آراء

الأحزاب السياسية و الشباب أية علاقة؟

لا يختلف اثنان حول أهمية الإصلاحات التي انخرط فيها المغرب و التي رامت بالأساس نهج سياسة تصالحية فيما بين النص والإنسان ، فقارب في صياغته للنص الدستوري مأسسة للتشاركية الفعلية حيث حصل التعديل الدستوري ل2011 “حصريا” على نقاش عمومي شارك فيه جل مكونات المجتمع المدني و الأحزاب السياسية بكل تياراتها . دون أن ننكر أيضا أن روح هذا الدستور تحمل في طياتها إرادة حقيقية في الرقي بمستوى الممارسة السياسية ، عبر إشراك الشباب و المرأة في الحياة العامة حتى تستطيع بلادنا مواكبة تحديات المستقبل .

و في هذا السياق، لا بد من تذكير أحزابنا السياسية – لعل الذكرى تنفعنا جميعا- بأن التعديل الدستوري لسنة 2011 جاء لتصحيح وضع حزبي و سياسي عكس ضعف السياسيات العمومية في خدمة حقوق المجتمع و تلبية حاجياته خاصة تلك المتعلقة بالفئات الهشة منه ، لكن بالرغم من ذلك لا زالت أحزابنا السياسية تعيش أزمة ثقة و هي انعكاس لانعدام الديمقراطية الداخلية و ضعف في البنية الحزبية ، و هو ما يفرز –بشكل ملحوظ- هوة بين الخطاب الذي تتبناه و مماراستها اليومية في الساحة السياسية وهو أيضا ما يحدد نوعية تفاعلاتها –بشكل تلقائي – مع ما يتراكم من آثار ذلك على المسرح السياسي ، حتى أصبح المواطن يعلم مسبقا ردود أفعالها و ما يمكن أن تتضمنه خطاباتها في مختلف المناسبات، و هنا لا بد من أن نطرح تساؤلا عريضا حول الدور الحقيقي الذي تلعبه -اليوم -هذه الأحزاب في المشهد السياسي بعد حراك مجتمعي شبابي أدى إلى تعديلات دستورية و قانونية ، لكن تجاوبها مع المرحلة لم يتجاوز مستوى الخطاب المفعم بقيم الحداثة و الديمقراطية إلى ما أبعد منه حيث الممارسة و الفعل على أرض الواقع .

فالمؤسف أن الإجابة على هذا التساؤل تندرج في سياقات متعددة يتحكم فيه السياق القانوني و التنظيمي ، لكني سوف أقتصر على اعتصار البسيط للفهم السريع و استصيغ-لذلك- جملا تستفهم حول مدى اعتبار أحزابنا السياسية بالأحداث التاريخية التي عاشها العالم العربي في ظل الربيع العربي ، ومدى فهمها العميق لهذا السياق التاريخي الذي عرفت فيه أنظمة سياسية عريقة إرتجاجا ،أطره تقييم شبابي لأزمة ديمقراطية داخل بلدان ليست بالبعيدة جغرافيا، في الوقت الذي أحتضنت الحكمة السياسية و التبصر العميق لملك البلاد الربيع المغربي المتمثل في حركة “عشرين فبراير” ، مستجيبا لمطالب خرجت من رحم أزمة الشعب وعبرت عنها المواقع الإجتماعية ، و لا بد للتذكير أيضا، فالتاريخ يشهد أن لا حزب سياسي استحب خروج القواعد الشعبية من غير أرحامها ، كون الربيع المغربي أحرج أحزابنا التي غابت عن هموم الشارع المغربي لحقب عديدة ، و إن كان إدعاء بعضها أن له فضلا في هذه الثورة التي كان بطلها ” ملك و شعب ” فهو إدعاء يدخل في “باب حفظ ماء الوجه” الذي لم تستطع حفظه حتى بعد وصول الإسلاميين إلى الحكومة .

فالشارع المغربي يعلم جيدا أن لا أحزاب لها فضل في ذلك ، بل هذه الأحزاب هي التي ساهمت في طمس معالم حركة “عشرين فبراير” نكاية بها بعد أن أخرجتها من سباتها العميق و طرحت أزمة الحزب السياسي الذي اختزل الادوار المنوطة به في التدافع نحو السلطة و التهافت على الكراسي و اقتسام “الوزيعة” على حساب مشاكل الطبقات المقهورة ،في تجاهل واضح للدور الطلائعي الذي يلعبه في التأطيرو عجزه عن إنتاج النخب القادرة على صناعة القرار داخل بلادها و الترافع من أجل قضايا الوطن خارج حدوده، فعزوف الشباب كان من بين نتائج هذه الممارسات الحزبية التي أفسدت الحقل السياسي و دفعت بالشباب و النساء إلى الخروج للمطالبة بحقوقهم في العيش الكريم و العدالة الإجتماعية .

لكن بالرغم من مرور أزيد من أربعة سنوات لا زال جليا أن الهاجس الرئيسي لدى أحزابنا السياسية هو تحقيق التمثيلية الحزبية على مستوى الدوائر الإنتخابية دون أدنى اعتبار لوضع معايير لمنح التزكيات ، أو لتجنيد مناضلاتها و مناضليها لدخول غمار الإنتخابات خارج ميثاق شرف كوطا الشباب و التمييز الإيجابي للنساء .

و هنا لا بد من الحديث عن الأحزاب السياسية في أقاليمنا الجنوبية و تقييم الوضع الشبابي في الإنتخابات، فالملاحظ أن الشباب الصحراوي بطبعه يعيش في تناغم مع متغيرات مجتمعه و نادرا ما يخرج عن نسق القبيلة و تدافعها نحو السلطة ، و إن اختلف الأمر -اليوم- في تحديد المجال الترابي الذي قد يشمل قبائل متعددة ، يبقى التعاطف الشخصي هو المعيار لهذه المساندة الفعلية و هذا لا ينطبق فقط على الانسان الصحراوي بل في كل مناطق المغرب – نظرا لعدم قدرة الأحزاب السياسية على إقناع المجتمع ببرامجها التي تظل مجرد وعود سرعان ما تنكثها بمجرد الوصول إلى مركز القرار – وهذا التعاطف الشخصي له تفسيره في النسبة العالية التي تعرفها مشاركة الشباب في الإنتخابات كداعمين للحملات فقط و ليسوا كمرشحين ، فالدائرة الإنتخابية في الترشيح محكمة “الإغلاق ” على الأعيان و من في فلكهم كونهم حلفاء تقليديين للسلطة لاعتبارات أمنية صرفة لا يعترف للشباب الواعد بأحقيته في ولوجها (و الأمر ينطبق على المجتمع المدني الذي لا يخضع لوصاية هذه اللوبيات ) ، مما يصعب الأمر أمام المرشح الشاب مجاراته للوضع ، كون الأعيان المرشحين يلجؤون لاستعمال المال الحرام في الحملات الانتخابية و هو سلوك انتخابي ضمن أعراف سياسية تم تكريسها لعدم وجود رقابة حقيقية على هذه الحملات، و هي سياسة رسخت لظاهرة الإسترزاق ،وسياسة الريع الإنتخابي هاته أظهرت المجتمع الصحراوي عند الرأي العام المغربي مجتمعا مرتشيا و استرزاقيا .و هنا لا بد من مساءلة الجاني الأول الذي يساهم في تكريس صورة نمطية أصبحت لصيقة بمجتمعنا الصحراوي و تشوه سمعته ، و نحن لا نعمم ففينا منتخبون شرفاء عاهدوا الله على الإخلاص و ما بذلوا تبذيلا ،لكن كما يقول المثل المغربي” حوتة واحدة ….” أعزكم الله ، لكننا نحمل كامل المسؤولية للأحزاب السياسية الممثلة في اقاليمنا الجنوبية التي مارست الفعل السياسي منذ عقود ببعض الوجوه التي تنكرت لقيم مجتمع عريق في النسب و الأصل الشريف و له تاريخ مشهود بالعزة و الكبرياء و له سجل نضالات راكمت العز و التضحيات من أجل قيم المواطنة و الحرية و تغلغلت في عمق ثقافة تحمل أبهى حلل الجمال الإنساني وعانقت ألوية الفخر و الكرامة .

و لهذه الأسباب مجتمعة، نعتبر أن هذا الأمر لا يلامس واقع أقاٌليمنا الجنوبية فقط بل يشمل كل الأقاليم المغربية ، لذا نناشد الأحزاب السياسية التي منحت صكوك الفساد و الإستبداد بمنح تزكياتها للفاسد و المرتشي و المختلس للمال العام أن تراجع حساباتها و تتصالح مع نفسها و مع دستورنا المغربي و أن تتفاعل مع متطلبات المرحلة التاريخية في مسار بلادنا و التي تعرف ديناميكية حقيقية على مستوى تفعيل مضامين الدستور خاصة في ما يخص الجهوية الموسعة مما يستدعي وجود نخب فاعلة و مواطنة تستطيع كسب رهان التنمية الجهوية و هذا لن يتأتى إلا بإرادة سياسية لأحزابنا بتنظيف المشهد السياسي من الفاسدين و “خفافيش الظلام ” الذين يقتاتون على الريع و الاسترزاق ، و بالقطع النهائي معها عبر مقاربة انتخابية نزيهة بوجود مرشحين لهم مصداقية الطريق نحو تحقيق الديمقراطية و إلى تفعيل حقيقي للمبادرة الملكية للحكم الذاتي داخل أقاليمنا الجنوبية .

و في هذا الإطار، الأحزاب السياسية الممثلة في الأقاليم الجنوبية مدعوة إلى تخطي ازدواجية الخطاب و تبنى رؤية واضحة حى تعيد للفعل السياسي قيمته و للشاب الصحراوي في أجندتها الانتخابية موقعا يمكنه من التعبير عن متطلبات مجتمعه و تجسيد تطلعات الشباب فيه ، فصحراؤنا تظل حبلى بالكفاءات و الأطر الحاملة لهموم مجتمعها و السائرة في درب الانفتاح بعيدا أن أنساق اختلفت لترمي بظلال العزلة على واقعها ، فواقع الشباب الصحراوي بعيد عن سقم التفكير و عقم الرؤية، شباب راكم تجارب حقيقية أفرزت -عبر العصور- نخب قادرة على التفاعل مع ماهو جديد بعقل واع و هي اليوم في حاجة إلى تكريس لمبدأ تكافؤ الفرص و المساواة لتحقيق ذاتها ، فالشباب الصحراوي طاقة متجددة تحمل قيم مجتمعها رافضة لكل ابتذال يحط من قيمة الإنسان ، و هي تأبى أن تكون الرقم الأخير في المعادلة الصعبة للديمقراطية التشاركية و الكرامة الإنسانية للمجتمع الصحراوي.

وزيرة مكلفة بالعلاقات مع المجتمع المدني و البرلمان

في حكومة الشباب الموازية للشؤون الصحراوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *