آراء

المسلمون في أوروبا والعد التنازلي

لا يخفى على أحدنا أنه ومع ما يحدث في منطقة الربيع العربي، فقد أصبح حلم الهجرة يراود العديدين، يتوقون للحياة في بلاد ربما تمنحهم ولو قدراً يسيراً مما لم تمنحه لهم بلادهم، بعد آمال عصفت بعقولهم، تحطمت جميعها على أرض الواقع.

أوروبا أصبحت تفكيراً حقيقياً لدى الكثير، مع بروز ألمانيا كبلد أصبح السفر إليها سهل المنال إلى حد كبير، ولو حتى سيراً على الأقدام.

ربما من أكثر الأسئلة التي تحير كل من أراد السفر من بلاده يوماً، إلى حيث يقيم هؤلاء الفرنجة، هو: “ماذا سأفعل مع أبنائي في هذه البلاد؟ كيف سأحافظ على هويتهم؟ هل ستتم ممارسة العنصرية عليهم بسبب دينهم؟ ما وضع بناتي إن كن بالحجاب؟ وما الطريقة التي سينظر بها المجتمع الغربي إلينا كمسلمين؟”.

مع كل حادثة تحدث في أوروبا أو إحدى دول أمريكا الشمالية، وتكون ناتجة عن إحدى التنظيمات الإسلامية، لا نجد رد الفعل عند الجالية العربية الإسلامية في بلاد الغرب مختلفة كثيراً، فمع سرعة الاستنكار، ورفض الحادث، ورفض ربط كل عمل إرهابي قام بعمله مسلم ما، بالإسلام ككل! إلى الخوف الطبيعي الذي يصيب الكثيرين، خاصة في الأيام الأولى التالية للحدث.

تجد خوف المحجبات من الخروج والسير في الشوارع، نظراتك لمن هم حولك ومحاولة استنباط كيف ينظرون إليك كمسلم. القلق على الزوجات والبنات والأبناء في مدارسهم. قلقك الطبيعي وردّ فعلك اللاإرادي، من رد فعل المجتمع الذي تعيش فيه وتتعامل معه يومياً.

مع كل القلق الذي يزداد إلى أقصاه مع دقائقك الأولى في الشارع، إلى التخلص منه تدريجياً، كلما وجدت من حولك يتعامل معك بشكل طبيعي، بل ربما أحياناً بهشاشة مبالغة فيها، وكأن من أمامك يريد أن يخبرك، إنني سوف أتعامل معك بشكل طبيعي، أياً كان ما يسوقه الإعلام ضدك!

بالطبع ستجد من يرفض تماماً أن يتعامل معك، فبالرغم من صورتنا الجزئية عن الغرب، ومدى الحرية وتفتح العقل الذي يعيشون فيه، إلا أنك ربما سيصيبك الذهول من مقدار مَنْ يسلّم عقله للإعلام، يحشوه له كما أراد، دون محاولة التعمق في التفكير في منطقية الكلام من خلافه.

في أكتوبر عام 2014، انطلقت حركة جديدة في ألمانيا، سُمّيت باسم “وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب” التي اختصرت لاسم “بيغيدا”. تقوم أيديولوجيتها على ضرورة طرد المسلمين من أوروبا، حتى لا تؤدي زيادة أعدادهم إلى أسلمة القارة مستقبلاً.

بيغيدا.. تلك الحركة التي بدأت في ألمانيا، وذاع صيتها لفترة طويلة من الزمن، مسببة صداعاً وقلقاً لكل مسلم على الأراضي الألمانية في وقت ما. تلك الحركة ذاتها، التي نزل ضدها في الشوارع أعداداً كبيرة من الألمان أنفسهم، يرفضونها، ويرفضون أفكارها وتوجهاتها.

كانت الأعداد في المظاهرات الرافضة لبيجيدا، دوماً ما تتفوق على الأعداد المؤيدة لها، ربما ما عدا في الجانب الشرقي للبلاد، والمصنف سابقاً (وربما حالياً أيضاً) بألمانيا الشرقية.

رفض الشعب نفسه اليوم، أي حركة تدعو لتفوق العنصرية في البلاد، ولكن ليست أي عنصرية، بل العنصرية ضد المسلمين تحديداً.

إذا ما تحدثت يوماً مع أحد المسلمين من الجيل الأول، الذي قدم إلى هذه البلاد منذ أكثر من 50 عاماً، وسألته يوماً كيف كان وضع المسلمين يوم جئت، فربما بمعايشتك لطبيعة الأمر اليوم، تستطيع أن تعقد مقارنة بين ما كان، وما هو حاضر، وتنظر بعين المتطلع إلى المستقبل، كيف سيكون وضع أبنائي في هذه البلاد غداً.

هناك حقائق تفرض قوانينها، وإن أبى الجميع الاستماع لصوت العقل في بدايته. العدد حقيقة مهمة، يفرض نفسه على الأرض، هو قوة لا يستطيع أحد أن يهزمها إلا بإفنائها من على وجه الخليقة.

قرأت يوماً قولاً لفتاة تعيش في كندا، عندما وجّه لها سؤال بإمكانية الدراسة لمنتقبة في إحدى جامعات كندا، لتكون إجابتها وقتها: “نعم يمكنك ذلك، الفضل في ذلك لله، ثم لمن سبقونا إلى هذه البلاد، لييسروا لك اليوم أن تحصلي على حق الدراسة في جامعة كندية بالنقاب”.

حدثني بعض الأصدقاء، عن ضرورة سفرهم إلى فرنسا سابقاً، من أجل الحصول على لحم حلال، تم ذبحه تبعاً لشريعتنا الإسلامية. كان ذلك فقط منذ 20 عاماً.

حدثتني صديقة عن أنها كانت تحضر طعام ابنها عند ذهابه لزيارة صديقه الألماني لأنهم لا يوفرون له طعاماً حلالاً في منزلهم. ذلك الأمر الذي لا أشغل بالي به اليوم، حيث إن أهالي أصدقاء أبنائي جميعهم، من يستبق السؤال عن ماذا يُسمح لطفلي بتناوله، ليتمكنوا من توفيره لهم.

لم يكن أي من المسلمين في ألمانيا منذ 10 أعوام فقط يحلم بأنه يمكن لابنه في يوم من الأيام أن يدرس الدين الإسلامي في المدرسة بجانب توافر الدين المسيحي فيها.

يكبر اليوم أبنائي، ويدخلون المدارس، ويكبر معهم أصدقاؤهم، أولائك الصغار الذين ينمن اليوم مع المسلمين، حيث أصبح معتاداً أن مارك وتيم وغيرهما، أصبح لديهم صديق يدعى أحمد أو محمد.

إذا ما تعاملت مع الأوروبيين، تجد أقلهم تقبلاً لوجودك هم كبار السن، ويزداد ذلك التقبل كلما اقتربت من عمر الشباب.

كانت تنحصر أعمال المسلمين قديماً، ما بين العمالة، والتنظيف وخلافه، لتأخذ في التنوع والتوسع اليوم وتصل إلى أساتذة في الجامعة، ورؤساء أقسام في المصانع المختلفة، وأشخاص تقع بين أيديهم أطر التكنولوجيا في هذه البلاد.

نعم، اختلف الأمر كثيراً عن سابقه، ربما أصبحت اليوم مقارنة بالماضي، تمتلك الكثير من الحقوق كمسلم، حقوق تعتبرها أنت القادم من بلاد لا توفر لك أي حق من الحقوق، كثيرة لمن هم مثلك، ويعتبرها أبناؤك ممن ترعرعوا في هذه البلاد قليلة، ولا ترنو إلى أقل طموحاتهم.

هل سيكون المستقبل حقاً أفضل حالاً لأبناء المسلمين في أوروبا، ممن سبقوهم إليها من أجيال سابقة؟ هذا ما سوف تجيب عنه الأيام القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *