آراء

الطاقة النووية للأغراض السلمية بالمغرب: خيار استراتيجي

كجميع الدول غير المنتجة للبترول، كان لزاما على المغرب تطوير وتنويع مصادره من الطاقة، للحد من تكاليف الاعتماد على الأسواق الخارجية في هذا المجال. وفي هذا السياق اتخذ الراحل الحسن الثاني مند عقد السبعينات مجموعة من التدابير والإجراءات، كاعتماده على سياسة مائية من خلال بناء السدود توخت، إلى جانب سقي الآراض الفلاحية والشرب، انتاج الطاقة الكهرومائية. وقد بلغت هذه السياسة الذروة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي ولا زالت مشاريع قائمة أو مستقبلية في هذا المجال، إلا أنه مع مرور الوقت واعتبارا للنمو الديمغرافي والصناعي تبين أن هذه السياسة لن يكون بمقدورها أن تفي باحتياجات المغرب من الطاقة الكهربائية. وفي هذا المجال سعى المغرب لتنويع مصادره اعتمادا على المحطات الحرارية بمجموعة من المناطق والتي تعمل بالغاز الطبيعي أو الفيول أو الفحم، ويعتمد كذلك المغرب على الطاقة الريحية، ومع هذا كله فإن المغرب يستورد أكثر من %17 من إسبانيا من الكهرباء عبر الربط القائم بينهما وبسعر أقل من تكلفته بالمغرب. وهناك ربط أخر بالجزائر من أجل تصدير واستراد هذه المادة الحيوية. أما الآن ومع تدشين العاهل المغربي للمحطة الشمسية نور واحد فقد قفز المغرب قفزة كبيرة في اتجاه تنويع وتحسين انتاج الكهرباء، ومع هذا كله فإن الحاجة المتزايدة لهذه المادة فرضت وتفرض على المغرب الاعتماد مستقبلا على الكهرباء النووية. وللإشارة فإن المغرب اعتبر مشروعه النووي من أولويات مخططه الخماسي 77-81 والذي توخى بناء محطة نووية ذات قدرات محدودة، وعلى إثر ذلك تم إحداث خلية مكلفة بالملف بمديرية الطاقة في بداية الثمانين من القرن الماضي من أجل بلورة، وبتشاور مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، القوانين المنظمة للقطاع. ومنذ ذلك الحين، عمل المغرب على تكوين وتدريب المتخصين في مجال التكنولوجيا النووية، وذلك بفضل مساهمة فرنسا والوكالة الدولية من أجل التمكن من التكنولوجيا. ومن أجل إنعاش التقنيات النووية، تم إنشاء المركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية سنة 1986 لكن المفاعل لم يجرب إلا في 2007، وهو من نوع TRIGA Mark II بقوة 2 ميكاواط، مخصص للدراسات والأبحاث فقط وليس لتوليد الطاقة الكهربائية. هكذا فقد المغرب وقتا كبيرا في هذا المجال، وللتذكير فقد بدأ المغرب والامارات العربية برنامجهما في نفس الفترة واقتنيا نفس مفاعل الأبحاث. إلا أنه في الإمارات تم استكمال 80 بالمئة من أعمال البناء في أول المفاعلات الأربعة الجاري إنشاؤها في محطة براكة للطاقة النووية بالإمارات العربية المتحدة، وإن المفاعل الأول في طريقه لبدء التشغيل وإنتاج الطاقة في السنة المقبلة. أما المغرب فيراهن على 2030 من أجل بناء أول محطة كهرونووية. إن اتجاه المغرب للاستخدام السلمي للطاقة النووية مستقبلا له ما يبرره، حيث:

  • تكلفة الطاقة النووية أقل بكثير من توليد الطاقة الحرارية (الفحم، الغاز الطبيعي والفيول)، وطاقة الرياح، والطاقة الشمسية …؛ حيث أن 400 غرام من الأورانيوم المخصب يعطي نفس الطاقة لـ 30000 متر مكعب من الغاز الطبيعي أو لـ 25000 لتر من الفيول أو لـ 35000 كيلو غرام من الفحم، أما بالمقارنة مع الطاقة الشمسية للمحطة لنور 1، 2 و3 فإن الفاتورة تتطلب 9 ملايير دولار لإنتاج 580 ميغاواط وهذه التكلفة قادرة على إنشاء 3 مفاعلات نووية قد يصل إنتاجها على 3600 ميغاواط. مع العلم على أن المساحة التي تتطلبها المحطة الشمسية تزيد بأكثر من 24 مرة من المحطة النووية، ومن جانب أخر المدة الزمنية لاستغلال الألواح الشمسية تتراوح ما بين 20 و30 سنة بينما المحطة النووية (الجيل الثالث) يتراوح عمرها ما بين 40 و60 سنة؛ وللمقارنة بين مصادر الكهرباء، ففي فرنسا مثلا فإن ثمن الميكاواط الواحد المنتج من الطاقة النووية يساوي 49،5 أورو ، فيما ثمنه من الطاقة الحرارية يتراوح ما بين 70 و 100 أورو، وثمنه من الطاقة الريحية هو 220 أورو ومن الألواح الشمسية فهو 370 أورو (مع العلم أنه يجب أخد العامل الجغرافي والأحوال الجوية بعين الاعتبار)؛
  • الاستقلال الطاقى للمغرب يجب أن يكون من صميم أولوياته في برامجه التنموية؛
  • البعد الجيوسياسي يحتم على المغرب مسايرة محيطه. للإشارة فإن الجزائر تعمل على بناء أول محطة للطاقة النووية في عام 2025، في حين أن اسبانيا تستغل الآن 5 محطات؛
  • يجب أن يكون تنويع مصادر الطاقة في المغرب خيارا استراتيجيا وسياسيا.
  • إن اختناق السدود بسبب ترسيب الرمال والطين والحصى، من جهة والجفاف من جهة أخرى قد يؤثر سلبا على إنتاج الطاقة الكهرومائية، رغم أنها لا تمثل أساسا إلا نسبة ضئيلة من المنتوج الكهربائي الوطني؛
  • بفضل الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي بدأها المغرب في السنوات الأخيرة، فالمغرب يعتبر بمثابة منصة وقاعدة مثالية للاستثمار والأعمال التجارية ونقل التكنولوجيا لدول جنوب الصحراء الكبرى، وقد يكون نقل المعرفة النووية مهما بالنسبة لإفريقيا خصوصا وأن بلدانا عبرت غير ما مرة عن رغبتها في التوفر مستقبلا على هذه التكنولوجيا؛
  • نظرا للنمو الذي يعرفه المغرب فإن الطلب على الكهرباء يرتفع سنويا بـحوالي 7 %؛
  • إن الهاجس الأمني والسلامة أخد دفعة قوية خاصة مع الجيل الثالث والرابع من المفاعلات النووية، بحيث أصبح احتمال وقوع كوارث ضئيلا جدا إن لم أقل منعدما، وحتى لا قدر الله وقع شيء من هذا القبيل، فالتكنولوجيا الحديثة أوجدت حلولا قادرة على المحافظة على المواد المشعة في أمان.
  • إن الجوانب التقنية والسلامة والأمن وتدبير النفايات الإشعاعية، إلى جانب الموارد البشرية التي يتوفر عليها المغرب، طبقا للتقرير الأخير لخبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تأهل المغرب لبناء محطة نووية سلمية لإنتاج الكهرباء.

وإذا أخنا لعين الإعتبار الإكراهات والحوافز السالفة الذكر، كان لزاما على المغرب تنويع مصادره من الطاقة، والإسراع في تنفيد برنامجه النووي السلمي لكسب رهانات المستقبل.

الدكتور عبد الحميد مكاوي

عضو الجمعية المغربية للحماية من الإشعاع

عضو جمعية المهندسين في الهندسة الذرية بالمغرب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *