آراء

محمد سالم الطالبي يكتب:بيادق داخل “القاعة”

لو لم يطمئن رئيس المجلس البلدي لسيدي افني، عبد الرحمان فبيان،لصمت “النخبة”  لما قرر التراجع عن قراره، و سحب ترخيصه لاستغلال قاعة المسيرة الخضراء  حيث كان مقررا تنظيم  حفل توقيع لكتاب من تأليف الاستاذ  محمد انفلوس بعنوان الريح والزعتر.

والتضامن  الذي اعبر عنه  من خلال هذا المقال وفاء  لمبدأ، بصرف النظر عن مضمون الكتاب الذي قد يكون  موضوع اختلاف،  هو في الحقيقة مجرد موقف سيظل في كل الاحوال  ناقصا  ما لم ترافقه قراءة موضوعية تتغلغل الى  عمق  السياق المحلي  الذي افرز  هذا النوع من  الاستبداد.

فقد ادرك عبد الرحمان فبيان، بحسه التجاري الحاد،  بان اقصى ما سيتم اللجوء اليه هو اللجوء الى  حائط الفيسبوك وتحويله الى  حائط مبكى، و ذرف الدموع امامه وعليه ، و تزيينه  بالتعليقات التي ستبتعد بالرأي العام عن واقع ولب  الاشياء في بحث دائم عن موجة   الايديولوجيا  التي تسكر العقول، وتمنح بالموازاة مع ذلك  متعة الركوب..

والواقع أن  هذا الاستبداد الرئاسي المتجدد   إنما أنتجه  سياق محلي طبعه شكل اخر و اخطر من الاستبداد المندد به، إنه   الاستبداد بالرأي.  وهو مايعني أن  عدم قول الحقيقة ، من طرف النخبة المتباكية اليوم على حالها، وامتناعها عن  تسليط الضوء على سوء تدبير الشأن المحلي، هو في الاصل  تآمر على  الرأي العام،وحرمانه  من الحق في الوصول الى  المعلومة الصحيحة، إنه ببساطة   إجهاض ولي لذراع الحقيقة بسلاح   السلطة الرابعة والخامسة على حد سواء. 

لذلك   فالامتناع  عن انتقاد  رئيس المجلس البلدي،  و في أسوء الاحوال استعمال  سلطة الرأي  في تحسين صورته وتقديمه كما لو كان  منقذا من الظلال، والحال انه لم يخجل يوما  من استغلال قاعة  نفوذه  في سبيل رعاية مصالحه ومصالح اسبانيا  التي ساهم من موقعه كرئيس  في  التخفيف من  ازمتها  الاقتصادية  عبر استيراده للماعز من كناريا، هو بمثابة ترخيص جماعي له  لاستغلال “القاعة” وتحريك بيادقه فيها تماما كما يشاء.    

والطامة الكبرى أن  تحليلهم  المبني على النأي  بأنفسهم عن المسؤولية يقودهم  الى تبرئة الرئيس، و اعتباره مظلوما يجب علينا التضامن معه كونه هو الاخر ليس سوى  بيدقا “تكال” في “قاعة”  المخزن  !

لذلك فالنقاش الذي يحاول الكثير من” البكاية”   تحريفه عن مساره الصحيح، مفضلين سلوك طريق” الخطافة”، و  تهريبه  عبر  وسائل النقل الاديولوجي، لم يحدث يوما أن أوصل احد الى حلول للأزمة الداخلية التي تعيشها سيدي افني،  بل على العكس تماما فقد  كان دائما يصطدم بحاجز الواقع الذي يضع  في نهاية المطاف كل هؤلاء”البكاية” في قفص الاتهام والمسؤولية عن الواقع نفسه.

انني اتحدى من هذا الموقع أن يتجرأ هؤلاء المؤلفة قلوبهم ، بمن فيهم عصابة “الثوار” ، على فتح أفواههم أمام رئيس المجلس البلدي، و التنديد به،  وجها لوجه ،  و بسياسته التي جعلت من سيدي افني  بقرة حلوب تدر عليه المزيد من الأرباح فسكوتهم طيلة هذه المدة عنه هو السبب المباشر في  انفتاح  شهيته لالتهام المزيد من المكاسب على حساب أبسط الحقوق المتمثلة في استغلال قاعة للاحتفال.

لذلك فمن احترف السكوت عن كل  الخروقات المدوية و تآلف وتحالف  معها، بل واعتبرها انجازات يجب الاحتفاء و الاشادة بها، ما عليه إلا ان يكمل اجره، ويعفينا على الاقل  من صراخه المتأخر  عن موعده.

ومن كانت  له مصلحة حقيقية في محاربة الاستبداد ماعليه سوى أن يشمر عن ساعديه ، و  يحاربه في نفسه الامارة بالسوء أولا ، و ذلك اضعف الايمان ، أما ادمان  انتقاد المخزن، دون الالتفات الى الذات،   فلا يعدو أن يكون  هروبا الى الامام لاطائلة منه، و من يتأمل جيدا  سيدرك حتما  ان “الاستبداد” ،الذين ينتشون ب”جوانه”  خلال مناسبات النحيب الجماعي،   ليس  سوى تعبير عن “ارادة  جماعية  تزرع   بذوره يوميا  في الحقل الثقافي و السياسي ، وتتعهده   بالرعاية ،  و تحرص على سقيه حتى يصير شجرة  توفر الظل، و يتغذى ذوو القربى على  ثمارها الانتخابية.

ولا يقف السلوك السياسي المغلف بشعارات المظلومية عند هذه الحدود، بل يتعداه في الكثير من الاحيان  الى الاجتهاد النظري عبر وسائل التواصل الاجتماعي،  في سبيل ايجاد فتوى سياسية  تجعل من دعم رموز الفساد والاستبداد واجبا قبليا، بفتح الباء، تمليه المصالح العليا للمنطقة.

كل هذا يحدث دون أن يتجرأ احد على مواجهة هذا التيار المعادي لحاضر ومستقبل سيدي افني، وهو التيار نفسه الذي وقف وراء عبد الرحمان فبيان، و عبد الوهاب بلفقيه اللذين يعرفان  الطريق الى قلوبهم، لهذا فلن يكون  بمقدورهم أبدا  مواجهتهما ولا  مهاجمتهما، مهما علا صراخهم، اللهم كسر حاجز الصمت   بالظهور في خجل بمظهر “الاختلاف” ، من على منبر “التمثيل”،  بعد   انتقاء  كلمات العتاب الناعمة التي لا تفسد للود قضية، إذ أن لعبتهم السياسية  المتفق على قواعدها تستدعي من حين لأخر  خلق مناخ يوحي بوجود خلاف الغاية منه تمهيد الطريق امام  اعادة ترتيب البيت الداخلي قبل فتح بابه امام  لقاءات الوفاق والنفاق  خدمة لرؤية العمل المشتركة. 

هذه المقاومة لأي مشروع من شأنه النهوض  والارتقاء بمستوى التفكير، وتقديم  بدائل حضارية  للخروج من الوحل السياسي الذي تقبع فيه المدينة، انما تتقوى  شوكتها بفضل الكرم الحاتمي الذي تغدقه النخبة بصمتها المعبر  عن دعمها اللامشروط  لهؤلاء الجبناء الذين لا يفتحون افواههم إلا لتجشؤ الشعارات التافهة  حفاظا على المصالح الضيقة التي تنمو في محيط علاقات  القرابة والصداقة. أما  المدينة فيجب أن يدرك الجميع بأن مصالحها  لن تتحقق سوى بتحييد مقاومة التغيير عن التأثير على العقول، أو على الاقل تجاهل  جتثها، وتركها تتعفن  بعيدا عن  سرب العقلاء.

وفي كل الاحوال،  فمن يزرع ريح الاستبداد، عوض معاكسة تياره،فحتما سيحصد  عاصفة خنوعه  ولو بعد حين. 

محمد سالم الطالبي

Instance.talbi@gmail.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *