آراء

الحركة الشعبية في مواجهة سخط مناضليها

هل أُصيب حزب الحركة الشعبية بلعنة المغاربة ومناضليه وسخطهم عليه؟ هل فقد الحزب سيطرته على مناضليه ولم يعد قادرا على احتواء غضبهم وسخطهم من الطريقة التي تدار بها أموره وشؤونه؟

أسئلة من بين أخرى يطرحها المتتبعون للشأن الحزبي المغربي بخصوص ما يقع لحزب الحركة الشعبية على غرار بعض الأحزاب المغربية الأخرى، قبيل وبعد محطة 4 شتنبر الإنتخابية لما تعرفه المرحلة من تصدعات وتشققات داخلها جراء الإنسحابات والاستقالات الفردية والجماعية التي تكون في غالبها نتيجة لعدم الرضى من الطريقة التي تدبر بها شؤون الأحزاب من جهة ومن جهة ثانية لوجود تيارات متناقضة بداخلها تجعل كل الأطراف تجر ناحيتها ولا يهمها غير المكاسب التي ستجنيها من وراء ذلك.

ولأن الحديث هنا يجرنا للتركيز على حزب الحركة الشعبية، حري بنا تحديد المجال الزمني لما سيأتي من تحليل، وبعيدا عن التاريخ والماضي سنقتصر فقط على مدة مشاركة الحزب في الإئتلاف الحكومي الحالي، ومنه سنحاول قراءة بعض المظاهر التي رافقت تجربته الحزبية طيلة هذه المدة وما خلفتها من ردود فعل في الشارع المغربي وعلى مستوى البيت الداخلي للحزب على ضوء التمردات الحالية التي يعرفها الحزب بعد الدعوة لعقد المؤتمر الإستثنائي الذي تقوده الحركة التصحيحية بعد تمردها على الحزب لقلب الطاولة على رموزه وحركة “الحركة بيتنا” التي تسعى للتصحيح من داخل الحزب دون المساس برموزه وهي التي لا تتفق مع الحركة التصحيحية في كثير من المحاور رغم اتفاقهما على ضرورة الإصلاح وهو ما سيكون له تأثير واضح على صورة الحزب في المشهد السياسي المغربي وعلى مستقبله كذلك.

حزب الحركة الشعبية نمودج للحزب الذي تلاحقه الفضائح منذ مدة حتى أصبح بعض وزرائه وأطره نموذجا للمسؤولين الذين لا يحترمون مبادئ الحزب ولا المسؤولية الملقاة على عاتقهم في مؤسسات الدولة بل وجر هؤلاء على البلاد فضائح لا تكاد صفحات الجرائد تخلو من قصصهم واختلالات تدبيرهم للشأن العام كل في منصبه.

لقد مرغ وزراء الحركة الشعبية صورة الحزب بفضائحهم أمام الرأي العام المغربي وألصقوا بحزبهم تهم الفساد وسوء التدبير وجعلوه محل انتقاذات المغاربة ممن سئموا قصص مسؤولينا مع تبذير المال العام. بعد فضيحة الكروج مع الشوكولاتا التي طويت في رمشة عين واكتفى أهل الحزب باقتراحه لوزارة أخرى عوض محاسبته قبل أن يقرر الملك تنحيته وتغييره بوزير آخر، طفت إلى السطح فضيحة أخرى لا تقل عن الأولى في حدتها وخطورتها ويتعلق الأمر بما عرف بفضيحة ملعب مولاي عبد الله والتي شوهت صورة المغرب في مختلف أرجاء العالم حيث تناقلت قنوات العالم كيف حولت ساعات معدودات من المطر الملعب إلى برك مائية لم تنفع معها “الكراطات” التي زادت من طين الشوهة بلة بسبب الإختلالات وسوء تدبير مشاريع إصلاح وصيانة عشب الملعب ومرافقه التى اكتشفها الرأي العام المغربي في حينها وهو ما دفع الملك للتدخل شخصيا.

وماهي إلا أيام قليلة حتى استقال الوزير وتم تعويضه بالأمين العام للحزب امحند العنصر الذي فضل الشباب والرياضة على التعمير في موقف ينم عن استبداده في تدبير الحزب واحتكاره لسلطة الاقتراح وكأنه الوحيد في الحزب الذي يملك من المؤهلات ما يخول له تسيير الوزارة تلوى الأخرى، الأمر الذي أثار سخط الشارع المغربي عموما ومناضلات ومناضلي حزب الحركة الشعبية على وجه الخصوص.

ومن بين وزراء الحركة الشعبية الذين أساؤوا للمغاربة وبالتالي للحزب في لغتهم العربية ما تفوهت به الوزيرة الحيطي بخصوص ما تشعر به من قشعريرة كلما تحدثت باللغة العربية، الأمر الذي جر عليها وابلا من الانتقاذات ودعوات تطالبها بعدم الإساءة للغة العربية.

كما أن خروج الأمين العام لحزب الحركة الشعبية امحند العنصر ليدافع عن زميله في الحزب ورفيق تجربته الحكومية على رأس وزارة الشباب والرياضة السابق محمد أوزين بعد فضيحته في التسجيل الذي سب فيه وشتم ونعت أبناء جماعته واد يفرن بأبشع النعوت ويجازيه عبر الدفع به للحصول على مرتبة نائبه في مجلس جهة فاس-مكناس رغم أنه خسر معركته الانتخابية في دائرته، واللغط الذي رافق عملية منح التزكيات في الحزب إبان الإنتخابات وما يعيشه الحزب من انقسامات في تحالفاته لما بعد اقتراعات الرابع من شتنبر بين من يصوت لأحزاب الأغلبية ومن ينشق عن التحالف ويصوت على مرشح المعارضة ضدا على اتفاق الأمناء العامون لأحزاب الأغلبية وآخر فصول هذا الشرخ وعدم تحكم الحزب في مرشحيه هو اصطفاف مستشاريه لمناصرة حكيم بنشماش في سباقه ضد عبد الصمد قيوح للفوز برئاسة مجلس المستشارين، وهو الأمر الذي حصل وشكل ضربة قوية للتحالف الحكومي وزاد من صعوبة الاعتماد على المواثيق والأخلاق في ممارسة السياسة ببلادنا، لهو دليل آخر على عدم الاستقرار والارتباك التنظيمي والسياسي الذي يعيش على وقعه الحزب ويجعل مصيره على صفيح ساخن قد تكون نتائجه وخيمة وعكسية على نتائجه في مستقبل الاستحقاقات.

أضف إلى ذلك ما عرفته شبيبة الحزب من انقسام، فقد انشطرت إلى شبيبتين برأسين. من جهة، شبيبة يترأسها عزيز الدرمومي ومن جهة أخرى، شبيبة تمخضت عن مؤتمر بوزنيقة زكاه امحند العنصر دون الرجوع للكاتب العام للشبيبة ووضع على رأسها فكري في تحد للشرعية كما يدعي معارضوا الأمين العام للحزب. وهي نفس الملاحظة التي يسوقها هؤلاء بخصوص خديجة المرابط التي ارغمت على ترك منظمة المرأة والانضمام للحركة التصحيحية عوض العمل من داخل الحزب بعدما حاول البعض ومن بينهم محمد اوزين التدخل في شؤون منظمة المرأة الحركية.

جدران الحزب أصابتها إذن مجموعة من التشققات والتصدعات وتابع المغاربة على اختلاف أعمارهم وميولاتهم منذ مدة ليست بالهينة عبر الجرائد ومواقع التواصل الإجتماعي مجموعة من الأحداث التي صاحبت تجارب الحزب الحكومية والتدبيرية لبعض القطاعات في هرم الدولة، الأمر الذي نتج عنه توجه من داخل الحزب من المقصيين والمهمشين لإثارة اختلالاته الداخلية بغية إصلاح ما يمكن إصلاحه، إلا أن ذلك لم يحدث وأُرغم هؤلاء حسب زعمهم على نهج طريق “التصحيحية” كحل من الحلول لمحاربة استبداد فئة قليلة تستفيد من الوضع ولا تهمها مصلحة الحزب بقدر ما تهمهم مصالحهم الشخصية.

صراع المصالح داخل حزب السنبلة بدأت فصوله منذ مدة ولم تظهر ملامحه إلا مؤخرا عندما قرر مجموعة من مناضليه وعلى رأسهم سعيد أولباشا وأوزين أحرضان وخديجة المرابط والمستشارة أمال جناح وآخرون تشكيل حركة تصحيحية في وجه امحند العنصر ومحمد أوزين والمرأة الحديدية بالحزب للقطع مع التحكم في دواليبه كما يقولون في بياناتهم والخرجات الإعلامية لأعضاء هذه الحركة وكذا دخ دماء جديدة قوامها الحكامة والتشبيب وإرساء الديموقراطية الداخلية في مختلف أجهزة الحزب. وهو ما حدد له تاريخ 25 أكتوبر لعقد المؤتمر الإستثنائي للحزب.

في الختام، لا يختلف اثنان في كون ثقة المغاربة في الأحزاب بصفة عامة اهتزت وتعرضت لعاصفة من الانتقاذات بعد مهازل التزكيات والتحالفات وتواصلها السياسي وحزب الحركة الشعبية من بين هذه الأحزاب التي لا تزال تتخبط في زوبعة من التصدعات والإنشقاقات التي لا تزال نتائجها وتمظهراتها لحد الساعة مجهولة المعالم، فهل ستنجح تحركات مناضلي حزب الحركة الشعبية في إعادة هيكلة الحزب وتغيير وجوه الحزب التي احتلت الساحة السياسية بالبلاد والحزب لمدة طويلة وخلقت له مشاكل عديدة تابع معظم فصولها المواطن المغربي في الآونة الأخيرة؟ أم أن دار لقمان ستبقى على حالها وسيعيد الحراك الذي يعرفه الحزب تشكيل نفس الخريطة الداخلية ونفس التوجه ونفس الإختلالات وبالتالي تكريس الصراع الداخلي بما لا يخدم مصلحة الحزب؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *