر والحوامض؟ وهل يرجع ذلك إلى ضعف السوق الداخلية أم بسبب تنافس غير شريف بين محتكري التسويق؟ أم أن البرامج الحكومية الحالية أدت إلى تأزيم وضعية الفلاحين خاصة منتجي الحوامض، دون أن تتمكن من إيجاد حلول عملية للإشكالات المرتبطة بسلسلة والإنتاج والتسويق؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *