مجتمع | هام

الصحة العقلية بالمغرب .. وضع مقلق تعرفه المستشفيات

تتمثل الصحة العقلية، وفق تعريف منظمة الصحة العالمية، في “حالة من العافية يمكن فيها للفرد تكريس قدراته الخاصة والتكيف مع أنواع الإجهاد العادية والعمل بتفان وفعالية والإسهام في مجتمعه”، وهي، بذلك، الأساس اللازم لضمان عافية الفرد وقدرته على تأدية وظائفه المجتمعية بشكل فعال وسليم.

ويظهر من خلال تعريف المنظمة الأممية هذا مدى أهمية الصحة العقلية بالنسبة للفرد والمجتمع، وكذا الجهود والتحديات اللازمة وطنيا ودوليا لحمايتها، بالنظر إلى استفحال الأمراض العقلية التي باتت تتخذ مظاهر وتجليات مختلفة، لاسيما في ظل تزايد الضغوطات والعوامل المسببة لهذه الأمراض، التي يقدر الاتحاد العالمي للصحة النفسية عدد المصابين بها بأكثر من 450 مليون شخص في العالم، بينهم 154 مليون مصاب بمرض الاكتئاب، و25 مليون مصاب بمرض الفصام أو “انفصام في الشخصية”، و91 مليون مدمن على الكحول.

وقد انخرط المغرب، الذي يحتفي يوم السبت، على غرار باقي دول العالم باليوم العالمي للصحة العقلية، الذي يصادف 10 أكتوبر من كل سنة، في هذه الجهود بشكل حثيث خلال السنوات الأخيرة من أجل تعزيز الصحة العقلية وحماية حقوق الأشخاص المصابين بالأمراض العقلية.

فقد صادق مجلس الحكومة، في شهر يوليوز الماضي، على مشروع قانون يتعلق بحماية حقوق وحرية وكرامة الأشخاص المصابين بأمراض عقلية أو نفسية، يتضمن مراجعة ظهير أبريل 1959، المتعلق بالوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المصابين بها.

ويأتي هذا المشروع تنزيلا لأحكام الدستور، وخصوصا المادتين 31 و34 منه، وكذا تفعيلا لالتزامات المغرب الدولية وخصوصا الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص المعاقين التي صادقت عليها المملكة بتاريخ 8 أبريل 2009، والتي تلزم الدول باعتماد مقاربة حقوق الإنسان في السياسات العمومية المتعلقة بهذه الفئة من المجتمع وباتخاذ جميع التدابير المؤسساتية والقانونية اللازمة لهذا الغرض.

ويشمل هذا المشروع عدة مقتضيات ترمي، أساسا، إلى حماية الحقوق الأساسية والحريات الفردية للأشخاص المصابين باضطرابات عقلية وتحديد المبادئ العامة التي يجب أن يخضع لها التكفل بهؤلاء الأشخاص بالإضافة إلى تحديد المؤسسات الصحية التي تعنى بالوقاية من الاضطرابات العقلية وبعلاج الأشخاص المصابين بها.

كما ينص على إحداث لجنة وطنية ولجان جهوية للصحة العقلية وعلى إدراج أعمال الوقاية والتشخيص والعلاج وإعادة التأهيل وإعادة الإدماج ضمن مكافحة الاضطرابات العقلية وتنظيم التكفل بالأشخاص المصابين بها، فضلا عن إخضاع مؤسسات الصحة العقلية لعمليات تفتيش من طرف ضباط الشرطة القضائية أو المفتشين المنتدبين خصيصا لهذا الغرض من طرف الإدارة أو الوكيل العام للملك المختص ترابيا.

وجاءت المصادقة على هذا المشروع مباشرة عقب إنهاء وزارة الصحة لعملية “كرامة” التي دامت 19 يوما وتوجت بالإخلاء التام لمحيط ضريح “بويا عمر” من النزلاء، الذين كانوا محتجزين كمرضى نفسانيين، حيث استقبلت المستشفيات 795 مريضا، 5 بالمائة منهم نساء، فيما استعادت العائلات والأسر 27 مريضا، بطلب منها.

وتعد هذه العملية مرحلة أولى لمبادرة “كرامة”، على أن المرحلة الثانية تهدف إلى إعادة إدماج هؤلاء المرضى النفسانيين في المجتمع، عبر خلق “مؤسسات وسيطة”، تهتم باستقبال المرضى بعد خضوعهم للعلاج داخل المستشفيات واستقرار حالتهم وقبل إدماجهم في أوساطهم الأسرية.

وعلى صعيد آخر، دق المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في آخر دراسة أنجزها حول هذا الموضوع تحت عنوان “الصحة العقلية وحقوق الإنسان .. وضعية المؤسسات الاستشفائية المكلفة بالوقاية وعلاج المرضى العقليين”، ناقوس الخطر بفعل “تقادم الإطار القانوني المنظم للمجال وعدم تنفيذه وغياب البنية التحتية وعدم تكافؤ التوزيع الجغرافي وغياب هندسة معمارية مواتية ونقص في التجهيزات، بالإضافة إلى غياب معايير السلامة وآليات المراقبة والخصاص المسجل في الموارد البشرية وسوء معاملة المرضى”.

وقد تم الوقوف خلال الزيارة التي قام بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في إطار هذه الدراسة، ال20 مؤسسة استشفائية متخصصة في مجال معالجة المرضى العقليين والنفسيين، “على مستوى جودة الخدمات الطبية وغير الطبية المقدمة للمرضى وشروط الاستشفاء وغياب قرارات تهم الأطفال القاصرين والأشخاص المسنين والجانحين”.

ولمواجهة هذا الوضع، جعلت الاستراتيجية القطاعية لوزارة الصحة 2012 – 2016 هذه المسألة ضمن أولوياتها مع مخطط عمل مفصل يتضمن 50 تدبيرا، وذلك بهدف الرفع من عدد الأطباء النفسيين والأطباء المتخصصين في الطب النفسي للأطفال وتعزيز تكوين الممرضين المتخصصين وصقل مهارات المتدخلين في الصحة العقلية وأنسنة المرافق الصحية وجعلها من بين أهداف مخطط العمل الرباعي، وتحسين مستوى البنيات الخاصة في هذا المجال.

وعلى الرغم من هذه الجهود الحثيثة، تبقى التحديات كبيرة لتعزيز حماية المصابين بالأمراض العقلية، وهي رهانات تمر أساسا عبر توفير البنيات التحتية اللازمة والموارد البشرية المؤهلة.

* و.م.ع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *