آراء

الغائب والمعلوم بين مصر والمغرب

في سابقة هي الأولى من نوعها، تعكس تحولا شديدا في الموقف المغربي الرسمي تجاه مصر، بَثَّ التلفزيون الرسمي المغربي، في فاتح يناير 2015، على قناتين حكوميتين تقريرا إخباريا عن شؤون مصر، وصف فيه عبد الفتاح السيسي، بـ “قائد الإنقلاب”، ومحمد مرسي بـ  “الرئيس المنتخب”، في تطور مفاجئ في خطاب التلفزيون المغربي الرسمي.

وهذه المرة الأولى التي يصف فيها الإعلام الرسمي بالمغرب، ما حدث في 03 يوليوز 2013 بـ “الانقلاب”. وهي خطوة جد متأخرة بعد سنة ونصف، لقيت ترحيبا واسعا بالمغرب. وجاء في تقرير بعنوان “الآثار السياسية للانقلاب العسكري في مصر” في نشرة الأخبار المسائية بالقناة الأولى المغربية، أن مصر “عاشت منذ الانقلاب العسكري الذي نفذه المشير عبد الفتاح السيسي عام 2013 على وقع الفوضى والانفلات الأمني، حيث اعتمد هذا الانقلاب على عدد من القوى والمؤسسات لفرضه على أرض الواقع، وتثبيت أركانه”.

وأضاف التقرير أن “الثالث من يوليوز 2013 يوم غير مسبوق في ذاكرة الشعب المصري، ففي ذلك اليوم قام الجيش بانقلاب عسكري تحت قيادة عبد الفتاح السيسي، وعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، وعطل العمل بالدستور “. واستطرد التقرير أن يوم 14 غشت 2013 كان “يوما دمويا، عندما قامت قوات الجيش والشرطة للتحرك لفض اعتصامات المعارضين للانقلاب في ميداني رابعة العدوية بالقاهرة، والنهضة بالجيزة، وفاق عدد الضحايا 500 قتيل والآلاف من الجرحى”.

وخصصت القناة الثانية المغربية “دوزيم 2M” في نشرتها المسائية تقريرا عن الوضع الاقتصادي في مصر بعد وصول السيسي إلى الحكم، وذكرت أنه أصبح على رأس السلطة “عبر انقلاب”. وقال التقرير إن “الوضع الاقتصادي تدهور بعد مجيء السيسي للحكم إثر انتخابات كانت محسومة مسبقا”.

أثار هذا التحول في الخطاب الرسمي الإعلامي المغربي استغراب كثيرين ممن تابعوا النشرتين الرئيسيتين للقناتين، حيث تم بَثُّ تقارير قَدّمت السيسي، على غير العادة كانقلابي. وبَدت نشرات القناتين كما لو كانت صادرة من قنوات تركيا أو الجزيرة. يحدث كل ذلك، فيما غاب الملك محمد السادس عن حفل تنصيب السيسي رئيسا جديدا لمصر في 08 يونيو 2014 ، وبعث بوزير خارجيته، ليمثله في الحفل، وهو ما اعتبره  مراقبون بأن المغرب، وإن ساند حكم السيسي، ظل على مسافة مما يجري بمصر.

كما أن الموقف الدبلوماسي المغربي كان واضحا بشأن ما حدث في مصر، حيث بادرت الخارجية المغربية إلى إصدار بيان ساند السيسي بعد انقلابه على الرئيس الشرعي المنتخب. ومباشرة بعد إعلان نتائج الانتخابات التي قادت قائد الانقلاب إلى كرسي الرئاسة، كان المغرب أول المهنئين للسيسي. ما فتح المجال أمام شروح وتحليلات وتخمينات لخلفيات التحول المفاجئ للموقف المغربي وأسبابه. ونعتقد أن ثمة جملة من الأسباب كانت سببا في الموقف الذي اتخذه الإعلام الرسمي المغربي، نجملها في الآتي:

أولا: لا تعترف مصر بجمهورية الوهم، وهي أقرب للرؤية المغربية في القضية، شأن كل الدول العربية باستثناء الجزائر، لكن منذ وصول الانقلابي السيسي إلى الحكم، بادر إلى زيارة الجزائر كأول زيارة خارجية له، بعد ذلك بدأ التقارب المصري الجزائري، وإشادة الرئيس الجزائري بالسيسي، وزيارة رئيس الوزراء المصري للجزائر مرتين في أقل من 6 أشهر، لتصبح بعدها الطريق مُعبدة لمسلسل التودد المصري إلى “جبهة بوليساريو” الانفصالية، عن طريق إرسال وفود إعلامية وثقافية إلى مخيمات “تندوف”، جنوب الجزائر.

وقد نشرت وسائل إعلام “بوليساريو ” أخبارا عن زيارة وفد مصري يقوده وكيل وزارة الثقافة، دامت ثلاثة أيام لمخيمات “تندوف”، بين 24 أكتوبر 2014 و26 منه، ولقائه زعيم جمهورية الوهم، معتبرة أنها الزيارة الأولى من نوعها لوفد مصري رفيع لمخيمات الصحراويين.

وقال الكاتب المصري حمدي شفيق معلقا على ذلك، في تدوينة له على الفيسبوك: “لأن العصابة التي استولت على السلطة ليس فيها رجل رشيد، فإنهم يتفننون في توسيع دائرة الأعداء وتقليص عدد الأصدقاء”.

وأضاف أنه “بعد قطر وتركيا وليبيا وغزة، ومحاربة ثورة العراق وسوريا، وتوتر العلاقات مع دول أخرى كانت صديقة لنا، يأتي المغرب، الذي لم تكن له أية مشكلة معنا أبدا”. وزاد ” أرسلت حكومة الانقلاب وفدا” رسميا “إلى منطقة المتمردين “بوليساريو” لمجرد النكاية والكيد وإغاظة الحكومة المغربية بدون أي خطأ منها، اللهم إلا أنها حكومة شكلها التيار الإسلامي الفائز بانتخابات البرلمان المغربي. وكأن المجرمين يصرون على محاربة كل من يشمون فيه رائحة الإسلام في أي مكان”. وتساءل شفيق “ماذا يصنع وكيل الثقافة الانقلابية في أقصى شمال غرب القارة السمراء ؟”.

وبحسب جريدة الشروق تسعى الجزائر “من خلال هذا التهافت لجر مصر نحو الانخراط مع دبلوماسيتها التي قامت على نُصرة الشعوب المُضطهدة، ودعم تلك التي تطالب بحقها في تقرير المصير”. وأشار مراقبون أن التقارب المصري الجزائري، يأتي على خلفية الطبيعة العسكرية للنظامين الاستبداديين، حيث أسفرت المفاوضات عن موافقة الجزائر على تزويد مصر بالغاز الطبيعي، بأقل من نصف الثمن الذي تزود به الأسواق الدولية !!، مقابل اعتراف الحكومة المصرية ببوليساريو.

وذهب ذ ماجد برهومي في تفسير ذلك، إلى أن المشير عبد الفتاح السيسي وبعد حالة “شبه العزلة” التي عاشتها مصر إثر إطاحته بحكم الإخوان، كان بحاجة إلى كسر هذا “القيد”، فكانت الجزائر مَعبره للعودة إلى الساحة الإفريقية، ويتم تداول خبر في هذا المجال، مفاده أن الجزائر بذلت جهودا حثيثة لرفع تجميد عضوية مصر.

فالجزائر ورثت علاقات متينة مع الأفارقة من الرئيس هواري بومدين، فهي من أكثر أربع دول تدعم الإتحاد الإفريقي ماليا، ودبلوماسيوها يحتلون مواقع متقدمة داخل هذه المنظمة الإقليمية، ولديهم من النفوذ والتأثير المعنوي الشيء الكثير (..) فكانت عودة مصر السريعة إلى الحضن الإفريقي، بعد أن منحت زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى القاهرة، مباركة الجانب الأمريكي للمشير، ومنحت أيضا ضوءا أخضر لعديد الأنظمة المترددة في مد اليد للرئيس المصر الجديد “.

ثانيا: من النادر أن تجد مذيعين في القنوات الخاصة المصرية على مستوى مهني يلتزم بمبادئ الحيادية والموضوعية في تناول المواضيع، وفي الفترة التي تلت الانقلاب العسكري، شهدت فضائيات مصرية خروجا جماعيا عن القواعد المهنية، وصارت لسان حال الانقلاب. وبحسب وزير إعلام سابق، تنفق القنوات الفضائية المصرية أكثر من 6 مليار جنيه، بينما إيراداتها 1.5 مليار جنيه.

وتساءل: من الذي ينفق وما الغرض من هذا الإنفاق؟، أجاب الوزير :” المال السياسي يلعب دورا في تمويل الإعلام الخاص”. ويبدو من خلال الهجومات الإعلامية المصرية المتتالية على المغرب، أن أموال جزائرية دخلت، هي الأخرى، على خط تمويل فضائيات الفلول لتسويد صورة المغرب بأرض الكنانة، في محاولة لمسايرة الموقف الجزائري في قضية الصحراء، حيث زار إعلاميون مصريون مخيمات “تندوف” في يونيو 2014 ، والتقوا فيها مسؤولين في “بوليساريو”.

وقد اهتمت الصحف المصرية بشكل فجائي بما سمي زورا “القضية الصحراوية” و”تاريخها ومستقبلها”، كما أجرت منابر صحفية مقابلات مع قياديين في “بوليساريو” و”سفراء” و”دبلوماسيين”، أعقبتها حوارات صحافية لأول مرة مع زعيم الانفصاليين، نشرت في كبريات الصحف والمجلات المصرية، حيث أجرت صحيفة ” المصري اليوم”، حوارا مع رئيس جمهورية الوهم، ووصفته بـ “أقدم الرؤساء الأفارقة” !، وقال الرئيس المزعوم  إنه متفائل بالتغيرات التي حدثت أخيرا في مصر، ويتمنى بعثا جديدا للدور المصري، وأن يساهم في استعادة شعب الصحراء لحقوقه”، مشيرا أنه ” متفائل خيرا بالسيسي” .

ولم يقف الأمر عند ذلك فحسب، بل تكررت في الآونة الأخيرة أخطاء إعلاميين وفنانين مصريين وحتى أزهريين في حق المغرب، حيث أثارت تصريحات المذيعة المصرية، أماني الخياط، على قناة “أون تي في”، في مطلع يوليوز 2014 ، حالة من الغضب بين المغاربة، بعدما انتقدت دور المغرب في القضية الفلسطينية، وقالت إن أهم دعائم اقتصاد المغرب من “الدعارة”، وأن البلاد لديها ترتيب متقدم بين الدول المصابة بمرض الإيدز.

كما شنت وسائل الإعلام المغربية هجوما شرسا على الفنان يوسف شعبان، بعد أن وصف المغاربة بأن غالبيتهم يهود، وأن من بين عشرة أفراد، هناك ثمانية ينتمون للديانة اليهودية ويخفون انتمائهم، في تصريحات له ببرنامج “البلد اليوم”، الذي تقدمه رولا خرسا، على قناة “صدى البلد”، وهي تصريحات مستفزة من فنان زار المغرب عشرات المرات للحصول على تكريمات من مهرجانات مغربية مختلفة ورئاسة لجان تحكيم.

ولم يتوقف مسلسل تطاول الإعلام المصري وإصراره على تشويه صورة المغرب عند هذا الحد، حيث وصفت الإعلامية وفاء الكيلاني، من خلال برنامج “الحكم” الذي تقدمه قناة “إم بي سي مصر”، المغرب ببلد السحر والشعوذة، و أفتى شيخ أزهري ببطلان عيد أضحى المغاربة وصيامهم بدعوى خروجهم على الإجماع.

مخطئ من يعتقد أن ما يصدر عن نشرات الأخبار في القناتين، الأولى والثانية، للتلفزيون المغربي، هو تصرف انفرادي، فالقنوات العمومية المغربية، تمثل صدى لسياسة المغرب الخارجية، ولا تعبر إلا عمّا يتوافق مع السياسة الرسمية للدولة.

ويبدو واضحا أن الدولة في المغرب، تعاملت، في هذه الواقعة، بمقولة كما تَدين تُدان، وتود إبلاغ رسالة إلى الإنقلابيين بمصر، مؤداها أن لصبر المغرب وصمته حدودا، إزاء بعض سياسات وتصرفات مصرية تجاه المغرب، كما ذهبت بعض المصادر إلى أن الموقف الجديد للمغرب، والذي جرى تصريفه  عبر وسائل الإعلام الرسمية، نوع من الرد على العلاقات المصرية الجزائرية المتنامية، خصوصا أن لدى المغاربة مخاوف من إمكانية حدوث تقارب مصري جزائري، شبيه بالذي حدث في حرب الرمال 1963، وهي حرب اتّحد فيها النظامان المصري والجزائري ضد المغرب،ويخشى المغرب أن يؤدي هذا التقارب إلى اعتراف مصري بما يسمى “بوليساريو”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *