خارج الحدود | هام

دول الخليج تلجأ إلى إجراءات تقشفية لمواجهة أسعار النفط المنخفضة

شرعت دول الخليج في إجراءات تقشف تشمل الحد من النفقات بهدف مواجهة انخفاض أسعار النفط، مرفقة إياها بخطوات لزيادة مصادر الدخل غير النفطية وخفض الدعم على المشتقات النفطية، في إجراءات يرى محللون أنها، على أهميتها، لا تزال دون المطلوب.

ومن المتوقع أن تسجل دول مجلس التعاون الخليجي، التي تعد من أبرز مصدري النفط في العالم وتعتمد عليه موازناتها بشكل كبير، عجزاً يبلغ 180 مليار دولار في 2015، مع ترجيح بأن يستمر شح إيرادات النفط أعواماً، وذلك بعدما وفرت لها أسعار النفط المرتفعة فائضاً في موازناتها السنوية طوال العقود الماضية.

 

أسعار متدنية لسنوات

 

مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد توقعت خلال لقائها مسؤولين من دول المجلس في الدوحة هذا الشهر، أن تبقى أسعار النفط على مستوياتها المتدنية لسنوات، داعية هذه الدول الى اتخاذ إجراءات لمواجهة هذا الواقع وتنويع مصادر دخلها.

وبحسب إحصاءات صندوق النقد، تراجع فائض موازنات دول المجلس (السعودية، الإمارات، قطر، الكويت، البحرين، وعُمان)، من 182 مليار دولار في 2013، الى 24 ملياراً فقط في 2014.

وسجلت السعودية والبحرين وعُمان عجزاً في موازنة 2014 للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية في 2009.

وفقد برميل النفط أكثر من 50% من سعره منذ منتصف 2014، ما قد يحرم دول الخليج من دخل يقدر بـ275 مليار دولار، بحسب صندوق النقد.

 

تقليص الدعم والإنفاق

 

ونصح صندوق النقد دول الخليج التي حققت خلال العقد الماضي فائضاً في موازناتها بلغ 2,7 تريليون دولار، باتباع منهج تدريجي لتطبيق الإصلاحات المالية وتنويع مصادر الدخل.

ويرجح صندوق النقد والبنك الدولي أن الكلفة المباشرة لدعم أسعار الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي بلغت 60 مليار دولار العام الماضي.

وترتفع هذه الكلفة الى 175 ملياراً في حال أضيفت إليها تكاليف أخرى مرتبطة بالبيئة والبنى التحتية والاستهلاك.

 

تحرير أسعار الوقود

 

وبادرت الإمارات الى تطبيق خطوات إصلاحية في يونيو/حزيران الماضي عبر تحرير أسعار الوقود ورفع تعرفة الكهرباء في أبوظبي، فيما يتوقع أن يوفر مئات المليارات من الدولارات.

كما خصصت الإمارات التي يعد اقتصادها الأكثر تنوعاً لجهة مصادر الدخل بين الدول الخليجية، 80 مليار دولار لمشاريع غير مرتبطة بالنفط.

أما الكويت فبدأت ببيع بعض مشتقات النفط بأسعار السوق منذ مطلع 2015. وخفّضت الإنفاق بنسبة 17%، وهي في طور زيادة أسعار الوقود وسعر المياه والكهرباء.

وتبحث السعودية في إرجاء المشاريع “غير الضرورية” ودراسة إصلاحات في مجال دعم أسعار مواد الطاقة، خاصة أن سعر الوقود في المملكة يعد من الأدنى عالمياً.

أما قطر الغنية بالغاز، وعُمان والبحرين، فأعلنت أنها في طور دراسة إجراءات لتقليص الإنفاق وخفض الدعم.

 

العلاقة بين الإنفاق وسعر البرميل

 

ويبلغ إنتاج هذه الدول، التي يقيم فيها قرابة 50 مليون شخص نصفهم من الأجانب، نحو 18 مليون برميل من النفط يومياً.

وكان إنفاق هذه الدول بلغ بين 2008 و2013 قرابة 550 مليار دولار سنوياً، بحسب صندوق النقد.

وفي دول يشكّل النفط فيها أبرز مصادر الدخل، بات سعر البرميل المطلوب لتأمين التوازن بين الإيرادات والنفقات 106 دولارات بالنسبة إلى السعودية مثلاً، بينما كان السعر المطلوب قبل أعوام 70 دولاراً، علماً بأن السعر الحالي للبرميل هو دون 50 دولاراً.

 

تدابير غير سهلة

 

ورغم أن الإجراءات لا تزال في مراحلها الأولى، يرى محللون أن تطبيقها لن يكون سهلاً في دول اعتادت توفير الرعاية الاجتماعية، مؤكدين ضرورة أن تكون أعمق وأكثر استدامة.

يقول رئيس البحث الاقتصادي في مركز الكويت المالي (مركز) “إم. آر. راغو” لوكالة الصحافة الفرنسية: “حجم المشكلة أكبر هذه المرة لأن الإعانات المالية (الدعم) والأجور زادت بشكل هائل في الأعوام الماضية، وتشكل حالياً 90% من الإنفاق الحكومي”.

ويضيف “لا يمكنهم التراجع عن الأجور لأن الموضوع دقيق جداً”.

ويعتبر كبير اقتصاديي البنك الدولي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، شانتا ديفارايان، أن “هذه فقط البداية”، مشيراً الى أن “الخطوات يجب أن تركز على الإصلاحات والبطالة والتنويع”.

 

إلغاء مشاريع حيوية

 

وسبق لصندوق النقد الدولي أن شدد على ضرورة أن تتضمن الإصلاحات توفيراً شاملاً في الطاقة وتعديلات في الأسعار، وزيادة في العائدات غير النفطية، وإعادة تقييم رأس المال والإنفاق وتقليص فاتورة الأجور.

كما حذرت دراسات اقتصادية من أن عدم تنفيذ دول الخليج لهذه الخطوات قد يضطرها الى إرجاء أو إلغاء مشاريع حيوية.

ورأت وكالة “ستاندرد آند بورز” للتصنيف في تقرير حديث أنه “كلما طال أمد بقاء أسعار النفط عند مستوياتها المنخفضة الراهنة، زاد ترجيح إرجاء أو إلغاء مشاريع بنى تحتية إضافية”.

أما صندوق النقد فحذر من أن السعودية والبحرين قد تستنفدان احتياطياتهما في أقل من 5 سنوات إذا فشلتا في تنفيذ إجراءات التقشف.

وبحسب مكتب الشال للدراسات الاقتصادية في الكويت، فإن “المعيار الحقيقي هو اعتماد مبدأ الاستدامة”، وذلك “لن يتحقق دون جراحة حقيقية، أي التركيز على مواقع الهدر والفساد”.

ويرى المحللون أن على دول الخليج إدراك أن النفط لن يعود إلى سابق عهده.

ويقول راغو: “على دول مجلس التعاون الخليجي أن تكون جادة هذه المرة. أيام برميل النفط المسعّر بـ100 دولار مضت إلى غير رجعة، وعليها أن تتأقلم مع سعر 40-50 دولاراً”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *