آراء

إلى مصطفى بنحمزة .. سكتت دهرا ونطقت سفها

في سلوك أرعن وهرطقة شنيعة تنمّ عن حقد دفين للأمازيغية، أتحفنا مرة أخرى أحد المحسوبين على الإسلام ممن ينطبق عليهم وصف “صناع الفتن” و”دجالي الطائفية” و”تجار الدين” مؤخرا بـ”خطبة” عدوانية تفتقر إلى أدنى مستويات التعقل والرصانة والمسؤولية، عندما تعمّد إفراغ جعبته الحبلى بكل مشاعر التحقير والانتقاص والاستصغار تجاه الأمازيغية.

بطل هذه المسرحية لم يكن غير الدكتور “مصطفى بنحمزة” الذي أطلق العنان للتشكيك والتخوين، ولم يدّخر جهدا في قصف الأمازيغية والأمازيغ، والذي عوض أن يدافع عن الإسلام كعقيدة الوسطية والاعتدال، تقبل بالتنوع والتعدد وتحفظ آيات الخالق في خلقه، عبّر عن قصور وعجز بيّنين في فهم حقيقة الشعب المغربي، وهو الذي يفترض فيه أن يكون نموذج “رجل الدين” الرّزين النّاضج الذي يدقّق في كلّ صغيرة وكبيرة، ويستوعب سرّ تعايش كل ألوان طيف المجتمع المغربي ويتعامل معها على قدم المساواة.

لقد تأكّد بالملموس أنّ كثيرا ممن يعتبرهم المغاربة دعاة تقاة، بعدما عرفوا بجبّة الناصح الواعظ، ليسوا في واقع الأمر إلا شخصيات عدوانية اندفاعية، تحركهم الايديولوجية وحمّية الجاهلية وبشكل مبالغ فيه. فالإنسان المثقّف والمتخلّق لا يسمح لنفسه بتوظيف قاموس الافلاس والعطالة و”التخربيق” في حق أطروحة يختلف معها، وإن كنّا نكاد نجزم أن المعني لم يطلع على أدبياتها المكتوبة، بل اكتفى بما يسمع من أحاديث القيل والقال. الخطير في الأمر أن هؤلاء يفتون فيما هم به جاهلون، ويا ليت هؤلاء “المفتين” كانوا يتحدثون فيما يفقهون، فقد

تعمّد الفقيه المفتي عدم وصف الأمازيغية باللغة وظل يكرّر وصف اللّهجة ظنا منه أنّ من شأن ذلك التّنقيص من قيمة اللغة الأمازيغية التي نعتقد أنه يجهل تجذرها، وكان عليه أن يطّلع على الفرق بين اللغة واللهجة كما يصوّره اللسانيون المتخصصون لا كما يريده العروبعثيون.

صاحبنا استحسن عمل المجلس الأعلى لتحسين اللغة الفرنسية في سبيل النهوض بالفرنكفونية، ويعيب علينا الدفاع عن لغتنا الأمازيغية بل ويعتبره تعصبا وبداية “للاقتتال” لأننا -حسبه- سنكون كـ”الهوتو” والتوتسي” في مقارنة أقل ما يقال عنها أنها سخيفة وتفتقد لأبسط شروط الفهم السليم.

صاحبنا أجمل الأمازيغية، حضارة وثقافة ولغة، في خمسة عشر أغنية كلّها كلام ساقط -على حد علمه-، وهنا لابد ان نؤكد على كون المعني إما كاذبا –وهو المرجّح- أو جاهلا بالتراث الأمازيغي لكونه يعيش في عالم آخر، وما لجوءه إلى الإسلام وقدسيته في المعارك الفكرية والايديولوجية الدنيوية إلا دليلا على اليأس والانهزامية، ولسنا مضطرين للتذكير بمن أفلس فكريا وأصبح يخرّف.

صاحبنا يريد لنا أن نتملّك كتب الفلسفة والطب والرياضيات وغيرها من العلوم، ونسي أن يفتح عينيه ليكتشف ما ألّفه الأمازيغ عبر التاريخ في كل الميادين وبلغات غيرهم لسبب بسيط، لأن صاحبنا ومن على شاكلته من الذين سبقوه حرمونا –ولايزالون- من لغتنا في المدرسة والإعلام وشتى مرافق الحياة العامة.

صاحبنا تحدّث عن الأمازيغ وكأنه يستثنيهم من المغاربة، وكان عليه لزاما أن يدرك أن الأمازيغ أبناء هذه الأرض التي لم تسمّ بالمغرب إلا في زمن غير بعيد، فهم أقدم من المغرب نفسه وهم أحقّ بهذا الوصف من غيرهم، فالمغاربة أمازيغ، وافدين ومحتضنين، بعيدا عن الزاوية الاثنية واللغوية الضيقة التي يبدو أن الدكتور لم يقو على تجاوزها.

لقد أبان نموذج “مصطفى بنحمزة” من “صناع الفتن” و”رعاة التطرف” عن سعي حثيث وتصميم عنيد على الفتنة، فرغم خطوات الدولة المغربية–التي تبقى محتشمة على العموم – في إنصاف الأمازيغية، يحاول هؤلاء الإيقاع بالمغاربة في صراع مفتعل، وما حديث “بن حمزة” عن “الهوتو” و”التوتسي” إلا تهييج للشارع وخلق للفتنة.

إنه المنهج الطبيعي لبعض المحسوبين على تيار الإسلام السياسي، الذين يتجاوزون حدود اللّباقة بمختلف أنواع الاستفزازات المجانية والمجانبة لروح التسامح والوطنية، ويختارون في كل مرة أن يوقعوا الشعب المغربي في براثين الفتنة والتصادم باسم الغيرة على الدين الاسلامي واللغة العربية.

لن نملّ من تذكير “بن حمزة” وزمرته -رغم تحجر عقولهم- أن اﻷمازيغ الذين يرمونهم بالتطرف ويحاولون خندقتهم في العرقية والقبلية المقيتة أكبر من ذلك بكثير، إن الذي يريد تمزيق الوطن هو من يصف مطالب الشعب بالتفاهات، والمغاربة يعرفون من وبإسم ماذا افتعل نزاع الصحراء، وهو من يريد أن يوهمنا أننا صنيعة الاستعمار رغم أن المغاربة يعرفون من ساوم المستعمر ومن حاربه، إن الذي يريد تشتيت بلادنا هو من يسعى إلى أن يفرض فكرة “الأمة” بشكل استبدادي استئصالي ويتناسى حتمية “الشعب” و”المواطنة”.

المؤسف في الأمر أنه في كل مرّة يثار فيها موضوع الأمازيغية يركب الوصوليون على رسالة ربانية ويحاولون شيطنة من ينبذ استغلالهم السياسوي للإسلام، فإذا كان الإسلام قد وحّد المغاربة، فكيف تسعون أنتم في تفريقهم بإسم الاسلام؟ متى ستكفون عن المنّ والمنافحة البغيضة باسم الغيرة على الإسلام والدفاع عن اللغة العربية؟ تأكدوا أن أطروحتكم ستتحطم لأنكم تزايدون على المغاربة في عقيدتهم ووطنيتهم، تأكدوا أن أطروحتكم ستتحطم لأنكم ضدّ التعدد والتسامح، تأكدوا أن أطروحتكم ستتحطم لأنكم من يسعى إلى استعباد المغاربة، و تأكدوا أخيرا تأكدوا أن أطروحتكم ستتحطم لأنكم تريدون فرض وصايتكم على المغاربة.

إن الأوان قد آن لكي نعود إلى الثقافة الأصيلة للمجتمع المغربي، القائمة على مبادئ التعاون والتشارك والتضامن والتآزر، عوضَ المزايدة المجانية باسم الدين ونفث سموم الصراع والتنازع التي يريد البعض أن تدبّ في أوصالنا وأن يحدث الشقاق بين مكوّنات المجتمع المغربي، إن عين التطرف والعدوانية هي خرجاتكم البهلوانية في كل مرة للتشكيك في المشروع الحضاري المتميز الذي تحمله الحركة الأمازيغية، ان أحكامكم القيمية لن تضرّ بإصرارنا وعزيمتنا وشرعية مطالبنا، فأطروحاتكم المتعالية هي التي تنطبق عليها كل الأوصاف التي ترمون بها غيركم.

كيف تسمحون لأنفسكم بالحديث عن يوسف بن تاشفين ومحمد بن تومرت وما قدّماه للإسلام دون أن تستحيوا مما تقدّمونه للغتهما متمثلا في الانتقاص المجاني من قيمتها والنظرة الدونية إلى حقوقها بل والتجني ومحاولات طمسها وإقبارها؟ لقد أصبحت القضية الأمازيغية تلك القضية التي تعدد انتهازيوها ووصوليوها ممن يتلاعبون بمشاعر الأبرياء ويتاجرون في قضية عقدية يجدر التعاطي معها بشكل أكثر واقعية وعقلانية، أنتم الذين تقتاتون على تخوين الأمازيغية والتهويل منها، تأكدوا أنكم تسيؤون الى رسالة الإسلام الحقيقية، تلك التي تقوم على الاعتراف بقيم التعدّد والتنوّع والاختلاف.

ان ازدواجية الخطاب وسياسة النعامة التي تنهجون قد ولى زمنها، ولتعلموا أن مغاربة اليوم ليسوا كمغاربة الأمس، تعلموا أن تكونوا لسان المغاربة أجمعين إن كنتم فعلا تريدون خيرا للمغاربة، حاولوا أن تتخلصوا من تضخم أناكم، تعلموا أن تخاطبوا المغاربة بخطاب أكثر عقلانية، إن سياستكم التمييزية بين القوى الفكرية والتيارات الايديولوجية لصالح أولي النعمة يزيدكم ذلة ويبرهن على خدمتكم لأجندات معينة ضدا على الإسلام الوسطي والمعتدل.

وأختم قائلا: سحقا لزمان كتب لنا فيه أن نسمع ما نسمع، ونعيش ما نعيش، ولـ”بنحمزة” إتّق الله ربّك في مشيئته في الخلق، واذكر ربّك إذا نسيت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *