متابعات

الممارسة الديمقراطية أكذوبة كبرى لدى قيادة البوليساريو

يعتبر نظام جبهة البوليساريو من الأنظمة التي تبنت سابقا النهج الماركسي على الطريقة الكوبية مظهرا وعلى الطريقة الليبية القذافية كأسلوب سياسي في الحكم، وقد عملت جبهة البوليساريو على نهج نظام الحكم الأحادي أي وحدة الحزب وما يسمى بالدولة.

وبحكم هيمنة القيادة كإطار على المشهد السياسي تحولت بانفرادها بالحكم إلى الممثل الوحيد للدولة الوهمية وللقضيةK إلى درجة تشكلت لدى العديد من الأوساط الصحراوية قداسة القيادة الحاكمة وعدم نقدها أو المساس بها باعتبارها المرجعية الوحيدة، وأصبحت صوت أو فكر تحرري خارج عن إستراتجيتها بمثابة خيانة القضية وإلحاقه بخانة المتآمرين.

الشرعية هي مفهوم يطلق على كل نظام حكم ديمقراطي وصل إلى سدة الحكم عبر صناديق الاقتراع.. أما مفهوم المشروعية فهي «الصفة» التي تطلق على الأنظمة الدكتاتورية والاستبدادية التي تهيمن على الحكم بطرق ملتوية كالانقلابات العسكرية أو الانتخابات المزورة وتبني الخيار البيروقراطي.

فتبرير المشروعية بالنسبة للقضية الصحراوية يتم عبر سيناريوهات المؤتمرات الشعبية، وذلك لخشيتها وخوفها من المجازفة بورقة الديمقراطية في الساحة الداخلية الصحراوية، ومن أجل ضمان بقائها في السلطة لزمن طويل مع زمرة من القياديين الذين تفننوا في توزيع الحقائب الوزارية والمناصب العليا في مابينهم مجسدين استشراء الولاءات والتوازنات القبلية وكذا تزكية المخابرات الجزائرية.

فتلك المؤتمرات دائما تخرج بنتائج مناقضة لرغبة القاعدة الشعبية التي يفترض أن تكون إفرازا مباشرا لها، وتأتي نتائجها علي نقيض الرأي العام الصحراوي، بل تأتي حتى على نقيض المندوبين المشاركين في المؤتمر العام أنفسهم.

فبرصدنا لمداخلات بعض المؤتمرين الناقمين على الوضع العام وعلى ممارسات القيادة الصحراوية يصاب الجميع بالذهول بعد إعلان نتائج عكس المتوقع من المؤتمرين، ليجدوا نفس القياديين الفاسدين في إطار الترحال السياسي مابين كراسي ما يسمى بالأمانة العامة والحكومة والسفراء وممثلي المكاتب بالخارج، والعكس صحيح.

وفي الأخير يستسلم المؤتمرون لواقع النتائج لأنهم بطريقة أو بأخرى محسوبين على الخط السياسي الذي ينتمي إليه نظام الحكم، وبالتالي يرى هؤلاء المندوبين أن إجراء أي تغيير على هرم السلطة في قيادة البوليساريو سيؤتر دون شك سلبا على مستقبلهم سياسيا، وهذا هو الخلل الذي يؤدي إلى حصول فارق كبير بين ما تنادي به القاعدة الشعبية وبين حصيلة المؤتمر الوطني الفاقد للمشروعية.

ومازال هناك الكثير من الصحراويين الذين يخلطون بين النظام الحاكم أي القيادة وبين الدولة الوهمية / القضية ويعتبرون أي انتقاد جذري لهذه القيادة يعتبر مساسا بإحدى مقدسات الدولة الوهمية.

ومقابل ذلك نرى تطورا كبيرا في المسار الديمقراطي للمملكة المغربية خاصة عقب دستور 2011، من خلال الانتقال الحقيقي إلى توسيع ثقافة حقوق الإنسان، كل هذا التحول الذي جعل المغرب في مقدمة دول المنطقة المغاربية والعربية والإفريقية على المستوى الديمقراطي وكذا توفر جو الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، الشيء الذي أربك حسابات الجزائر وجبهة البوليساريو، مما سيحول أنظمتها إلى أنظمة تعود إلى القرون الوسطى في المجال الديمقراطي والممارسة الحقيقية للمواطنة.

وما يؤكد ذلك بجلاء انحسار الخيارات المستقبلية أمام جبهة البوليساريو، وقد تبين ذلك خلال المؤتمر الأخير الذي طبل بالتلويح بالعودة للكفاح المسلح، وهو خيار غير واقعي على الأرض في ظل موجة السخط والغليان داخل مخيمات الحمادة، في سياسة الاستقرار التي تعيشها المناطق الصحراوية الجنوبية، خاصة وأنها مقبلة على انتخابات جماعية تؤسس لجهوية متقدمة بالصحراء، وهذا شكل من أشكال الديمقراطية في اختيار ممثلين صحراويين حقيقيين للمناطق الجنوبية.

هذا في الوقت الذي تعيش فيه في الضفة الأخرى شرق الجدار الأمني المغربي أوضاعا مأساوية، ومسرحيات المؤتمرات الشعبية، وفرض سياسة الطوق العسكري والمخابراتي على المخيمات مما يجعل الوضع الراهن على حافة الانفجار العام.

ويتبن بشكل جلي أن الصراع إذن هو صراع جزائري مغربي، فبالنسبة للمملكة المغربية فالأمر محسوم بمخطط الحكم الذاتي الموسع بتعديلات وبضمانات من الأمم المتحدة، فالعاهل المغربي في خطاباته الأخيرة أكد أن مسألة الصحراء هي مسألة وجود لامسألة حدود.

كما أن المغرب برصيده الحالي أصبح رقما صعبا و فاعلا رئيسا في العالم ومعادلات السلم الدولي ولديه استقلال تام في القرار السياسي لا تبعية لجهة ولا محور ولا تكتل، على عكس جبهة البوليساريو فهي تابعة بشكل مباشر للدولة الجزائرية وبالتالي فالصراع سيتجه نحو تهميش “القضية” مادامت قيادة الرابوني مصرة على نهج سياستها العدمية المضرة أولا وأخيرا بمصالح الصحراويين التواقين للعيش في كرامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *