متابعات | هام

رئاسة مجلس المستشارين تقطع شعرة معاوية بين الأحزاب المتحالفة

انتخب أعضاء مجلس المستشارين، مساء الثلاثاء رئيسا جديدا للمجلس، في شخص حكيم بنشماش عن حزب الأصالة والمعاصرة، بعد منافسة شديدة من مرشح حزب الاستقلال عبد الصمد قيوح.

وإذا كانت حدة التنافس قد بدت جلية ومنذ الوهلة الأولى، بين المرشحين الاثنين، باعتبارهما يمثلان قطبي تكتل المعارضة، الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، فإن انسحاب مرشح الأغلبية عبد اللطيف أوعمو عن حزب التقدم والاشتراكية ومرشحة الاتحاد العام لمقاولات المغرب عن فئة رجال الأعمال نائلة التازي، في آخر لحظة، من سباق التنافس، أضفى على هذا الموعد السياسي الهام طابع التشويق، وهو ما تكرس في المرور إلى الدور الثاني من أجل حسم النتيجة، بعدما لم يتمكن أي من المرشحين من الحصول على الأغلبية المطلقة للفوز خلال الدور الاول.

وكان بنشماش قد حصل في الدول الأول على 56 صوتا، من أصل 120 صوتا وهو عدد أعضاء المجلس، فيما حصل قيوح على 51 صوتا. وفاز في الدور الثاني من هذه الانتخابات، بفارق صوت واحد فقط، إذ حصل على 58 صوتا، مقابل 57 صوتا لعبد الصمد قيوح.

ومهما يكن من أمر، فإن توقف عملية التصويت بعد إضافة أحد المصوتين في ورقة التصويت خلال الدور الاول للقب (الأستاذ) لاسم مرشح حزب الأصالة والمعاصرة، وكتابة آخرين لجزء واحد أو لجزءين فقط من الاسم الكامل للمترشحين، قد أثارا جدلا واسعا داخل اللجنة المكلفة بالإشراف على عملية الانتخاب وكذا في صفوف مستشاري الأغلبية والمعارضة بفعل تباين مواقفهم من هذا السجال الذي خيم فجأة على عملية التصويت.

وتنص المادة 13 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين على أن “الرئيس ينتخب عن طريق الاقتراع السري بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتكون منهم المجلس في دورتين، وبالأغلبية النسبية في الدورة الثالثة. وإذا تساوى المرشحون في الأصوات رجح أكبرهم سنا، وإذا تساووا في السن حكمت القرعة”.

ورغم مرور عملية التصويت وفق المقتضيات التي يحددها النظام الداخلي للمجلس، إلا أن سؤال التحالفات الحزبية، مازال يفرض نفسه بإلحاح، بفعل عدم حصول اتفاق مبدئي بين أحزاب الأغلبية، من أجل دعم مرشح دون آخر، رغم المشاورات ذات الصلة التي جرت في وقت سابق وهو ما حذا بها إلى سحب ترشيح ممثلها في أخر لحظة والعودة إلى نقطة البداية.

ويؤشر تشتت أصوات مستشاري أحزاب المعارضة، لدعم هذا المرشح أو ذاك، على تغيير جديد يلوح في الافق في ما يتصل بعملها وأجندتها المستقبلية.

أما أحزاب الأغلبية ورغم أنها حرصت ومنذ البداية على المحافظة على تماسك ائتلافها، بعد الخلافات التي طرأت أثناء تدبير التحالفات الحزبية بمناسبة الانتخابات الجماعية والجهوية الأخيرة، إلا أن غياب التفاهم مرة أخرى بين مكوناتها حسم نتيجة هذا الاقتراع، بعدما ذهبت أصوات ممثليها لفائدة المرشحين معا، مانحة حزب الأصالة والمعاصرة فرصة التموقع من جديد كقطب رئيسي لتكتل المعارضة في الغرفة الثانية.

وعلاوة على ذلك، اتسمت عملية انتخاب رئيس جديد لمجلس المستشارين، بطابع التشويق، الذي دام لساعات على اعتبار أن القوى السياسية الممثلة في المجلس، سواء كانت أغلبية أو معارضة، كانت حريصة على إنجاح هذا السباق الانتخابي، من أجل استكمال بناء هذه المؤسسة التشريعية وفق ما ينص عليه دستور 2011.

والواضح أن تنافس حزبين رئيسيين في المعارضة للظفر برئاسة المجلس، بعيدا عن التنافس التقليدي بين مكونات الأغلبية والمعارضة، سيلقي حتما بثقله على التوافقات السياسية لهاته الأخيرة، من أجل تعزيز مواقعها داخل الغرفة الثانية، وتفعيل أدائها والرقي به إلى مستويات أفضل.

كما أن التنافس على رئاسة الغرفة الثانية بين مكونين أساسيين في صفوف المعارضة، قد ينعكس على مواقف الفرق البرلمانية، وعلى علاقات هذه الأخيرة وتعاونها في معالجة القضايا الراهنة المطروحة، وكذا في المصادقة على ما تبقى من النصوص التشريعية المهمة.

وبين هذا وذاك، يرى عبد العزيز القراقي استاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن التنافس القوي الذي احتدم بين بنشماش وقيوح، للضفر بمنصب رئاسة المجلس، يؤشر على مرحلة جديدة في التنافس الانتخابي، ستتيح مستقبلا وصول نخب جديدة لقيادة مؤسسات وطنية كبرى مؤثرة في صناعة السياسة العامة للبلاد.

وأوضح الأستاذ القراقي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، بالمناسبة، أن الرجلين معا ينتميان إلى جيل جديد من النخب السياسية، قادر على إضفاء لمسة جديدة على عمل المجلس، وتعزيز فعالية أدائه والاضطلاع بدور جديد في النسق التشريعي الوطني.

وسجل أنه كيفما كان الحال، فإن احتدام التنافس أثناء عملية انتخاب رئيس جديد للغرفة الثانية أمس، يؤشر على أن الاختيار الديمقراطي في المغرب، يسير في طريقه الصحيح من أجل بناء مؤسسات قوية قادرة على الاضطلاع بأدوارها كاملة.

ومهما يكن فإنه بفوز حزب الأصالة والمعاصرة، برئاسة مجلس المستشارين، يكون المسلسل الانتخابي لما بعد دستور 2011 قد استكمل مساره، لتبدأ مرحلة جديدة، تنتظر إجابات موضوعية وملحة أساسها إذكاء روح التوافق الإيجابي البناء من أجل تجويد العمل البرلماني في هذه الغرفة خدمة للصالح العام وللقضايا الوطنية الكبرى.

* و.م.ع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *