متابعات

كرونولوجيا .. إحصاء صحراويي مخيمات تندوف مطلب مغربي قديم

بالرغم من كون المطالبة بإحصاء ساكنة مخيمات تندوف بالجزائر كان مطلبا مغربيا قديما، فإن الجزائر سعت بكل الوسائل إلى عدم السماح للمفوضية السامية لغوث اللاجئين للقيام بالإحصاء المذكور، إلا أن التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة نص صراحة على ضرورة إجراء هذا الإحصاء لرفع الغموض واللبس عن عدد من  القضايا المرتبطة بنزاع الصحراء، وحتى يتسنى للمنتظم الدولي الوقوف على الأوضاع بمخيمات تندوف بالأرقام والحالات والوضعيات، بعيدا عن خطابات البروباكندا التي تعممها البوليساريو وداعمتها الجزائر.

يقول خبراء في مجال غوت اللاجئين إن حالة ساكنة مخيمات تندوف من بين وضعيات اللاجئين الأكثر كارثية في العالم، كما أنها حالة شاذة وفريدة من نوعها في تاريخ المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فإذا كانت المفوضية تعتبر إحصاء اللاجئين حقا أساسيا ووسيلة هامة لحمايتهم، وآلية فعالة لجدولة وتصميم مشاريع العناية بهم، فإنه بعد قرابة أربعة عقود من نفيها القسري في صحراء لحمادة في الجنوب الجزائري، لازالت ساكنة مخيمات تندوف الوحيدة في العالم التي لم يشملها التسجيل والإحصاء على الرغم من أحكام اتفاقية جنيف لسنة 1951 حول وضعية اللاجئين وولاية المفوضة العليا للاجئين.

ويضيف الخبراء بأن المفوضية قدمت رسميا طلبات للحكومة الجزائرية في 1977، 2001، 2003 و2005 لتمكينها من إجراء عملية إحصاء السكان الصحراويين “اللاجئين” في مخيفات تندوف.

كما قدم المغرب أول طلب لإحصاء سكان مخيمات تندوف في أكتوبر 1976، عندما طلب الوفد المغربي من اللجنة التنفيذية للمفوضية “القيام بإحصاء مناقض للصحراويين الأصليين لتحديد عددهم بدقة”. وفي 22 فبراير 1977 بعث المفوض السامي رسالة للأمين العام للأمم المتحدة بخصوص مسألة إحصاء السكان بمخيمات تندوف، وفيها يقول: “يحدوني أمل صادق في أن التعداد المقترح للاجئين الصحراويين من شأنه أن يسهم بشكل كبير في تشجيع التوصل إلى حل مرض لهذه المشكلة الشاملة”.

وفي 11 مارس 1977 أكد الأمين العام للأمم المتحدة في رسالته الموجهة للمفوضية ما يلي: “أنا أتفق معك في التفكير أنه إذا كانت الحكومات الثلاثة لكل من الجزائر وموريتانيا والمغرب على استعداد لقبول فكرة إحصاء تنظمه الأمم المتحدة، إنها ستسهم بالتأكيد نحو حل الوضع الصعب السائد في المنطقة. ولكن يبقى السؤال من منهم على استعداد للقيام بذلك؟”.

‎ومباشرة بعدها وفي 18 ماي 1977 أرسلت المفوضية السامية لحقوق اللاجئين مذكرة للبعثة الدائمة للمغرب والبعثة الدائمة للجزائر في جنيف موضحة أن الأمين العام للأمم المتحدة طلب من المفوضية إحصاء “اللاجئين”. وأوضحت المفوضية بأن الإحصاء سيسهل “تحديد الصحراويين انطلاقا من المعطيات التي ساهمت في الإحصاء الذي قامت به إسبانيا في 1974 والذي تم إبلاغه للأمين العام للأمم المتحدة”. نفس المذكرة الشفوية توضح التدابير، الموارد البشرية والوسائل اللوجستيكية المطلوبة لعملية الإحصاء.

المذكرة الشفوية تشير بأن المفوضية تود أن تقوم بعملية الإحصاء في أحسن المواعيد الممكنة وتطلب من السلطات الجزائرية بإبداء أي اقتراحات هادفة حول هذا الموضوع. وفي 30 ماي 1977 أعطت السلطات المغربية الموافقة على الإحصاء في رسالة موجهة للمفوضية، لكن ليس هناك أي موافقة كتابية من الحكومة الجزائرية في أرشيف المفوضية وهو ما يعني رفضا للموضوع.

‎من جهة أخرى أفاد خبراء غوث اللاجئين أن المفوضية قامت بتعاون مع برنامج التغذية العالمي سنتي 2004 و2008 بدراسة تثير عمليات الغش في تدبير المساعدات الموجهة “للاجئين” وتضع علامة استفهام على تضخيم عدد “اللاجئين” في المخيمات. وتقرر بعدها، بتوافق مع برنامج التغذية العالمي، مراجعة العدد التقديري لسكان المخيم المحتاجين للمساعدة من 160 ألف كما تطلب جبهة البوليساريو، إلى 90.000 حالة بداية من 1 شتنبر 2005. ونصت المفوضية على أن هذا الرقم سيشكل أساس عملها في انتظار السماح لها بالقيام بعملية الإحصاء.

إثر ذلك وفي 7 غشت 2006 وجه المفوض السامي السيد غوتريس رسالة يطالب السلطات الجزائرية بإجراء إحصاء لسكان مخيمات تندوف، لكن الجواب الذي ورد منها على المفوضية في 22 شتنبر 2006 حمل رفضا واضحا على أساس أن مسألة إحصاء اللاجئين “لا تنفصل عن مخطط السلام…”.‎

وأضاف الخبراء أن المغرب بقي يطالب بالإحصاء بوصفه إجراء ذا بعد إنساني وحقوقي بالأساس، ففي 28 يناير 2011 أحاط وزير الشؤون الخارجية المفوض السامي بالموضوع، وطلب منه التدابير المتخذة من طرف هيئته لوضع نداء الأمين العام للأمم المتحدة، بخصوص إحصاء سكان مخيمات تندوف والمقابلات الفردية، حيز التنفيذ.

وفي 15 يونيو 2011، راسل المفوض السامي الوزير المغربي للشؤون الخارجية ليعلمه بأنه أثار مسألة الإحصاء مع السلطات الجزائرية، بدون الحصول على جواب حول هذا الموضوع. وفي 6 مارس 2013 وجه الوزير المغربي للشؤون الخارجية والتعاون رسالة للأمين العام للأمم المتحدة يذكره فيها بحتمية الإحصاء لأسباب إنسانية وحقوقية وأخرى تتعلق بالسلامة والأمن. فالعالم لا يعرف اليوم كم هو العدد الحقيقي للاجئين، ولا يعرف إن كانوا ينحدرون فعلا من الأقاليم الصحراوية المغربية أم من دول أخرى في الجوار، وخصوصا مع تصاعد الهجرة السرية في المنطقة.

وواصل المغرب مساعيه في إطار أجهزة المفوضية السامية، وفي اتصالاته المختلفة مع مسؤولي الدول الكبرى من أجل السماح للمفوضية بالقيام بواجبها في بالإحصاء، وتمتيع ساكنة المخيمات بالحماية الإنسانية الدولية والاستفادة من الحلول المتبعة في إطار استجواب فردي.

وكان من نتائج الجهود المغربية في هذا المجال أن بقيت تقارير الأمين العام للأم المتحدة تؤكد طيلة السنوات الأخيرة كما يلي: “وريثما يتم تسجيل اللاجئين في المخيمات القريبة من تندوف، ظلت المساعدة الإنسانية المقدمة من المفوضية وبرنامج الأغذية العالمي قائمة على أساس مؤشر تخطيط سكاني بالغ 000 90 شخص من الفئات الضعيفة من اللاجئين، حيث يقدم برنامج الأغذية العالمي 000 35 حصة غذائية للأشخاص ذوي الحالة التغذوية السيئة في المخيمات’’.

وأخيرا فإن توصية بان كي مون بإحصاء ساكنة مخيمات تندوف تعتبر انتصارا للدبلوماسية المغربية، واستجابة لمطلب مغربي قديم، حيث جاءت هذه التوصية بعد توالي فضائح السلطات الجزائرية ومعها القيادة المتنفذة للبوليساريو فيما بات يعرف بفضيحة بيع المساعدات الإنسانية الموجهة لساكنة مخيمات تندوف وهي الفضائح التي وقفت عليها أكثر من منظمة دولية وحكومية ومدنية كان آخرها البرلمان الأوروبي الذي سيناقش مقترح قرار تقدم به عدد من البرلمانيين الأوربيين إلى رئاسة البرلمان الأوروبي بهدف وقف تقديم المساعدات الإنسانية الموجهة لمخيمات تندوف.

وكان النواب البرلمانيون الذين ينتمون إلى عدد من دول الاتحاد الأوربي، قد طالبوا من خلال هذا المشروع، المفوضية الأوروبية بالوقف الفوري لمنح هذه المساعدات لمخيمات تندوف، خصوصا بعد اكتشاف عمليات بيع هذه المساعدات التي تعرض في المحلات التجارية بالجزائر وموريتانيا ومالي.

كما أوصى المشروع بتوقيف هذه المساعدات طالما أن إحصاء ساكنة هذه المخيمات لم يتم إجراؤه من طرف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وطالب هؤلاء البرلمانيين بإحصاء اللاجئين الذين ترفض الجزائر لحد الآن السماح للمفوضية بإحصائهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *