متابعات

بيتر غريسته .. قصة صحفي مسيحي اتهم بالانتماء للإخوان

عندما قررت إدارة شبكة الجزيرة نقل الصحفي بيتر غريسته من مقر عمله في نيروبي، عاصمة كينيا إلى القاهرة لتغطية تطورات الأحداث هناك لمدة ثلاثة أسابيع، كان الإجراء روتينيا.

وصل بيتر غريسته إلى القاهرة في ديسمبر 2013، بعدها بأسبوعين داهمت الشرطة غرفته بفندق ماريوت بصحبة اثنين من الزملاء العاملين في شبكة قنوات الجزيرة، وهما محمد فاضل فهمي وباهر محمد، وأودع في سجن طره.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يشعر فيها صحفيون من قناة الجزيرة بقوة الدولة المصرية.

فخلال النصف الثاني من عام 2013، ألقت السلطات القبض على عدد من المراسلين والمصورين والمنتجين العاملين في قناة الجزيرة القطرية، وتعرضوا للضرب كما صادرت السلطات معداتهم.

وجرى احتجاز معظمهم لفترة قصيرة قبل إطلاق سراحهم.

الإخوان المسلمون

اعتبر النظام الحاكم في مصر الذي يدعمه الجيش خلال قيادة الرئيس المؤقت عدلي منصور في ذلك الوقت قناة الجزيرة متعاطفة مع الإخوان المسلمين، بعد أن صنفت الدولة الجماعة منظمة إرهابية بعد إطاحة الجيش بالرئيس السابق محمد مرسي المنتمي إلى الجماعة في يوليو 2013.

واتهمت السلطات غريسته وآخرين بنشر أخبار كاذبة وتشويه صورة مصر في الخارج، لكن التهمة الواضحة كانت مساندة الإخوان المسلمين.

وكتب غريسته :”كيف يمكن إعداد تقرير إخباري دقيق ونزيه عن السياسية الجارية في مصر بدون الحديث مع جميع الأطراف؟”

وأضاف :”نقوم بعملنا من منطلق مسؤوليتنا وحرفيتنا كصحفيين، نسجل ونحاول فهم الأحداث الجارية بمنتهى الدقة والنزاهة والتوازن”.

منظمات إخبارية في شتى أرجاء العالم نظمت وقفات احتجاجية صامتة

وراجت آمال بشأن إطلاق سراح غريسته وزملائه بسرعة. كانت الحملة في بدايتها غير جاذبة للانتباه، مناقشات خلف الكواليس، لكن سرعان ما أصبح واضحا أن الثلاثة ستطول مدة اعتقالهم.

ومرت أيام وأسابيع تعالت معها أصوات تطالب بإطلاق سراح الصحفيين الثلاثة.

كما تنقل أفراد أسرة بيتر غريسته بين استراليا والقاهرة في محاولة للضغط من أجل إطلاق سراح ابنهم.

ونظمت احتجاجات في شتى أرجاء العالم من جانب حكومات ومن جانب الأمم المتحدة وصحفيين زملاء.

ومن داخل السجن كتب غريسته :”لا يبدو أن اعتقالنا بسبب العمل على الإطلاق، بل يبدو أنه من أجل سيطرة الحكومة على ما تراه طبيعيا ومقبولا. فكل من يصفق للدولة يعتبر في أمان ويستحق الحرية. ومن خالف ذلك يواجه تهديدا”.

زنزانة ضيقة

قبل جلسة استماع المحكمة في فبراير العام الماضي، وصف أندرو، شقيق بيتر غريسته، زنزانة أخيه والاثنين الآخرين قائلا: “مساحتها 3 أمتار مربعة تقريبا. بها سرير واحد عند أحد الجدران وسرير آخر بطابقين عند الجدار الآخر. كما يوجد مكان صغير للاغتسال، كما تعلمون، ومساحة لمرحاض صغير، لذا كانت الظروف صعبة للغاية”.

وبعد ستة أشهر، مثل الرجال للمحاكمة، ونشرت صور لغريسته وزملائه داخل قفص حديدي في غرفة المحكمة في شتى أرجاء العالم. وفي أواخر يونيو الماضي صدر حكم أدان الثلاثة وحكم على بيتر غريسته ومحمد فاضل فهمي بالسجن سبع سنوات، بينما حكم على باهر محمد بالسجن 10 سنوات.

وضع الصحفيون داخل قفص حديدي أثناء وقاع جلسات المحاكمة

وانهارت أسرة بيتر غريسته فور سماعها الحكم، وقال أندرو غريسته: “أنا مندهش لذلك، لا أفهم كيف أصدروا مثل هذا القرار”.

من جانبه قال جوريس، والد غريسته، في استراليا :”إنه جنون، إنه جنون، إنه جنون بحق”.

كما أطلقت احتجاجات دولية على الحكم، إذ وصف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الاتهامات بأنها “قاسية وتقشعر لها الأبدان”، وبعد يوم من ذلك اجتمع بالرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي، كما استأنفت الولايات المتحدة تقديم مساعداتها الاقتصادية والعسكرية لمصر.

ووصفت منظمة العفو الدولية، المعنية بحقوق الإنسان، القرار بأنه “يوم مظلم” في حرية الصحافة. وقالت المنظمة: “فشلت النيابة في تقديم دليل واحد دامغ يربط الصحفيين بأي منظمة إرهابية أو يثبت أنهم (لفقوا) صورا إخبارية”.

لكن القيادة في مصر لم تحرك ساكنا، وقال الرئيس السيسي إنه لن يتدخل في أحكام القضاء، ومن ثم بدأ الثلاثة عملية طويلة لاستئناف الحكم.

تنامي التكهنات

وبحلول بداية نوفمبر بدأ بصيص أمل يظهر في القضية.

لقد أصدر السيسي مرسوما يسمح بقضاء الأجانب المحكوم عليهم بأحكام قضائية عقوبتهم في بلادهم. وبناء عليه أعلنت أسرة بيتر غريسته عن ترحيبها الحذر.

أسرة بيتر غريسته ناشدت مباشرة الرئيس السيسي لإطلاق سراح ابنهم

وتنامت تكهنات بشأن ما إذا كان النظام يفكر في تغيير موقفه مع اقتراب موعد الاستئناف في يناير.

وحكم قضاة الاستئناف بإعادة المحاكمة، إذ اعترفت النيابة بوجود مشكلات في الأحكام.

وبعد يوم من الشائعات تم ترحيل بيتر غريسته في الأول من فبراير، بينما يظل مصير زملائه غير معلوم.

ويبدو أن السلطات المصرية تأمل في أن تبدأ إعادة بناء سمعتها دوليا، غير أن جماعات حقوق الإنسان سرعان ما أشارت إلى وجود الآف السجناء السياسيين في السجون المصرية. ويسألون أين الصحيات من أجلهم؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *