ثقافة وفن | هام

«تهالة» .. قرية أمازيغية شاهدة على تاريخ اليهود قبل الهجرة

في قرية “تهالة” الأمازيغية، جنوبي المغرب، آثار ليهود استوطنوا المنطقة منذ أكثر من 1800 عام، مقبرة شاهدة على من قضوا من الأجداد في البلاد، وبيوت صارت ركاماً من تراب، بعدما هجرها سكانها إلى صحراء النقب بفلسطين التاريخية آنذاك (المحتلة حالياً).

و”تهالة” هي واحدة من ست قرى أمازيغية بمنطقة “تافراوت” كان يقطنها اليهود، اندثرت جميعها، وبقيت هي، حيث لا يزال يزورها أبناء اليهود الذين رحلوا عنها، وإن لم يعودوا يعرفون أياً من أهلها.

وحده بيت أحد أغنياء القرية من اليهود لا يزال “قائماً” للشهود على تاريخ الأجداد هنا، أما باقي منازل (حي) الملاح اليهودي في القرية، فقد أصبحت حطاماً بعدما هجرها سكانها إلى إسرائيل، حسب رواية أحد الباحثين أبناء القرية. كتابات عبرية بقرية تاهلة الأمازيغية

البيت الذي لا يزال سكان القرية يتذكرونه باسمه “سلاُم”، اشتراه من صاحبه قبل هجرته، أحد سكان القرية المسلمين، يدعى “عنتر”، فرممه وزينه، لكن نجمتين سداسيتي الأضلاع لا تزالان تزينانه إلى اليوم، إضافة إلى بعض الزخارف الأمازيغية المحلية، وفق ما تحدث به إبراهيم أقديم، ابن القرية، والباحث في تاريخ وثقافة المنطقة، لوكالة “الأناضول”.

يقف أقديم على أطلال الملاح اليهودي، وهو يشير إلى ركام ما كان كنيساً يؤدي فيه اليهود شعائرهم الدينية، وإلى مكان كان يُسمع منه أصوات الأطفال وهم يرددون ترانيم وصلوات بالعربية لم يفلح يوماً في معرفة معناها، وهو طفل صغير، قبل أن يهاجرها يهودها.

يلتقي ملاح اليهود في “تهالة” وأزقة المسلمين، في ساحة وسط القرية كانت مكاناً لاجتماع سكانها من الديانتين، والأمازيغية لغة تخاطبهم، ولا يفصل بين الجانب الذي يسكنه مسلمو القرية الأمازيغية ويهودها إلا زقاق صغير لا يتعدى عرضه مترين.

على الجانب الآخر من وادٍ بالقرية، توجد مقبرة يهودية، مسيجة بسور إسمنتي، وقد تهدمت أغلب قبورها، لكن بقايا نقوش على بعض هذه القبور باللغة العبرية لا تزال شاهدة، وإن لم يتمكن أحد من أبناء المنطقة ممن التقتهم الأناضول فك شفرتها.‎

وحسب إبراهيم أقديم، فإنه من خلال الدراسات التي يتوفر عليها، فإن اليهود في منطقة “تافراوت” كانوا يقطنون في 6 دواوير (قرى صغيرة)، كلها اندثرت إلا قرية “تهالة”، مضيفاً أنه حسب الرواية الشفوية اليهودية، فإن يهود المنطقة يقولون إنهم جاءوا من فلسطين، واستقروا بالمنطقة منذ 1832 سنة.

كتابات عبرية بقرية تاهلة الأمازيغية

ويتابع: “اليهود هنا كانوا مندمجين في الوسط الاجتماعي، فعندما تريد القبيلة اتخاذ قرار يهم مصلحة أبنائها يحضر أمغار (شيخ) يهودي ممثلا لليهود”، مشيرا إلى أنهم لم يكونوا يملكون الأرض لكنهم كانوا يمتهنون التجارة، ويشتركون مع المسلمين من سكان القرية في تربية المواشي، أو العناية بأشجار “أَرَكان” المعروفة وجني ثمارها بالقسمة.

ويستطرد: “آخر يهودي هاجر القرية سنة 1959، وأن يهود تهالة هاجروا جميعهم إلى صحراء النقب في فلسطين”.

ويمضي قائلاً: “حسب تقرير للاستعلامات العامة الفرنسية، فإن الحركة الصهيونية لم تدخل للمنطقة حتى عام 1951، لكن بعد دخولها حاولت استمالة يهود تهالة للهجرة إلى إسرائيل، لكنهم رفضوا في البداية وقالوا إنهم لن يغادروا بلاد أجدادهم، لكن الحركة استطاعت تهجير حاخام القرية، وبعدها أصبحت الحياة مستحيلة بالنسبة لليهود، بعد هجرة الحاخام، حيث لم يعد هناك من يقوم على شؤونهم الدينية، ما اضطر أغلبهم للهجرة إلى إسرائيل”.

“غير أن بعضاً ممن بقي منهم ظل يسافر إلى مدينة تزنيت (على بعد 100 كلم من تهالة)، لقضاء بعض الحاجيات البسيطة التي تستوجب القيام بها من طرف الحاخام، قد تكون مجرد ذبح دجاجة، لأن مدينة تزنيت كان يعيش فيها حاخام يهودي، قبل أن يهاجر آخر يهود القرية إلى صحراء النقب في فلسطين، ويداوم بعضهم أو أبناؤهم على زيارة القرية والمنطقة بشكل متقطع”.

و”الأمازيغ” هم مجموعة من الشعوب الأهلية تسكن المنطقة الممتدة من واحة سيوة (غربي #مصر) شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، ومن البحر المتوسط شمالاً إلى الصحراء الكبرى جنوباً.

* وكالة الأناضول التركية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *