ثقافة وفن

مسرحية تنبأت بثورة .. والربيع العربى يؤجل نشرها 3 سنوات

يرسم الكثيرون صورة للمستقبل تجعله أكثر مثالية، ربما كنوع من الأمل يستطيعون أن يتجرعوا به مرارة الواقع، غير أن مسرحية فراشات تبحث عن أجنحة للكاتبين إيهاب الحضري وإيمان الشافعي تخيلته بصورة أخرى، إنه مثالى بدرجة تثير الضجر، مكتمل حتى حدود النقصان.

العنوان الذى لا يخلو من مفارقة عبر بدقة عن حالة من استلاب الحرية التي يعيشها أطفال الأرض فى عام 3000، لتبدأ التساؤلات في التتابع: هل تكمن السعادة في الأمان فقط حتى لو كان منزوع الطموح؟ بأسلوب سلس تعامل المؤلفان مع تيمة الخروج من الجنة، وقدماها للأطفال فوق سن الثانية عشرة بصيغة مبسطة لغويا لكنها متفجرة الدلالات.

المسرحية التى أصدرتها مؤخرا دار فانتازيا للنشر تقدم تجربة جديدة على مستوى الشكل والمضمون يتحدث عنها المؤلفان فى هذا الحوار.

تجارب الكتابة المشتركة في وطننا العربي تعد على الأصابع، وربما تكون تلك التجربة الأولى التي سمعنا عنها في الكتابة المشتركة للأطفال، فكيف ولدت الفكرة ولماذا كان اختيار كل منكما للآخر؟

إيهاب: بعيدا عن ورش الكتابة التى تزدهر عادة فى مجال الأعمال الدرامية تعتبر الفكرة فريدة، لكن دائما يكون للصدفة دورا فاعلا، فعندما بدأت الكتابة حدث اتصال هاتفى بينى وبين إيمان بعد فترة انقطاع تفرضها دائما ظروف الحياة، عرفت أننى أكتب مسرحية للأطفال، تعجبت فى البداية لأنها تعرف أن كتاباتى السابقة بعيدة عن سن الطفولة، وطلبت أن تقرأ ما كتبته فأرسلته لها عبر البريد الإلكترونى، فى اليوم التالى مباشرة فوجئت بها ترد برسالة، وقد كتبت لتكمل ما بدأته، هنا بدأت فكرة الكتابة المشتركة تطرح نفسها بعد أن وجدنا أن تفكيرنا يمضى فى السياق نفسه.

إيمان: الهدف كان الكتابة لشريحة من القراء، وهي الأطفال في سن تتراوح بين الثانية عشرة والسادسة عشرة وهى للأسف فترة عمرية لا تحظى بالقدر الكافي من الاهتمام، إنها شريحة مهملة لأنها تقع على الحافة بين الطفولة والمراهقة، الفكرة تولدت عند إيهاب، وعندما سمعتها منه أبهرتني، وبعد أن قرأت ما كتبه زاد حماسى، حتى هذه اللحظة لم تكن فكرة الكتابة المشتركة مطروحة، لكني كتبت نتيجة تأثري بما قرأته، وعندما أرسلت له ما كتبته كان الأمر بالنسبة لى مجرد رد فعل، ربما يكون هذا هو السبب الذى دفعه ليعرض على أن نكتب معا، بالإضافة إلى معرفته باهتمامي السابق بهذا المجال فقد اطلع على بعض قصص مجموعتى للأطفال حكايات شهد التى لم تكن قد نشرت بعد.

فراشات تبحث عن أجنحة عنوان يتضمن مفارقة تعبر بدقة عن مضمون المسرحية؟

إيمان: المسرحية تتحدث عن الحرية والصراع الذي يعيشه الأطفال الذين رمزنا لهم بالفراشات، فهم حائرون بين الحرية كقيمة مطلقة والحياة المنظمة البعيدة عن كل قيم الشر، وجاءت رمزية الفراشة لأنها هي التي تسعى إلى التحليق حتى تصل للضوء، بالرغم مما قد يسببه لها من أذى قد يؤدي إلى احتراقها، لكنها مع ذلك تفضل الوصول إلى الضوء عن العيش في أمان بعيدا عنه.

إيهاب: مرة أخرى تلعب المصادفة دورها، فعندما انتهينا من كتابة المسرحية قبل نحو أربع سنوات اخترنا لها عنوان أحلام الفراشات، كان العنوان يبدو جذابا لنا لأنه يحمل لمحة رومانسية، وقتها قمت بعمل بحث على جوجول فوجدت أن الاسم نفسه عنوانا لمدونة، لم نجد في الأمر مشكلة وقررنا عدم التنازل عنه لاختلاف الوسيط، وعندما قررنا أن نطبع المسرحية كتبنا العنوان نفسه فى الخطاب الذى وجهناه لدار الكتب لاستخراج رقم الإيداع، لكن أخى أحمد – وهو شاعر عامية له ديوان مطبوع – أخبرنى أنه أجرى بحثا فاكتشف صدور رواية مغربية قبل عام بالعنوان نفسه، هنا بدأنا التفكير من جديد لنصل إلى هذا العنوان الذى أعتقد أنه أكثر تعبيرا عن العنوان القديم.

أربعة أعوام فاصلة بين الكتابة والنشر.. ألا تعتبر فترة طويلة؟

إيهاب: الكتابة متعة في حد ذاتها، بالتأكيد يزيد النشر من قيمتها، لكننا وقتها لم نكن نفكر فى العمل إلا كنص إبداعى يمكن نشره بعدها بفترة، غير أن ثورة 25 يناير 2011 جاءت لتجمد الأمور، واستمر الأمر نحو 3 أعوام ثم فكرنا في نشرها، غير أن دور نشر عديدة تخوفت من فكرة نشر مسرحية لأن النص المسرحى عادة لا يجد إقبالا إذا طبع ككتاب، كما أن نشر مسرحية للأطفال يعتبر مغامرة يتردد أى ناشر قبل خوضها، وقبل عام ونصف أسست انا وصديقى أشرف محمود مركز نشر وتدريب وقررنا خوض المغامرة لأننا كنا مقتنعين بأنها تستحق.

وتتدخل إيمان: التأخير جعل بعض المواقف فى المسرحية كما لو كانت مستوحاة من أحداث حدثت بعد ذلك، رغم أن العكس هو ما حدث، فقد تنبأت المسرحية بها ولم تستلهمها، وعلى سبيل المثال تحدث النص عن ثورة متوقعة وهو ما حدث بعدها بشهور.

كما أن المسرحية تتحدث عن مفاهيم الشر التى تم حماية الأطفال منها، بالإضافة إلى حظر أية أنشطة يمكن أن تثير التعصب، وعلى رأسها كرة القدم، وقتها لم تكن هناك أى مؤشرات توحى بأن اللعبة يمكن أن تتحول بالفعل إلى مصدر رئيسى للمشاكل الدولية والداخلية، لكن عقب كتابتها وقعت أحداث مباراة مصر والجزائر التى أقيمت بالسودان، وأعقبتها أحداث مجزرة استاد بور سعيد. وقد ذكرت المسرحية أن الحرب العالمية الثالثة اندلعت بسبب مباراة كرة قدم.

استعانت المسرحية بقصيدتين فهل كان ذلك نابعا من كون الشعر أحد عوامل الجذب لمسرح الطفل؟

إيمان: القصيدتان كانتا جزءا أساسيا من بناء العمل، فالأولى تعبر عن فرحة الأطفال باستقبال الألفية الرابعة وقد افتتحنا بها المسرحية، أما الثانية فتختزل فكرة التمرد كلها، وأعتقد أن النص الذى كتبه إيهاب لا يعبر عن الأطفال فقط بل أن كلا منا يمكن أن يشعر أنه يعبر عنه فى لحظة فارقة يمر بها.

حيث يقول: النور في الأفق القريب/ والعين ترنو فى قلق/ والقلب يخفق كلما/ طيف المغامرة انطلق/ حلم الفراشة يقترب/ والحلم مدفوع الثمن/ فلينسحب/ من كان يرضى بالمصير كما هو/ وليقترب/ من كان لا يخشى الزمن/ النور فردوس ونار/ ضدان بينهما اختيار/ كم من فراش يحترق/ كم من فراش يخترق/ طوق الحصار/ الحلم ينتظر القرار/ العين ترنو فى قلق/ ولينس سحر النور من / خاف التوغل في الأفق. وهذه الكلمات تتضمن مفاهيم فلسفية تختزل الفكرة الأساسية التى أردنا توصيلها للأطفال، كما أنها تدفعهم إلى التفكير بشكل أكثر عمقا.

تيمة الخروج من الجنة تم تناولها من قبل في عدد من النصوص فما الجديد في النص المسرحي؟

إيهاب: الجديد أنها تقدم للمرة الأولى للأطفال وهو ما يطلب طريقة تناول مغايرة، وبالرغم من عمق الفكرة الفلسفية إلا أننا حاولنا تقديمها بطريقة بسيطة للأطفال. عند كتابة النص كان لدينا هاجس من ألا يستوعبها الأطفال بسهولة، لكن اندلاع الثورة جعلنا نطمئن إلى أن التلقى سيكون مختلفا، فقد أصبحنا نستهدف جيلا بدأ تفكيره يتشكل فى ظل ثورة عاشها بنفسه، وشارك فيها بصورة ما.

فى أيام الفراغ الأمنى كان ابنى يصر على النزول معى إلى الشارع وهو يمسك عصا صغيرة تتناسب مع طوله ويشعر بأنه يؤدى دورا فى الدفاع عن منزله ومنطقته، وهوما تكرر مع آلاف الأطفال، واستمعوا إلى النقاشات التى تدور بين الكبار، وتابعوا الجدل الذى كان يثور بين من يشعرون بالفرح بالثورة وآخرين يتهمونها بأنها سلبت منهم الأمان الذى كانوا يشعرون به. فى أجواء كهذه أصبحت قدرة الأطفال أكبرعلى استيعاب الأفكار التى تضمنها العمل، وربما تساءل بعضهم فى حينها عن علاقة السعادة بالأمن والحرية بالشبع.

عادة ما ترتبط الكتابة المشتركة بتكنيك الورشة، فهل لجأتما إليه لإنجاز هذا العمل؟

إيهاب: لا .. لسبب بسيط هو أن إيمان تعيش فى مدينة العاشر من رمضان بينما أسكن فى القاهرة، وهوما يجعل اللقاءات المستمرة أمرا بالغ الصعوبة لبعد المسافة وانشغال كل منا بعمله أوارتباطاته الأسرية، لهذا كان البريد الإلكترونى هو حلقة الوصل بيننا، أكتب وأرسل ما أكتبه لها وتستكمل وترسل لى، وهكذا، ثم نتناقش تليفونيا لضبط السياق ومناقشة بعض الأمور، وأنا أرى أن هذه المسرحية إحدى نتائج الثورة المعلوماتية فلولا اختراع شبكة الانترنت لم نكن لنكتبها.

إيمان: هناك أمر مهم، وهو التناغم فى التفكير، فلم يحاول أحدنا استعراض قدرته على الكتابة وفرض أسلوبه على الآخر بل انسبنا في النص، وبدا الأمر وكأن أبطاله هم الذين يكتبوننا فتولدت هذه الحالة التي أخرجت النص على غرار نظرية رولان بارث موت المؤلف.

تدور أحداث المسرحية فى عام 3000 وهو الأمر الذى يفرض تحديين أساسيين الأول على مستوى الكتابة لأنها تعتمد على الخيال العلمي، والثاني على مستوى العرض في حالة تجسيده على المسرح لأنه يحتاج إلى إمكانيات عالية؟

إيمان: سوف أرد على الجزئية الثانية فعندما كنا نكتب لم نهمل خشبة المسرح. كنا نضعها فى اعتبارنا طوال الوقت، ودائما كان هناك نقاش مفتوح بيننا حول كيفية تجسيد ما نكتبه، إنشغلنا بكل التفاصيل حتى تعبيرات وجه الممثلين وحركتهم على المسرح، ومن يقرأ النص الآن سيشعر بأنه يراه حيا على خشبة المسرح، وكانت الصعوبة التى واجهتنا هى كيفية حل مشكلات العرض بصورة مبسطة جدا لا تتطلب نفقات عالية.

إيهاب: فيما يتعلق بالشق الأول من السؤال أرى أن الخيال العلمى فى الوطن العربى يواجه تحديات أساسية، على رأسها أننا مستهلكون للتكنولوجيا لا نملك ابتكارات فيها، بالإضافة إلى أن هناك تحديا يواجه كل كتاب الخيال العلمي على مستوى العالم هو صعوبة التنبؤ بما يمكن أن يفرز عنه العلم حتى بعد عام واحد، لأن التقدم يمضي بخطوات مذهلة تفوق أي خيال.

وهو مأزق واجهناه رغم أن المسرحية في الأساس لم تكن تستهدف الخيال العلمى، لكن لا يمكن أن نكتب نصا تدور أحداثه فى عام 3000 دون التماس مع الخيال العلمى، هنا توصلنا لحيلة تجعلنا نوصل القيم الأساسية التى استهدفناها دون أن نغرق كثيرا بالخيال، فقد أشرنا إلى أن التقدم العلمي المذهل أوقع الأرض في قرون من الظلام ، وبعد أن تمكنت البشرية من تخطيها بدأت في الانطلاق من جديد اعتمادا على ما تمكنت من حفظه من نظريات علمية سابقة.

إيمان: لهذا نجد أن النظريات العلمية حاضرة، مثل نظريات براون، و إعداد كوكب المريخ مقرا لإقامة الآباء، لكن الأمر تطلب مجهودا كبيرا لتبسيط كل ذلك ليتمكن الأطفال من فهمه واستيعابه.

غلاف المسرحية جذاب ومميز واللوحة التى تصدرته رسمتها طفلة.. كيف تم اختيارها؟ هل كانت الصدفة أم كان هذا وفقا لتخطيط مشترك؟

إيمان: كانت ابنتى شهد أدهم تتابعنا أثناء الكتابة، وعندما انتهينا من العمل حرصت على قراءته رغم أن عمرها لا يتجاوز العشر سنوات. انفعلت بما قرأته واعترضت بشدة على ما طرحته المسرحية من عزل الأطفال في الأرض عن أهاليهم الذين يعيشون فى المريخ، وقاومت ذلك بالفكرة التى تم تجسيدها في اللوحة، حيث بدا الأطفال وهم يحاولون جذب كوكب المريخ إلى الأرض فيما امتدت منه أياد تحاول تلقفهم.

في الوقت نفسه كان إيهاب يفكر في أن يقوم طفل برسم لوحة الغلاف لأن هذا كان سيقدم لنا مؤشرا مبدئيا عن مدى استيعاب شريحة من الأطفال للعمل، أخبرته بفكرة شهد فتحمس لها على الفور، وبعد الانتهاء من اللوحة عرضناها على الفنانة غادة خليفة التى صممت الغلاف، فأعجبت بها جدا ليخرج الغلاف بهذه الصورة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *