حالة من المد والجزر عرفتها العلاقات المغربية الليبية إبان فترة حكم العقيد الراحل معمر القذافي، والملك الحسن الثاني.
أبرز مراحل الدفء التي عاشتها علاقات البلدين، كانت في الفترة الممتدة بين 1984 و1986، حيث تم توقيع اتفاقية تعاون بين المغرب وليبيا، في مرحلة كانت تدعم فيها هذه الأخيرة جبهة البوليساريو في حربها ضد المغرب في منطقة الصحراء الغربية.
هذه المرحلة، تم التوقيع فيها على اتفاقية “وحدة بين البلدين”، بعد أن كان القذافي قد اقترح هذا الموضوع على عدد من ملوك ورؤساء الدول العربية، وكان من بينها المغرب.
ويكشف عبد الواحد الراضي، أقدم برلماني في المغرب، وزير التعاون خلال هذه الفترة، عن عدد من التفاصيل المرتبطة بهذه الاتفاقية، التي قوت من العلاقة بين البلدين، لدرجة أصبح فيها عدد كبير من الليبيين يزورون المغرب، ويتجولون في مختلف شوارع مدن المملكة، خاصة مدينة الدار البيضاء.
الراضي، وفي كتابه “المغرب الذي عشته” ، يورد أن القذافي أرسل أبو القاسم محمد الزوي، كمبعوث إلى الملك الراحل الحسن الثاني، إذ استقبله هذا الأخير، واقترح عليه ما كان يفكر فيه ويسعى إليه القذافي.
وعلى غير المتوقع، يقول الراضي، “فوجئ المسؤول الليبي بالحسن الثاني يقبل الدعوة، ويعبر له عن استعداد المغرب دون أي تردد للانخراط في المشروع، وكان المغرب هو البلد العربي الوحيد الذي استجاب لرغبة القذافي”.
وبذلك منح الضوء الأخضر لخبراء ومساعدي رئيسي الدولتين للعمل على تحضير مشروع هذه الوحدة ومحتواها، وتأسست مشاريع الوثائق على أساس وحدة البلدين مع ترك الإمكانية القانونية لاحتمال التحاق بلدان أخرى عربية أو أفريقية أخرى.
لكن ما الذي دفع بالملك الراحل الحسن الثاني للقبول بهذه الاتفاقية، مع نظام كان من أبرز الأنظمة الداعمة لجبهة البوليساريو، سواء من خلال الدعم المالي أو السلاح؟
يجيب أقدم برلماني في المغرب عن هذا السؤال، بالتأكيد على أن الحسن الثاني لم يبد هذا الاستعداد اعتباطيا، وإنما تصيد الفرصة السانحة، في سياق كانت فيه الجزائر قد أقنعت جارتيها، تونس وموريتانيا بالتوقيع على اتفاقية ثلاثية للتعاون أقصي منها المغرب، ومن ثم جاء المقترح الليبي في اللحظة المناسبة، فاقتنصه المغرب ليضرب عصفورين بحجر واحد، فمن جهة عطل الاتفاق الثلاثي في المهد، لأنه أصبح غير عملي، ومن جهة أخرى أوقف الدعم الليبي لعناصر البوليساريو”، على حد تعبيره.
الإطار الذي تم الاتفاق عليه بين المغرب وليبيا سمي “الاتحاد الأفريقي العربي”، من أجل ترك الباب مفتوحا لانضمام دول أخرى، وهنا يقول الراضي، بأنه حظي باستقبال عاجل من قبل الحسن الثاني، خصص للحديث عن هذا الموضوع، حيث اقترح عليه أن يكون أمينا عاما لهذا الاتحاد الذي سيكون مقره في المغرب.
لماذا وقع الاختيار على الوزير الاشتراكي؟، يقول الراضي، إنه “كان واضحا أن الملك الحسن يدرك أن النظام في ليبيا له مرجعية تعطي الانطباع بكونها اشتراكية وتقدمية وثورية وما إلى ذلك، ولذا فكر ربما في بروفيل يمكنه أن يتلاءم مع طبيعة الخطابي الليبي”.
كيف تعطل هذا الاتفاق؟
التحالف المغربي الليبي لم يدم طويلا، خصوصا بعد التطورات التي عرفتها المنطقة، وصراع طرابلس مع الدول الغربية.
القشة التي قصمت ظهر هذا الاتفاق، كانت استقبال المغرب لرئيس الحكومة الإسرائيلية “شمعون بيريز” في المغرب، يقول الباحث المغربي، رشيد لزرق إذ “استغل الملك الحسن الثاني فرصة الاستقبال العلني لـ “بيريز” في يوليوز 1986 والذي اعتبره القذافي “خيانة عظمى للقضية العربية وتصرف لا يطاق”، على حد تعبيره.
هذه الزيارة، جمدت اتفاقية الإتحاد العربي الأفريقي، ومن ثم عادت للمغرب حريته في التصرف وفقا لمصالحه الوطنية، بعيدا عن أجندة معمر القذافي.
ويؤكد لزرق، أن الحسن الثاني تمكن بعد الاتفاق المغربي الليبي من ضمان حياد العقيد، وبعد ذلك، سحب اعترافها ب”الجمهورية الصحراوية”.