خارج الحدود

“جرائم الشرف” تودي بحياة آلاف الأبرياء في باكستان‎

ترفع السيدة الباكستانية راضية عينيها الى السماء، تحمل مصحفا بيدها، تختنق بالبكاء وتشرع في الدعاء..فقد فقدت واحدة من بناتها وقتلت الثانية في جريمة ثأر عائلية .. لكن كما جرت العادة في باكستان، لا أحد يعاقب مرتكبي “جرائم الشرف”.

تطلق راضية صرخة مدوية حين تنظر الى صور ابنتها القتيلة، صورة اولى تظهر فيها الفتاة ملأى بالحياة، وصورة اخرى تظهرها جثة هامدة يلفها الكفن، قبل ان تحمل الى مثواها الاخير.

وراضية، الارملة ذات الاعوام الخمسين، واحدة من عدد لا يحصى ولا يعد من امهات منسيات فقدن بناتهن بسبب “جرائم الشرف”، في هذا المجتمع الريفي المحافظ والمتشدد اجتماعيا.

ومنذ العام 2008، راحت اكثر من ثلاثة الاف امراة ضحية لهذه الجرائم التي يطلق عليها محليا اسم “كارو كاري”، وفقا لمنظمة اورات غير الحكومية المعنية بالدفاع عن حقوق المرأة.

تجلس راضية على سرير وضعته قبالة منزلها في قرية ساشال شاه مياني في اقليم السند جنوب باكستان، على مقربة من النهر..وتروي مأساتها.

بدأت القصة في العام 2010، حين انتقلت ابنتها خالدة مع عائلة زوجها الى كراتشي، على بعد 450 كيلومترا، حيث فقد اثرها في ظروف غامضة.

اصابت هذه الحادثة الام بأسى بالغ، لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل ان عائلة زوج ابنتها اتت غاضبة لمطالبتها بالتعويض عن اختفائها، وحدد التعويض بان تزوج ابنتها الثانية شادية شابا من العائلة.

رفضت راضية ذلك، ودفعت ثمن رفضها بان دخل ثلاثة رجال الى منزلها، وقتلوا ابنتها برصاصة في الظهر، ثم لاذوا بالفرار ولم يسع احد للبحث عنهم وتوقيفهم…ومنذ ذلك الحين تعيش راضية مع دموعها على ابنتها، طالبة عدالة لم تتحقق.

وينتشر هذا النوع من الجرائم في الأرياف في باكستان، ويرتكب بذريعة ان المرأة المقتولة اقامت علاقة غير شرعية تستوجب التخلص منها ومسح “العار” عن العائلة.

لكن هذه الجرائم غالبا ما تكون ذات دوافع مختلفة في الحقيقة، وتقول ايروم اوان المسؤولة عن وحدة مكافحة جرائم الشرف في الشرطة في السند “في معظم الحالات تقتل النساء لاسباب تتعلق بالميراث” ويقال انها قتلت بدافع الشرف، وهو ما يؤكده ايضا الصحافي خالد بنبهان الذي يؤكد وقوع جريمتين او ثلاث من هذا النوع يوميا.

وما زالت الاسباب وراء قتل شادية مجهولة، لكن طلب فرض تزويجها ينطوي ربما على اعتبارات مادية، لا سيما انها لم تفعل ما اتهمت به.

وتستخدم ذرائع “الشرف” كذلك للمحافظة على سلطة الاقطاع التي تضاهي قوة الدولة في ارياف السند.

ففي قرية اخرى من الاقليم، يقبع محمد حسن في كوخ على مقربة من مصارف للمياه الآسنة، مذعورا بعدما اتهمه احد ملاك الاراضي الواسعي النفوذ بانه “كاري”، اي رجل مرتكب للزنااو ما يجلب العار.

ويقول محمد حسن “لقد اتهمني بذلك ليستولي على ارضي”.

ويضيف “انا في خطر، لقد هاجموني ثلاث مرات، انا فقير وهو غني يمكنه ان يفعل بي ما يشاء”.

ولا يسجل اي تحرك جدي من طرف السلطات لمكافحة هذه الظاهرة، وهو ما يثير حالة من الاحباط لدى رجال الشرطة المتحمسين لاداء واجباتهم.

وتقول ايروم اوان “في الاونة الاخيرة، اوقفنا رجلا قتل زوحه…لكن القاضي اطلق سراحه بكفالة”.

ويفاقم الامور اكثر ان القانون، وان كان يعتبر ان جرائم الشرف ينبغي معاقبة مرتكبيها، الا انه يجيز ايضا اجراء مصالحات بين القاتل واهل القتيل مقابل دفع دية.

وبات جرائم الشرف مصدر خطر ليس فقط على النساء او الرجال ممن لا حول لهم ولا قوة، بل ايضا على الصحافيين الذين ينتقدونها، وقد تلقى عدد منهم تهديدات بالقتل.

وترى أوان أن القضاء على هذه الجرائم لا يمكن ان يتم بالقوة فقط، بل ان الامر يحتاج الى رفع مستوى الثقافة لتغيير العقليات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *