آخر ساعة

الجهوية الموسعة وحق العودة .. كوابيس تزعج قيادة الرابوني

مقال رأي:

إن الحديث عن قضية الصحراء لا يمكن فصله عن الحديث عن وضعية المغاربة المحتجزين بمخيمات تندوف فوق الأراضي الجزائرية الذين اعترفت لهم المفوضية بوضع لاجئين بشكل جماعي وليس بملتمسي لجوء.

فالمحتجزون او اللاجؤون كما يحلو للجزائرتسميتهم قد أجبروا لأسباب عديدة وفي سياق ظروف وملابسات مختلفة إلى التنقل نحو المناطق المحاذية للأقاليم الصحراوية المغربية والتجمع في مخيمات أقيمت في المنطقة الخاضعة للسيادة الجزائرية، وهم يوجدون في وضع يتناقض كليا مع القانون الدولي لأسباب عديدة، أهمها أنهم محتجزون في مخيمات عسكرية ضدا على مبادئ القانون الدولي الذي يفرض شروطا صارمة، توجب على بلد اللجوء التقيد بها عند السماح لإقامة هذه المخيمات (الحرص على ضمان الطابع المدني والإنساني والسلمي لهذه المخيمات الذي تشدد عليه الخلاصة رقم 94 المعتمدة من لدن اللجنة التنفيذية للمفوضية في 08 أكتوبر 2002)، فضلا عن كون المحتجزين الصحراويين قد حرموا منذ ما يزيد عن 30 سنة من الحماية الدولية بمعناها الواسع التي يكفلها لهم القانون الدولي من خلال ضرورة توفير الحلول الدائمة لوضعهم الإنساني المأساوي.

حق العودة في إطار الحكم الذاتي

إن المملكة المغربية ظلت تغذي كل الآمال المتعلقة بحل العودة الطوعية إلى الوطن، الذي تعتبره المفوضية والمجتمع الدولي أكثر الحلول تفضيلا، من خلال إطلاق المملكة المغربية، ومنذ بداية النزاع، نداء «إن الوطن غفور رحيم»، ومعلوم أن هذا النداء استجاب له العديد من الصحراويين رغم وضعية الحصار والاحتجاز الذي يمارسه الجيش الجزائري على المخيمات.

هذه الوضعية استدعت تحرك الدبلوماسية المغربية لتنبه المنتظم الدولي إلى وضعية الاحتجاز في الجزائر ومنع المغاربة المتواجدين بتندوف من العودة الطوعية إلى وطنهم الأصلي.

ومعلوم أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين قد تفهمت هذا المشكل فسارعت إلى الضغط في اتجاه فتح خط جوي بين المغرب والجزائر لتبادل الزيارات، مكسب عده عدد من المراقبين فرصة تذكي رغبة العودة الحقيقية للمحتجزين إلى المغرب وطنهم الأم.

وكانت المفوضية السامية للاجئين قد بدأت حملتها من أجل العودة الطوعية للاجئين، غير أن السلطات الجزائرية، حالت دون مواصلة الوكالة الأممية لمهمتها، حيث منعتها من إطلاع ساكنة المخيمات على حقها في العودة الطوعية.

وهكذا فقد عرقلت الجزائر تفعيل هذا الحل منذ ما يزيد عن30 سنة، بشكل مثير للاستغراب، بحيث تبقى البلد الوحيد في العالم الذي عارض، ليس لأسباب إنسانية، وإنما لأسباب سياسية واضحة، عودة السكان النازحين إلى بلدهم الأصلي.

ويتطلب مشكل الصحراء الإسراع في تطبيق النظام الجهوي والخروج من النزعة القبلية التي كانت سببا في تشديد المركزية من أجل الحفاظ على الوحدة الترابية من جهة وفشل الاستفتاء الذي كان مقررا لحل هذا المشكل من جهة أخرى.

والأولوية التي تمنح لهذه الجهة جاءت على لسان الملك الراحل الحسن الثاني حيث قال: “ها نحن اليوم نريد أن نطبق على أرض الصحراء والأقاليم الصحراوية، هذه الفضيلة الوطنية حتى ندعم تلك الجهة بما تستحقه من خير ورفاهية…وها نحن اليوم مقبلون على وضع أسس الجهة المغربية وأردنا وفاء بوعدنا واحتراما لالتزاماتنا أن نبدأ بالأقاليم الصحراوية”

إن الجهوية هي أساس تدعيم التنمية المحلية من خلال المشاريع التنموية الاجتماعية والاقتصادية كما تمكن المواطنين من تنظيم وتدبير شؤونهم المحلية والجهوية في إطار استقلال ذاتي إداري وتدبيري. كما تبدو عملية تدبير الانتقال الديمقراطية وترسيخه في كل أنحاء المغرب، بما فيها الأقاليم الصحراوية والتي تعرف التحول الديمقراطي   لا تطرح الاختيار الانفصالي، ولذلك فإن تدبير التحول الديمقراطي في المناطق الصحراوية يتطلب التفكير في الأسباب العميقة التي تدفع باستمرار الأطروحة الانفصالية ومدى تلاؤم جوهرها مع التحولات التي ما فتئ المغرب يعيشها، ومع التحولات التي تفرضا العولمة حاليا.

إن الإستراتيجية الأساسية للمغرب في تمتين وحدته الترابية تكمن في تطوير مشروعه الديمقراطي المرتكز على الجهوية، وتفعيل نصوصها على أرض الواقع من خلال تمكين الصحراويين، من أجهزة تمثيلية ذات اختصاصات فعلية وإمكانات مالية تسمح لها بالتدبير المحلي الفعلي انطلاقا من الخصوصيات التي تتمتع بها وكذلك إدماج كافة مكوناتها .

وقد أعلن جلالة الملك محمد السادس يوم 3 يناير من سنة 2010 في خطابه السامي قراره الإصلاحي على المستوى الدستوري، والذي يتمثل في العمل بالسياسة الجهوية من خلال الارتكاز على أربعة مبادئ رئيسية وهي: الوحدة، والتوازن، والتضامن، واللاتمركز الواسع. بيد أن هذه السياسة الإصلاحية الشاملة التي ستنفذ في كل ربوع المملكة المغربية ستعتمد على سياسية جهوية موسعة متدرجة لخلق أقطاب إدارية واقتصادية متنافسة وفي نفس الوقت طي ملف الصحراء المفتعل بشكل نهائي.

وبذلك يكون المغرب قد بدأ العد العكسي نحو إحداث نقلة نوعية على صعيد البنية المؤسساتية لنظامه السياسي، فالنظام الجهوي الموسع يعتبر، انطلاقا من مختلف التجارب التي نهجته، خيارا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا يتوخى في العمق تمكين مختلف جهات البلاد من الصلاحيات والموارد التي تؤهلها لتلبية حاجيات سكانها ومتطلباتهم والإسهام بشكل موازٍ في التنمية الوطنية الشاملة على أساس التضامن والتآزر والمساهمة في التطور العام للوطن.

والمغرب، باختياره هذا التوجه المتقدم، ينخرط بذلك في إطار ما يعرفه العالم من تطورات سياسية واقتصادية والتي أصبحت تتطلب منظورا آخر للحكامة غير المنظور المركزي الذي أبان عن محدوديته وقصوره في تلبية حاجيات مختلف المناطق وكافة الشرائح الاجتماعية.

كما أن إعطاء جلالة الملك لأعضاء اللجنة مهلة محددة، نهاية يونيو، لتقديم تصور عام للنموذج الجهوي المغربي بعد الإصغاء والتشاور مع الهيآت والفعاليات المعنية والمؤهلة، يؤكد أن المغرب، ممثلا في أعلى سلطة به، جاد في المضي قدما لتفعيل هذا النموذج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *