مجتمع

الأطباء أكثر مرضًا من مرضاهم

ذكر الطبيب السويسري المعروف بيرنهارد غورتون مرة أن الأطباء أصعب أنواع المرضى، تختفي تحت معاطفهم البيضاء الكثير من الحقائق السوداء. فهم ميالون بالسليقة إلى عدم استشارة طبيب مختص مهما كانت أمراضهم صعبة، ولا يفعلون ذلك إلا تحت الضغط العائلي، بل يكذّبون نتائج فحوصهم المخبرية، ولا يتعاطون أدوية يصفونها في العادة لمرضاهم. عجرفة الأطباء وقد استفتت مجلة ابوتيكر اومشاو الصيدلية المعروفة، التي تصدر عن نقابة الصيادلة الألمان، قراءها حول الأسباب التي تدفعهم لتغيير أطبائهم، فقال ثلثا من جرى استفتاؤهم إن أهم الأسباب هو عجرفة الطبيب. ومعروف أن الأطباء في ألمانيا يوزعون مرضاهم على غرف الفحص، بما يتيح لهم فحص أكثر من مريض في كل مرة. فهناك دائمًا مريض في غرفة الفحص الداخلي، وآخر في غرفة الأشعة، وثالث في غرفة ناظور المعدة…إلخ. وهذه طريقة عامة في اوروبا، ولا يتغلب عليها سوى الأميركيين، الذين تقول نقابة أطباء الداخلية في واشنطن إنهم يعالجون في العيادات عشرة مرضى دفعة واحدة. لهذا، يغير 65,6% من الألمان أطباءهم بسبب العجرفة، فلا وقت أمام الطبيب لفحص مريضه بصورة وافية، و65,2% لأنه لا يستمع إلى شكواه أو تفاصيل المرض الذي يعاني منه، و61,2% لأنه لا يشرح تفاصيل المرض. وبعض الأطباء لا يلاحظ أن وقت المريض مهم أيضًا، كما وقته تمامًا، لذلك فإن سكرتيرته تعطي المريض موعدًا بعد أسابيع، ما يدفع نسبة 52,4% من المرضى لتغيير الطبيب. ويرى 49,9% من المرضى أن وقت الانتظار في العيادة طويل، سواء في قاعة الانتظار، أو في غرف الفحص. لا يزورون طبيبًا عن الأمراض المتعددة التي تختفي تحت المعطف الأبيض، ولا تبلغ سماعة الطبيب، تقول دراسة أميركية جديدة شملت 4000 طبيب، أجراها مختصون في جامعة لوس انجيليس، إن نصف الأطباء اعترفوا بأن لا طبيب عائلة لديهم، ويعالجون أنفسهم وعوائلهم بنفسهم، مهما تنوعت الأمراض، بعيدًا عن اختصاصاتهم. لا يلقح أكثر من نصف الأطباء الأميركيين أنفسهم ضد الانفلونزا والتهاب الكبد الفيروسي، ولا حتى ضد الملاريا عند رحلات الاصطياف التي يقضونها في أفريقيا الوسطى. ولا يمارس 20% منهم الرياضة أو النشاط الجسدي من أي نوع، ولا تجري 50% من الطبيبات الفحص المنتظم للتأكد من سلامة الثديين من الأورام السرطانية، وهو ما ينصحن مريضاتهن به عادة. الطبيب الاسكافي علق الطبيب مارتن شنايدر، من جامعة جنيف، على نتائج دراسة أجراها بين الأطباء العموميين في سويسرا، بالقول إن وضع السويسري كوضع الاسكافي، الذي يقول المثل إنه يلبس أردأ الأحذية. وظهر في الدراسة التي شملت 1784 طبيبًا سويسريًا عموميًا أن ثلثهم فقط يستشيرون زملاءهم المختصين عندما يمرضون بأمراض خارج اختصاصاتهم. قال 20% من الطبيبات والأطباء أن لهم طبيبًا عائليًا يعتني بأمراضهم، ولم يستشر 50% منهم طبيبًا مختصًا في السنوات الأخيرة. ومن بين نسبة 50% الذين تنازلوا عن عجرفتهم وزاروا طبيبا مختصًا، استشار 13% منهم طبيبًا مختصًا في القلب في السنة الأخيرة، و8% فقط استشاروا طبيبًا نفسيًا، و 28% استشاروا أطباء من اختصاصات أخرى. وعالج 90% من الأطباء السويسريين أنفسهم بأنفسهم في السنة الأخيرة، واعترف 65% منهم بأنهم تعاطوا العقاقير المختلفة في الاسبوع الأخير الذي سبق الدراسة، وكانت هذه العقاقير أدوية مسكنة للألم (بنسبة 34%)، وأدوية مهدئة (14%)، ومضادة للاكتئاب (6%). مشاكل نفسية وإدمان في ألمانيا، أجرت نقابة الأطباء استطلاعًا للرأي بين 790 طبيبًا عائليًا وعموميًا من ولاية راين بفالز، فبيّن الاستطلاع أن الأمراض النفسية تنتشر بينهم أكثر مما كان متوقعًا، بل وأكثر مما تنتشر بين السكان. فقد اعترف 25% منهم بالمعاناة من الاكتئاب بدرجات متعددة، وبأنهم يعالجون الحالة بأنفسهم من دون استشارة مختصين. واعترف 10% منهم بالمعاناة من مرض نفسي ما، وتناول 17% منهم عقاقير لمعالجة أمراضهم النفسية بأنفسهم. وتستنتج الدراسة أن عدم استشارة الأطباء لزملائهم المختصين تكمن في القناعة بأن الزميل الآخر لا يعرف أكثر منهم، مع خجل الاعتراف بأنه طبيب يداوي الناس وهو عليل. والخطير والذي يدل على عدم المسؤولية هو أن معظم الأطباء يزاولون عملهم حتى لو كانوا مرضى. وربما يعتقد الطبيب بأن الظهور أمام المرضى كمريض يقلل ثقتهم به. ويخشى الأطباء تمامًا أن يشاهدهم مرضاهم في عيادات الأطباء المختصين، ويعتقدون أن المريض لن يطلب مساعدة طبيب مريض. إلى ذلك، ربع أطباء أوروبا يدخنون السجائر، بحسب تقدير مفوضية الصحة الأوروبية. ويبدو الوضع في الولايات المتحدة أفضل في هذا المجال، لأن نسبة الأطباء المدخنين لا تزيد عن 2% بحسب دراسات أجريت هناك. وتقدر مجلة الطبيب الألماني عدد الأطباء متعاطي الكحول في ألمانيا بنحو 8300 طبيب، وترتفع نسبتهم بين الجراحين إلى 18%، يليهم الأطباء العامين بنسبة 13%، ثم أطباء الأسنان بنسبة 11%، ويليهم أطباء الأمراض الداخلية بنسبة 10%. ميول انتحارية تكشف الدراسة السويسرية المذكورة أعلاه، التي أجراها الطبيب مارتن شنايدر، أن الأطباء يعانون من الأمراض النفسية أكثر من غيرهم، كما أن نسبة ميولهم الانتحارية تزيد 2,5 مرة عن ميول المحامين والمهندسين المعماريين. والمعروف أن الانتحار كان مصير الطبيب المعروف هانز بيرغر، الذي ابتكر طريقة تخطيط الدماغ كهربائيًا، كذلك الطبيب النفسي المرموق، وتلميذ المدرسة الفرويدية، برونو بيتلهايم. وأكد 43% من الأطباء الذين شملهم الاستفتاء انهم يعرفون زميلًا قتل نفسه. اعترف ثلث الأطباء انهم قد تجاوزوا مرة مرحلةً كانت ستدفعهم للانتحار، وفكّر 5% منهم في الانتحار فعليًا. وشملت الافكار الانتحارية الأطباء السويسريين المختصين بالأمراض العقلية قبل غيرهم، وكذلك المختصين بالتخدير وأمراض وجراحة العيون. وكانت الأفكار الانتحارية في أدنى مستواها بين أطباء الأطفال وأطباء الأمراض الجلدية والجراحين. أرامل مع وقف التنفيذ تنعكس مشاغل الأطباء وضيق وقتهم وقلة اجازاتهم على عائلاتهم، فالطب من أكثر المهن التي يعاني أصحابها من مشاكل الطلاق. يصف الطبيب النفسي بول كيلهوز، من مدينة بازل السويسرية، الطبيبات والأطباء بأنهم أرامل مع وقف التنفيذ. فمشاكل الأطباء العائلية كبيرة، لكن نسبة الطلاق بينهم منخفضة، وهذا يعني انهم يعيشون حياة عائلية محطمة. ترتفع نسبة الطلاق في الولايات المتحدة إلى 24,3% فقط، لكنها ترتفع بين الطبيبات والأطباء إلى 35%، وتميل الطبيبات أكثر من الأطباء الاميركيين للتقدم بطلب الطلاق. لكن الحالة في ألمانيا أكثر عبثية، لأن نسبة الطلاق ترتفع في بعض الولايات إلى 50%. لكن للأطباء مصدر سعادة آخر، رغم انهم أكثر مرضًا من مرضاهم، لأنهم يعيشون أطول من مرضاهم، بحسب مصادر المجلة الطبية الاسبوعية. وكتب البروفيسور روبرت يوتا في المجلة أن الأطباء يعيشون أكثر من الصحافيين والمهندسين. تعيش الطبيبة الألمانية 87,1 سنة كمعدل وسطي، ويعيش الطبيب 83,3 سنة كمعدل وسطي، وهذا أضاف 3,4 سنة للطبيبة عن معدل حياتها في سبعينات القرن العشرين، 2,2 سنة للطبيب. والمعدل المتوقع للحياة في ألمانيا هو 83,7 سنة للاناث و79,5 للذكور. تعليقًا على نتائج هذه الدراسات، كتبت الطبيبة كورنيلا تاوبر-باخمان في مجلة ميديكال تربيون الألمانية: نحن الأطباء ننتمي إلى أكثر أصناف المرضى عنادًا، ونشكك بقدرات زملائنا الأطباء، ونفضل أن نعالج أنفسنا بأنفسنا على أن نستشير زميلًا متخصصًا نعتقد انه لا يفهم شيئًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *