مجتمع | هام

المجتمع الصحراوي .. نموذج يحتدى في تكريم المرأة

تميز المجتمع الصحراوي عموما والبيظاني خصوصا، بتقدير المرأة والرفع من مكانتها، لدرجة أن النساء في مجتمع بني حسان، ويضم هذا المجتمع القبائل التي تتحدث بالحسانية كلهجة للتواصل، يعد هو المجتمع الوحيد في شمال افريقيا الذي تقيم فيه المرأة حفلا عائليا حال طلاقها، من غير أن تشعر بتغير نظرة الناس لها أو مكانتها في المجتمع، وباحتفالها هذا، كأنها تفرح من جديد وتعلن بداية صفحة جديدة من حياتها، والأجمل، هو أن مكانتها في أسرتها الصغيرة تبقى محفوظة ومقدرة.

الشيخ المامي “وكأن المرأة خلقت للتبجيل..”

من روائع ما قاله الشيخ محمد المامي (المتوفى سنة 1282هـ) متحدثا عما تحظى به المرأة في مجتمع البيظان من تقدير واحترام، قوله “والنساء عند عامة أهل القطر كأنهن لم يخلقن إلا للتبجيل والإكرام، والتودد لهن، فلا تكليف عليهن ولا تعنيف، فالمرأة هي سيدة جميع ما يتعلق بالبيت من متاع وماشية، والرجل بمثابة الضيف”. وهذه الكلمة المأثورة، لكأنها قد جمعت وبإبداع، مكانة المرأة في المجتمع الحساني، قديما وحديثا.

الزوج له حقوق ولكن..

للزوج في المجتمعات الاسلامية والانسانية عموما حقوقا يحدد طبيعتها المجتمع، اعتمادا على عاداته وتقاليده وأعرافه، والمجتمع الحساني هو الآخر تميز بكون العلاقة القائمة بين الأزواج مؤطرة بجملة عادات وأعراف، ومن أهمها، أنه ليس للزوج أبدا أن يعنف الزوجة، لفظيا أو ماديا، بل ما دامت بذمته، وجب عليه تقديرها واحترامها وعدم الاساءة إليها، وبهذا يكتمل الثالوث التقديري للمرأة في المجتمع الصحراوي، حين كانت آنسة ببيت أهلها، وحين صارت ببيت زوجها، وحين تفارق هذا الزوج، بسبب طلاق أو غيره.

تعنيف المرأة من مخارم المروءة

تعنيف المرأة الذي بات اليوم من مشاكل المجتمع العربي، يكاد يكون نادرا في المجتمع الحساني، وذلك لتأصيل الاسلام مسألة احترام المرأة في ثقافة المجتمع، وكذا لتراكمات اجتماعية وثقافية متعاقبة، جعلت الزوج أو الرجل الذي يعنف المرأة غير مرحب به داخل الجماعة أو القبيلة، بل ينظر إليه وكأن شخص منقوص الرجولة والعقل، ومنطلق ذلك، أن المرأة ليست بقوة الرجل جسديا فلا يحق له أن يعتدي عليها لأنه متفوق بحكم الطبيعة عليها، ومن الناحية العقلية، لأن المجتمع ينظر الى المرأة كنموذج للجمال والدلال، فكيف يعقل أن يعنف أو يسب أو يشتم، إنما الذي يجب أن يكون، هو التغني بها ونظم أشعار التغزل لها.

المرأة والرجل .. تراحم لا تزاحم

عرف المجتمع الصحراوي تحولات اجتماعية واقتصادية كبيرة، خصوصا مع بروز دور الدولة المركزية وتنظيمها لأشكال الحياة في مختلف تفريعاتها، والانحسار التدريجي لدور “أيت لربعين” أو “القبيلة”، خصوصا من حيث التأثير الاجتماعي، إلا أن هذه التحولات لم تؤثر على مكانة ودور المرأة، بل حافظت المرأة على هذا الحضور خصوصا في الجانب الاجتماعي والأسري، وهذا راجع بالأساس لعدم اهتمام النساء بالجانب السياسي أو مزاحمة الرجال في هذا الحقل، وكذا لعدم تنصيب نفسها أمام الرجل في حال مواجهة لانتزاع حقوق معينة أو المطالبة بترسيم حدود التحرك والصلاحيات، فالمرأة الصحراوية تحظى بثقة كبيرة جدا من الزوج، فكانت، وما زالت، تستقبل الرجال من أسرتها ومعارفها ببيتها في غياب الزوج، وهذا راجع إلى الثقة التي تربط بين الزوجين بالأساس، وكذا لعدم قدرة الإنسان الصحراوي على رد أو عدم استقبال ضيف أو طارق للباب.

الخلاصة

إن الذي رفع من مكانة المرأة في المجتمع الحساني، والذي جعلها تستمر رغم التحولات الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة التي يعرفها هذا المجتمع، هو ارتكازها على البعد القيمي والثقافي، ومن هذا المنطلق، فإن معالجة الاشكالات الاجتماعية المرتبطة بتعنيف المرأة، يجب أن لا تتوقف عند المقاربة القانونية والزجرية، بل إن المدخل الثقافي والحضاري والقيمي عموما، يعد من الأهمية بمكان، في تحسين وضع المرأة، ورفع كل أشكال الضيم أو الظلم التي تقع عليها، ولا شك أن الدين، بقيمه السمحة وبروحه الراقية، يوجد في قلب هذا المسعى الإصلاحي، وعليه، تصير مسألة العودة بالمجتمع إلى الروح المتخلقة بتعاليم الاسلام، مدخلا أساسيا لمعالجة أشكال القصور في علاقتنا بالمرأة.

* PJD.ma

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *