خارج الحدود | هام

موتى الجزائر لا يجدون مقابر للدفن .. وعائلات تدفن شخصين في قبر واحد

من أجل حل مشكل ندرة المساحات الجغرافية الخاصة بدفن الموتى، يقوم سكان الجزائر العاصمة بفتح قبور قديمة وحديثة، ويضعون فيها جثامين أحبائهم المغادرين للحياة حديثا، بعد جمع الرفاة الموجودة فيه أصلا، لتوضع في كيس في زاوية من القبر.

وبسبب التوسع العمراني الذي أتى على كل الأراضي الشاسعة، بالإضافة إلى امتلاء المقابر بالموتى، لم يتبقَ لسكان العاصمة الجزائرية مكان آخر لدفن موتاهم، وهو ما بات يشكل لهم وللسلطات هاجساً، لتبدأ في هدم البنايات غير القانونية، قصد استعادة مساحات واستغلالها في تشييد مقابر جديدة.

قبر يفتح كل 5 سنوات

في الجزائر العاصمة، مقبرتان بلغت شهرتهما أطراف البلاد كلها، الأولى اسمهما “العاليا”، تقع في الضاحية الشرقية وبها ترقد جثامين رؤساء الجزائر الذين وافتهم المنية، في حيز خاص يطلق عليه مربع الشهداء، والثانية اسمها “القطار”، موقعها غربي العاصمة وبالضبط بدائرة باب الواد، قديمة وبها مئات الآلاف من القبور.

في “العاليا” و”القطار”، لا تحفر القبور للموتى الجدد، بل تفتح. كيف ذلك؟ تقول سعيدة، سيدة تقطن حي “الكاليتوس” شرقي العاصمة، لـ”هافينغتون بوست عربي” إن “خالي رحمه الله كان يسكن بحي مناخ فرنسا (كليما دو فرونس) بباب الواد، دفن بمقبرة “القطار” في نفس قبر زوجته المتوفاة قبله بأكثر من 5 سنوات”.

وتضيف ذات المتحدثة أن الأمر “أصبح عاديًّا بسبب الاكتظاظ، وأي شخص يتوفى، يُفتح له قبر أحد أقربائه، على أن يتم جمع رفاة الأخير، لتوضع في كيس خاص في زاوية من القبر، ويدفن فوقها الميت الجديد”.

وأجمع كل من تحدثوا إلى “هافنيغتون بوست عربي” من السكان على أن الأمر لم يعد مقتصراً على مقابر الأحياء الشعبية الكبيرة، فالمشكل مطروح بقوة في أماكن عديدة أخرى، كبيلدية “بن عكنون” و”القبة”، على سبيل المثال.

صفر مسافة بين قبر وقبر

مع آذان الظهر، وصلنا إلى مقبرة القطار بباب الوادي بالعاصمة، كان يوماً مشمساً، يستحضر فيه المرء أيام الربيع فيما تبقى من عمر الخريف، ويلفت انتباهه أمران، أولهما الهدوء المطبق على المقبرة والمختزل لكامل ضوضاء العاصمة، وثانيهما العدد الهائل للقبور المترامية في جميع الاتجاهات إلى درجة استحالة إحصائها.

كان كل قبر، منمق بصفائح الرخام الجاثمة فوق جدار إسمنتي أبيض مستطيل الشكل، لا يزيد علوه عن بضع سنتمترات، مكتوب فيها اسم الفقيد وتاريخ ميلاده ووفاته، مع آيات قرآنية أو أدعية وحتى مواعظ وحكم تستذكر الأحياء بالأموات.

غالبية القبور، مكتوبة فوقها عبارة “هنا يرقد المرحومان”، أي أنها حفرت مرة أولى وفتحت لجثمان فقيد من نفس العائلة، بعد مرور 5 سنوات، وهذا ما يؤكده العمال الثلاثة، الذين كانوا بصدد بناء قبر اشتكى أهله من حالة الإهمال الذي طالته، بالقول إنه “لم تعد هناك أماكن شاغرة، الجميع يعيدون فتح قبور أهليهم للدفن، ويكفي التأكد من ذلك، بملاحظة المسافة الصفر بين كل قبر وآخر”.

سجلات الحالة المدنية للأموات

تخضع مقابر العاصمة لمؤسسة تسيير الجنائز والمقابر، التي تتكفل بمهام الإدارة والصيانة، وتملك مكاتب موزعة على كل مقبرة.

داخل مكتب مقبرة “القطار”، توجد سجلات عديدة، محفوظ فيها أسماء المتوفين وتاريخ تشييع جنائزهم، يرجع إليها المسؤول، كلما جاءه شخص حاملا شهادة وفاة أحدهم ليطلب فتح قبر واحد من ذويه ليدفن معه، فيتأكد من وجود اسمه في سجلات الوفيات.

وبالنسبة للعائلات التي لا تملك أقارب مدفونين بالمقبرة، فإنها ستجد نفسها أمام صدمتين، صدمة فقدان عزيز وصدمة ندرة مكان للدفن.

وكشف محمد، شاب في الـ33 من عمره، أنه تمكن من دفن أبيه حين وافته المنية عام 2007، بفضل أحد المعارف الذي “توسط له عند إدارة المقبرة ليستخرج التصريح بالدفن”. الأمر نفسه حدث مع شيخ تحدث لـ”هافينغتون بوست عربي” على هامش تشييع جنازة، قائلا “لم نعد نفهم شيئا، فكي تدفن فقيداً تحتاج إلى وسيط، والسبب اكتظاظ المقابر”، قبل أن يضيف “أنا أوصيت عائلتي أن يدفنوني في نفس قبر أمي بـ”العاليا”، ولن أكلف أحد عناء البحث عن قبر جديد”.

من جانبها ترفض مؤسسة تسيير الجنائز والمقابر بالعاصمة، الصورة السوداء المرسومة عن الموضوع، حيث يؤكد مديرها “أن الوضع لا يدعو إلى القلق، بدليل أن كل الموتى يدفنون”، معلنا عن تسجيل 13 مقبرة جديدة سيتم بناؤها، وهو ما من شأنه القضاء على مشكل الاكتظاظ.

للإشارة، فإن الوضع لا ينطبق على العاصمة وحدها، حيث تعاني بعض مناطق ولاية (محافظة) وهران من نفس الإشكال، وسبق لوالي المحافظة أن صرح بأن التوسع العمراني أتى على مساحات شاسعة إلى درجة صعب فيها إيجاد مكان لدفن الموتى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *