وطنيات

رؤية مغربية خاصة في مجال محاربة التطرف

كشف المكتب الوطني للتحقيقات القضائية، الذي تصفه الصحافة المغربية بأنه “FBI” المغرب، أن عدد الخلايا الإرهابية المفككة منذ 2002 بلغ 132، فيما عدد المعتقلين في قضايا الإرهاب بلغ 2720، اضافة إلى تسجيل 267 محاولة ارهابية فاشلة، بين محاولة مهاجمة بالسلاح ومحاولة اختطاف ومحاولة اغتيال ومحاولة تفجير.

وتم الإعلان عن هذه الأرقام الجديدة الاثنين الماضي، خلال مؤتمر صحافي بمقر المكتب، حيث تم تقديم تفاصيل تفكيك خلية وصفت بـالأكبر من نوعها خلال السنوات الماضية، باعتبار أنها كانت تنشط في تسع مدن مغربية وبحوزتها أسلحة، وقد بايعت تنظيم (داعش).

وكشف التحقيق الأولي مع أعضاء هذه الخلية أنها كانت تستهدف شخصيات مغربية، اضافة إلى استهداف عناصر فرقة حذر عبر تسميمهم، وهي فرقة مكونة من أفراد الجيش والشرطة، نشرتها السلطات نهاية 2014 في الأماكن الحساسة تحسبًا لأية عمليات ارهابية محتملة.

الأكثر استقرارًا

وأكد مصطفى الخلفي، وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، أخيرًا أن المغرب، الذي بلغ عدد قضايا الارهاب المسجلة فيه خلال 2014 قرابة 150 قضيةـ بزيادة نحو 130 بالمئة مقارنة بـ 2013، يعيش حالة يقظة دائمًا، تحسبًا لأية عمليات وهو ما يعكسه نشر أعضاء فرقة حذر.

وبفضل هذه اليقظة الأمنية، تبقى المملكة بحسب طارق أثلاثي، مدير المركز المغربي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، البلد الأكثر استقرارًا في المنطقة، والأقل تعرضًا للخطر مقارنة مع البلدان التي تقتسم حدودها مع ليبيا، التي تعيش حالة من الفوضى وصعودا لتنظيم داعش.

وهذه اليقظة الأمنية، حسبما أكد لوي كابريولي، نائب المدير العام السابق لـالإدارة الفرنسية لمراقبة التراب الوطني (المخابرات الداخلية الفرنسية)، في حديثه لوكالة الصحافة الفرنسية، ليست وليدة اليوم، فهي تعود إلى سنوات التسعينيات، حيث طورت الأجهزة الأمنية المغربية قدراتها وخبراتها منذ 1990 مع المقاتلين المغاربة في أفغانستان.

أكبر مصدّر

في هذا الإطار، يوضح المنار السليمي، مدير المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات لدى المملكة، أن قاعدة بيانات شاملة حول الظاهرة تقتسمها مع حلفائها الغربيين، وهذه القاعدة تم تطويرها أكثر عبر التحقيقات مع العائدين لرسم بروفايلات وتوجهات المجموعات المقاتلة خصوصا مع داعش.

والمغرب من اهم مصدري المقاتلين في صفوف داعش، مع 1354 مقاتلًا حسب الأرقام الرسمية الجديدة، بينهم 185 امرأة و135 طفلا، من دون احتساب مغاربة أوروبا. عاد من هؤلاء المقاتلين 156 فردًا تم اعتقالهم والتحقيق معهم، حيث يشكلون مصدر معلومات مهم للمخابرات المغربية.

وفسرت الصحافة في المغرب وفرنسا عودة العلاقات المغربية الفرنسية إلى مجراها الطبيعي منتصف شباط (فبراير) الماضي، بعد عام من القطيعة الدبلوماسية والأمنية، بـالرغبة الملحة لدى باريس في الاستفادة من الخبرة الأمنية المغربية وتقوية التعاون خاصة بعد استهداف صحيفة شارلي ايبدو الساخرة.

وبحسب السليمي، سبق للمخابرات المغربية أن زودت نظيرتها الفرنسية بمعلومات مهمة في هذا المجال، كالتحذير من محاولة لتفجير مقر المخابرات الفرنسية في باريس.

إصلاح الحقل الديني

اضافة إلى الإجراءات والتنسيق الأمنيين، أطلق المغرب سنة 2004 برنامجًا وطنيًا لإعادة هيكلة الحقل الديني، عقب تفجيرات 16 ماي 2003 في مدينة الدار البيضاء، والتي أودت بحياة 45 شخصًا، وذلك بهدف تحقيق الأمن الروحي للمغاربة، بإشراف مباشر من إمارة المؤمنين، ممثلة في الملك محمد السادس.

لكن إحصائيات أوروبية كشفت أن 80 بالمائة ممن اعتقلوا في أوروبا بين 2003 و2010 من أصول مغربية، كما أن 82 بالمائة من أئمة المغرب سنة 2006 ليس لديهم تحصيل علمي سوى حفظ القرآن.

وتكررت سنة 2007 التفجيرات في الدار البيضاء، ما دفع بالسلطات سنة 2008 إلى تقوية برنامجها لإعادة هيكلة الحقل الديني، مخصصة لذلك نحو 20 مليون يورو بغرض نشر اسلام سني مالكي متسامح، عبر ادراج اللغات والثقافات في مناهج تكوين الأئمة واطلاق جيل جديد من المرشدين والمرشدات الدينيين، تم ارسال عدد منهم إلى المساجد الأوروبية لتأطير المغاربة ومواجهة زحف الإسلام الوهابي في القارة العجوز.

تنامي القاعدة

وعمدت الرباط إلى اعادة دمج بعض رموز السلفية الجهادية، وبينهم الشيخ محمد الفزازي الذي اعتقل عقب تفجيرات الدار البيضاء في 2003 وخرج بعفو ملكي في 2011 في خضم الحراك الشعبي في المغرب رفقة رموز سلفية أخرى.

هذا الشيخ الذي كان محكومًا بالسجن لمدة 30 سنة مع النفاذ، ألقى في تحول جذري سنة 2014 خطبة الجمعة امام الملك محمد السادس، اكد فيها أهمية الأمن والاستقرار من اجل ممارسة الشعائر الدينية.

لكن تنامي الحركات المتطرفة الموالية للقاعدة في شمال أفريقيا وبلاد الساحل والصحراء، رفع الرهان وجعل الرباط تصدر تجربتها الدينية الخاصة بتكوين الأئمة، فكانت مالي أول مستفيد بـ500 امام بدأ تكوينهم في 2014 وسيستمر هذا التكوين في مركز جديد انتهى بناؤه، وينتظر أن يدشنه العاهل المغربي قريبًا.

واليوم التحق عدد من البلدان الأفريقية بهذا المركز، بينها تونس وساحل العاج وغينيا كوناكري والسنغال، اضافة إلى بلدان أوروبية بينها فرنسا وبلجيكا.

كما قوى المغرب تشريعاته المتعلقة بمحاربة الإرهاب حيث اقرت الحكومة في أكتوبر الماضي تعديلات قانونية تعاقب بالسجن حتى عشر سنوات كل من التحق أو حاول الالتحاق ببؤر التوتر او قام بالتجنيد أو التدريب لصالح التنظيمات الإرهابية، اضافة إلى غرامات ثقيلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *