مجتمع

أقليات دينية تبحث عن حقوقها في المغرب

رغم أن البهائية والأحمدية نشأت في صلب مجتمعات إسلامية، ما يزال أفرادها في المغرب يعانون من نظرة سلبية وتضييق من المجتمع المغربي ومن السلطات، مقارنة مع المسيحية واليهودية. وفي ظل غياب إحصاءات دقيقة لعدد أفراد من يصفون أنفسهم بـ”الأقليات الدينية في المغرب”، يرى مراقبون أن عدداً من المغاربة يعتنقون المسيحية والبهائية، وآخرين ينتمون لطوائف مختلفة كالشيعة والأحمدية القاديانية.  DW عربية استقت أراء شباب مغاربة ينتمون للأحمدية والبهائية، في محاولة لكشف واقع هؤلاء وخلفيات النظرة السلبية للأحمدية والبهائية في المجتمع المغربي.

الأحمدية: “السلطات بدأت تعاملنا باحترام متبادل”

عصام الخماسي، شاب ينحدر من مدينة مراكش، يقول إنه انضم منذ سنة 1999 إلى “الجماعة الإسلامية الأحمدية”، وهذا هو الاسم “الذي اختاره لها المؤسس مرزا غلام أحمد القادياني بأمر من الله”، على حد تعبيره.

ويُوصَفُ عصام حالياً بأنه “زعيم الأحمدية” في المغرب، ويقول  إن “أعضاء الجماعة في المغرب مرواْ بمحن نفسية، حيث تتم اللقاءات مع السلطات الأمنية دون سابق إنذار، وتكون الأسئلة مستفزة وتحمل بين طياتها كثيراً من الاستهزاء والوعيد”.

ويشير الخماسي إلى أن “تعامل السلطات معنا تغير بعد مدة قصيرة، فبدأواْ يتعاملون معنا  باحترام متبادل”. واستغرب الخماسي ما قال إنه “يراه في أعين بعض المغاربة، من نظرة الاستهزاء والشفقة عليه بعد انضمامه للأحمدية”، مضيفاً أن “الجماعة الإسلامية الأحمدية ليس لها طقوس وعبادات خاصة تختلف عن جوهر الإسلام”، فالفرق الوحيد بيننا وبين عامة المسلمين “أننا نؤمن أن الله قد بعث الإمام المهدي، وهذا أوانه فيما يعتقد الآخر، أن الإمام المهدي لم يأتِ بعد، فقط ولا غير”، يضيف زعيم الأحمدية المغاربة.

وعبر المتحدث ذاته عن “استعداد الأحمديين المغاربة للانخراط في مطالب الأقليات الدينية المغربية، شريطة أن تكون في إطار القانون ومرخصاً لها من طرف السلطات المغربية”.

وطالب زعيم الأحمدية المغاربة الدولة المغربية بأن “تضمن جميع الحريات للمغاربة كما صرح بذلك جلالة الملك محمد السادس نصره الله في مدغشقر”. ويدعو الخماسي إلى أن “تُسَنَّ قوانين تحدد حقوق المغاربة وواجباتهم تماشياً مع روح الإسلام الصحيح. ومن خالف هذه القوانين يُحاسب طبقاً للقانون”.

“الاحتفال بذكرى البهاء مسموح به وممنوع!”

من جهته يوضح محمد منصوري، وهو طبيب متخصص في علاج السرطان، من مدينة طنجة، أنه تعرف على الديانة البهائية، عن طريق صديق له خلال فترة دراسته الجامعية، وقال الشاب إنه “لا يتعرض لأية مضايقات، كل من يعرفني يعاملني بقدر كبير من الاحترام والأُخُّوة، خصوصاً وأن هُويتي معروفة بشكل مباشر عند الأصدقاء والأقارب وبشكل عام من خلال صفحتي على الفيسبوك”.

محمد منصوري هو عضو مكتب الاتصال للبهائيين في المغرب، ووَصَفَ ما تقوم به السلطات المغربية مع إخوانه في البهائية أنه “اجتهاد لحفظ الأمن والاستقرار موضحاً: “نحن نعيش في مجتمع محافظ قد ينظر أحياناً بنوع من الشك والريبة لكل ما هو مختلف عن الثقافة السائدة، وهذا ما يجعل السلطات في موضع لا تحسد عليه بين حفظ الاستقرار وعدم المساس بحقوق المواطنين على اختلاف فكرهم ومعتقدهم”.

ونفى عضو مكتب الاتصال للبهائيين المغاربة أن “تكون السلطات المغربية منعت البهائيين من الاحتفال بالذكرى المئوية الثانية لميلاد حضرة بهاء الله”، مشيراً إلى أن “معظم البهائيين في المغرب احتفلواْ بهذه الذكرى بمشاركة عدد كبير من الأصدقاء والمعارف، وقد مرت الاحتفالات في ظروف جيدة ولم تكن هناك أية مشاكل”، لافتاً إلى أن “بعض الجمعيات المحلية التي كانت تود الاحتفال بهذه المناسبة، على نطاق أوسع في قاعات للحفلات لم تحظ بالترخيص من السلطات لأسباب شكلية”.

“مضايقات مع استثنائات قليلة”

وأشار عضو مكتب الاتصال للبهائيين في المغرب أن “البهائيين المغاربة لا يسعون إلى أن يصبحواْ أقلية تطالب بحقوق خاصة بها، بل يحاولون جاهدين المشاركة في حياة المجتمع لنشر قيم التعايش والوحدة في إطار التنوع”. ودعا محمد منصوري الجميع إلى “تركيز الجهود والمساعي على إقرار مبدأ المواطنة وما يتضمنه من قوانين تساوي بين جميع المواطنين على اختلاف انتماءاتهم العرقية والدينية، وما يترتب عليه من تغيير في المنظومة التربوية لتثبيت قيم التسامح والانفتاح والمحبة والعمل المشترك”.

جواد الحامدي منسق ما يسمى بـ”لجنة الأقليات الدينية في المغرب” يرى  أن “السلطات التنفيذية والأمنية المغربية تقوم بالتضييق على الأقليات الدينية وتمنع جميع الحريات الدينية وتمس بحقوقها من خلال تدخلات أمنية غرضها عقاب الأفراد على اختياراتهم الدينية”.

وأشار الحامدي أن “الأحمديين ممنوعون من تأسيس جمعية خاصة بهم منذ سنة 2015، أما البهائيون فمنعواْ قبل شهر بكل من مكناس وطنجة من الاحتفال بعيد ميلاد نبيهم، وأغلقت السلطات القاعات الخاصة في وجوههم وفرضت رقابة على معتنقي هذه الديانة”. مضيفاً أن “البهائيين والأحمديين حالياً هم أول من يتعرض للمضايقات، باستثناء قلة قليلة منهم لا يعانون من تعسفات السلطة بسبب قربهم من شخصيات من محيط السلطة”.

برلماني مغربي “لا توجد أقليات في المغرب”

خديجة رياضي، الناشطة الحقوقية وعضوة “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان”، ترى أن مؤتمر الأقليات، الذي انعقد مؤخراً في مقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط، هو “للدعوة إلى افساح المجال لهذه للأقليات للتعبير عن قناعاتها وعقائدها كما ينص عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليها المغرب”.

 وأضافت الناشطة الحقوقية أنه “من المعروف أن القوانين المغربية لا تعترف بأية أقليات ولا مذاهب أخرى باستثناء الأقلية اليهودية، ولا يسمح لهم بإنشاء أماكن للعبادة  خاصة بهم ولا برامج تلفزيونية للتعريف بقناعاتهم “، مشيرةً إلى أن “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ينص على حرية الضمير والمعتقد وممارسة الشعائر وإظهارها والدعوة لها” وتابعت رياضي: “كل فرد له الحرية في التعبير عما يؤمن به من عقائد ومن قناعات والمجتمع حر في اعتناق ما يريد”.

وفي المقابل يرى محمد الطويل، برلماني عن حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية : “لا توجد أقليات في المغرب، بمفهوم الأقلية من الناحية السوسيولوجية، فكل ما في الأمر هناك أفراد يمارسون حريتهم في العقيدة”.

وأضاف البرلماني ذاته أن “الدستور المغربي عالج هذه المشكلة في إطار الهوية الإسلامية الجامعة”، واستغرب المتحدث ما قال إنه “تهويل بعض الأوساط الإعلامية لحوادث منفردة تحدث لبعض الأفراد المعتنقين لديانات ومذاهب أخرى وتضخيمها والتركيز عليها”، وأشار إلى أن “المجتمع المغربي متسامح مع جميع الأديان والمعتقدات والتوجهات الفكرية، ولكنه يرفض بالمقابل أي مساس بهويته الإسلامية الجامعة”.

وكان  خالد البوقرعي، البرلماني عن حزب العدالة والتنمية والكاتب العام لشبيبة الحزب، انتقد في وقت سابق تنظيم لجنة الأقليات الدينية في المغرب لمؤتمرها، وذلك في كلمة ألقاها ضمن لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين بالخارج. ودعا البرلماني ذاته إلى منع هذا المؤتمر، محذراً من “استغلال الأقليات في المغرب من أجل الاختراق السياسي”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *