ملفات | هام

منتزه سوس ماسة .. لؤلؤة ترصع العقد الناظم للثروة البيئية المغربية

لم يعد هناك مجال للشك في أن المغرب بات من بين الدول التي تحتل مراكز متقدمة على الصعيد العالمي فيما يتعلق بالإسهام الفعلي في حماية كوكب الأرض من الأخطار التي تهدد البشرية بسبب استغلال الانسان المفرط والعشوائي للثروات الطبيعية، وتقصيره في الاستثمار العقلاني للموارد المتجددة.

وقد برهن المغرب على وعيه وانخراطه المتنامي في الحملات الكونية للحفاظ على البيئة منذ مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي، عند مشاركته في قمة الأرض بمدينة ري ودي جانيرو البرازيلية، التي دشنت لعهد جديد من المبادرات الحكيمة الرامية إلى الحفاظ على مستقبل الإنسانية، وضمان شروط العيش الكريم للأجيال القادمة على كوكب الأرض.

وقد اتخذ انخراط المغرب في هذه الديناميكية الكونية للحفاظ على البيئة اشكالا متعددة، من ضمن تجلياتها تأسيس وزارة خاصة بالبيئة منذ عقود ، وإطلاق المخطط المغربي لتنمية الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية، الذي توج مؤخرا بالشروع في استغلال أكبر محطة على الصعيد العالمي لإنتاج الكهرباء انطلاقا من الطاقة الشمسية، وهي محطة “نور ورزازات”.

وإلى جانب هذه التجليات، حرص المغرب على صيانة موروثه الايكولوجي والبيئي، وتثمينه سعيا وراء تحقيق غايات نبيلة تتجاوز المجال الجهوي والوطني وحتى الإقليمي، لتكسب بعدا كونيا، كما هو الشأن مثلا بالنسبة لإنشاء وتطوير مجموعة من المحميات والمنتزهات الوطنية التي بات لها صيت عالمي، ومن ضمنها على سبيل المثال لا الحصر المنتزه الوطني لسوس ماسة.

وتفيد المعطيات المتوفرة لدى المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، التي تشرف على تدبير وصيانة المنتزه الوطني لسوس ماسة، الذي يتميز بخاصيات ومكونات فريدة من نوعها، أن هذه المنشأة البيئية تشغل مساحة أرضية تقدر ب 33 ألفا و800 هكتار، وتمتد على شريط ساحلي طوله 65 كلم، وتقع بين وادي سوس (عمالة أكادير إداوتنان)، ومنطقة أكلو (إقليم تيزنيت).

ومن جملة الخاصيات البيولوجية للمنتزه الوطني لسوس ماسة، أنه يضم ما يناهز 302 من أصناف النباتات من أصول مختلفة، ضمنها 13 صنفا مستوطنا بالجنوب الغربي للمغرب.

وبخصوص الثروة الحيوانية المتوفرة في المنتزه، فإنها تشكل مفخرة ضمن الرصيد البيولوجي للمغرب، حيث يحتوي المنتزه على أزيد من 24 صنفا من الثدييات، من ضمنها ثلاثة أصناف تم إدخالها إلى المنتزه من أجل تأقلمها مع الظروف الطبيعية للمنطقة ، ليتم إطلاقها في ما بعد في موطنها الأصلي بالمناطق الصحراوية، ويتعلق الأمر بحيوان”المهاة”، و”المها الحسامي”، و”غزال آدم”.

أما بالنسبة للطيور، فيوجد بالمنتزه الوطني لسوس ماسة، ما يقارب 250 صنفا من الطيور، وفقا لما أفادت به المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، منها ما يتوفر على أعشاش، ومنها الطيور المهاجرة.

ومن خاصيات هذا المنتزه أنه يأوي بعض أصناف الطيور النادرة جدا على الصعيد العالمي، أو أنها مهددة بالانقراض تماما، كما هو الشأن مثلا بالنسبة لطائر أبو منجل الأصلع، إضافة إلى النعامة ذات العنق الأحمر التي تم إدخالها إلى المنتزه، على أن يتم فيما بعد إطلاقها في موطنها الأصلي بالمناطق الصحراوية.

وعلاوة عن المؤهلات النباتية والحيوانية السالف ذكرها، فإن المنتزه الوطني لسوس ماسة يمتاز بخاصيات إيكولوجية مميزة على الصعيد الكوني، وتتمثل في احتوائه على منطقتين رطبتين هما “مصب وادي سوس”، و”مصب وادي ماسة”، اللذين تم تسجيلهما سنة 2005 ضمن “لائحة رامسار” للمناطق الرطبة التي تتمتع بأهمية عالمية بالنسبة للتنوع البيولوجي والتنمية المحلية.

وإلى جانب هاتين المنطقتين الرطبتين، فإن جزءً هاما من مساحة المنتزه الوطني لسوس ماسة، عبارة عن قطعة من المجال الترابي للمحمية الحيوية لشجرة الأركان الممتدة على مساحة تتجاوز 800 ألف هكتار، والتي سبق أن تم تصنيفها من طرف منظمة “اليونسكو” منذ سنة 1998 تراثا بيئيا للإنسانية.

وبالنظر لهذه المؤهلات الغنية والمتنوعة، وتماشيا مع الرؤية المندمجة والشمولية التي اعتمدها المغرب فيما يتعلق بحماية موارده البيئية والحفاظ عليها، فإن المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر تعمل منذ سنوات على تنفيذ برامج ومخططات، خاصة منذ سنة 2005، وذلك من أجل جعل المنتزه الوطني لسوس ماسة نموذجا يحتذى في مجال التدبير المستدام للثروات الطبيعية الوطنية، وهذا بالتالي ما جعل المنتزه يشكل واحدة من الواجهات التي تعكس الانخراط الفعلي للمغرب في الجهود الكونية للمحافظة على البيئة.

* و.م.ع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *