ملفات | هام

50 مقدما وعريفا يحصون أنفاس ساكنة مدينة زاكورة

كانت مدينة زاكورة إلى عهد قريب لا يتواجد بها سوى 10 أعوان سلطة بما فيهم المقدمون والشيوخ معروفين لدى ساكنة المدينة و موزعين على احيائها، لكن في زمن قياسي أصبحت هذه المدينة تعج بجيش من أعوان السلطة والعريفات تجاوز 47 مقدم وشيخ حضري و3 “عريفات”.

إنهم “فلول” الشيوخ والمقدمين، ممن اختار لهم النظام الإداري المغربي موقع قريب من المواطن بعيدا عن أنظمه الأساسية ضمن تراتبية وتنوع أقسام الوظيفة العمومية، لهم موقع حساس ودور كبير، وليس لهم أي حق بما ينعم به “خدام الدولة”، إنهم بكل بساطة “أشباه موظفين” و”أشباح رجال السلطة” الذين ينعمون بكراسيهم الوثيرة وامتيازاتهم الكثيرة.

موظفون بدون رتبة إدارية

يتوزعون على مختلف أحياء المدينة حسب أهمية الحي حيث يحظى حي تانسيطة اخشاع بأكبر عدد (5) من هؤلاء من لا تعرفه الساكنة ولا تراه إلا نادرا ثم يليه حي أمزرو بـ 4 أعوان سلطة ثم حي المنصور الذهبي بـ 3، إضافة إلى فريق يتواجد بمقر عمالة الإقليم وبمقر المقاطعتين الأولى والثانية وفريق آخر مختص بشوارع المدينة.

في الظروف الحالية أصبح عون السلطة ينعت بعين السلطة المحلية التي لا تنام ولا يغمض لها جفن، وهي التي تستعمل كل الوسائل دون أية رقابة ولا تخضع لأي نظام أساسي ينظم طريقة اشتغالها، بيد أن لها دور كبير خطير في “المعلومة” التي أصبحت واحدة من أهم الأسس في صياغة التقارير.

فهم يعتبرون فرق إنقاذ في كثير من الأحيان، بل يعدون من أخطر الرجال إذا هم حرفوا أو زوروا أو شهدوا ضد الحق. والحقيقة حاولنا ولوج عالم هذه الفئة حيث وقفنا على مجموعة من “الغرائب” خصوصا في طريقة أختيار وتوظيف هذا النوع من أعوان السلطة، فاكتشفنا أنه بالإضافة الى أن تعيين بعضهم تم عن طريق الاقتراح من طرف القائد أو الباشا بعد استشارة رئيس قسم الشؤون الداخلية وزكية عامل الإقليم، منهم من ولج هذه المهنة في اطار صفقات مع عمالة الإقليم أو جاء ضمن مكافئة لخدمة ما والتي غالبا ما تكون استخباراتية أو دور في قبيلة ما أو جاء في اطار “باك صاحبي”.

كما وقفنا على أن هده الفئة تنقسم إلى أصناف منها من لهم مواقع متميزة في العمل حيث يتواجدون إما بمقر العمالة أو الباشوية أو بإحدى المقاطعتين لا فرق بينهم وبين الموظف العادي رغم أنهم محسوبون على أحياء أو شوارع معينة، بينما هناك صنف آخر لا يتواجد لا بالحي المسند إليه ولا بشارعه. يتقاضى أجره بعيدا عن صداع المواطنين.

في حين نجد صنف آخر مغلوب على أمره ومعروف لدى الساكنة يقوم بأدوار في غاية الأهمية وعلى رأسها ضبط ومراقبة السكان، ومطالب في بعض الحالات بالقيام ببعض الأعمال هو غير مؤهل لها مثلا “تغطية التجمعات السياسية والنقابية” مما يؤدي إلى تقديم تقارير مغلوطة ومضحكة في بعض الأحيان، وهذا راجع للنقص في مستوى التكوين.

كما يشاركون في بعض المهام الخطيرة بدون أدنى حماية قانونية “مما عرض الكثير منهم للمساءلة القضائية الشيء الذي جعل نظرة السكان اتجاه كلمة “المقدم” تستعمل بنبرة غنية بالدلالات فهي توحي من جملة ما توحي “الفضول وإحصاء أنفاس الناس وتتبع أخبارهم وأحوالهم؛ أي مراقبتهم عن قرب”. فهو يشكل العين المتوجسة والاذان اللاقطة واليد الطويلة.

صحيحٌ أن بعض التصرفات والمهام المناطة بهذه الفئة تجعلها دائما في مواجهة مباشرة مع المواطن، في الوقت الذي يقف القائد أو الباشا أو رئيس الدائرة موقف الآمر، يضطر آنذاك المقدم والشيخ إلى ترجمة كل التوجهات والتعليمات التي تقدم لهم على أرض الواقع. في مجملها تخدم مصالح مرؤوسيهم وليس مصلحة المواطن.

وخلال بحثنا اعتبرت أغلبية مصادرنا أن الوضعية الإدارية لأعوان السلطة هي وضعية مشابهة لوضعية المؤقتين، فهو بالتالي محروم من جميع الحقوق التي يتمتع بها الموظفون العاديون وإن كان من الناحية العملية موظفا يعين من طرف السلطة الإدارية ويخضع في وضعه ومهامه للتسلسل الإداري بمعنى يتلقى الأوامر والتعلميات ويسأل عن أعماله وأفعاله، ويوضعون تحت التصرف المباشر لـ “القايد”، مما يجعلهم يشْكُون من عدم الوضوح في التعامل مع وضعيتهم الإدارية الغامضة إلى حدود الآن.

الثقة المفقودة

إن وظيفة أعوان السلطة تطورت تدريجيا إلى آلية للرقابة والتجسس على المواطنين، لذا أصبح هذا الجهاز يقوم بأدوار في غاية الأهمية وعلى رأسها ضبط ومراقبة السكان، وتغطية خطب المساجد وبعض الأنشطة الدينية الرسمية وغير الرسمية ومراقبة الباعة المتجولين وباعة الممنوعات ودور الدعارة بالإضافة إلى التبليغ عن المشاكل الناتجة عن البنية التحتية.

ورغم هده المهام الخطيرة التي يقوم بها أعوان السلطة فإنهم لا يستفيدون من التعويضات عن هذه المهام الإضافية التي هي في الأصل ليست من اختصاصاتهم. وخلال بحثنا هذا، كان القاسم المشترك بين أعوان السلطة يتمثل في تأكيدهم على ضرورة ادماجهم في الوظيفة العمومية وضرورة تحديد المهام المناط بهم وغياب الوضوح في تحديد الحقوق والواجبات.

رغم كل هذه المعطيات فإن نظرة المواطن على العموم سلبية اتجاه هذه الفئة ولا عجب أن يحاول المواطن البسيط استمالتها إلى جانبه بالعطايا والاكراميات فهو صوت السلطة التي يعلو ولا يعلو عليه، ويدها طويلة. هذا الوضع المتميز يستغله ويوظفه بعض الأعوان لأغراضهم الشخصية، إذ استطاعت فئة من المقدمين والشيوخ أن ينسجوا شبكة من العلاقات.

الكل يتفق أن عمالة زاكورة تعول وتعتمد كثيرا على هذه الفئة ما يفسر ذلك العدد الضخم الذي تتوفر عليه من المقدمين والشيوخ والمخبرين والعريفات.

وفي الأخير نسجل أن مهمة عون السلطة تنتشر خاصة في المجتمعات المتخلفة التي تفتقد فيها الحريات وحقوق المواطنة في كل أبعادها. فالسلطة بالذات تستمد قوتها باستمرار من مثل هذه المهام التي تضمن انضباط المواطن وتزرع الخوف في نفسه، رغم التطورات العميقة التي عرفها المجتمع فلا زالت نظم السلطة تقليدية من خلال تكريس وظيفة الشيخ / المقدم، لأنه من جانب غير مكلف ماديا ومن جانب آخر مورد مهم للحصول على المعلومة وبأقل التكاليف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *