ثقافة وفن

“كناوة”..موسيقى تخترق حدود المغرب والجزائر

يشتهر المغرب بالطابع الكناوي، فبها سطع نجم هذا اللون ومنها انتقل إلى صحراء الجزائر الغربية، خصوصا بمنطقة بشار، حيث تناقل سكان المنطقة صيحات “الديوان” وتقاسيم “الغمبري”، المرافق بأصوات “قراقب” المؤدين.

“الكناوي” طابع موسيقي خاص بـ”الكناوة”، وهم من سلالة “العبيد” الذين تم اقتيادهم من أفريقيا الغربية خلال القرن 19، نحو المغرب قصد نقلهم إلى دول أخرى.

في تلك الحقيبة، كانت تسمى منطقة غرب أفريقيا باسم السودان الغربي أو إمبراطورية غانا، ومن هنا جاءت تسمية “كناوة” أو “عبيد غينيا”، نسبة لمنطقة غينيا على وجه التحديد.

تقوم هذه الموسيقى على تناقل مآسي العبيد، وتروي معاناتهم خلال رحلات الاقتياد تلك، من بلدانهم نحو المغرب الأقصى ثم إلى وجهة تختفي وراء البحار.

تصاحب أغاني غناوة رقصات خاصة، تشبه الرقصات الأفريقية، كما تقوم الموسيقى على أنغام أوتار آلات موسيقية قديمة مثل “الغمبري”، وآلات إيقاعية مثل الطبل و”الدربوكة” و”القراقب” و”الرباب” و”الطبيلات” و”الوتر” و”الهجهوج”.

من المغرب إلى الجزائر

يقول الباحث المهتم بموسيقى غناوة أو الديوان، أمين ميسراوي، إن الجمهور الجزائري بدأ يكتشف موسيقى الديوان بداية من نهاية التسعينيات وبداية الألفية الثالثة، رغم أن هذا الطابع ظهر من قبل في الجزائر منذ بداية القرن الماضي، وفق قوله.

ويكشف ميسراوي، الذي كان مكلفا بالتسويق في فرقة “إفريقيا سبيريت” المتخصصة في هذا الفن، أن الشباب الجزائري أصبح شغوفا باكتشاف هذه الموسيقى بداية من سنة 2000 على وجه التحديد، موضحا أن فرقا، مثل التي كان على رأسها أمازيغ كاتب، أسست لهذا اللون الذي ما زال يستقطب اهتمام الجيل الصاعد.

“الفرق الصاعدة تعمل على تدويل هذه الموسيقى التي تكفل الجيران المغاربة في انتشارها بشمال أفريقيا”، يردف ميسراوي، مضيفا: “أعتقد أن هناك حظوظا كبيرة كي تحتل موسيقى الديوان مرتبة مهمة في قائمة الطبوع الموسيقية الأكثر شعبية في الجزائر”.

ويتابع المتحدث نفسه مستدلا على وصول موسيقى كناوة إلى أصقاع عالمية مختلفة، بفرقة “أفريقيا سبيريت” التي يقول إنها أنهت جولة في الولايات المتحدة الأميركية قبل أيام، وهي الآن بداكار السنغالية ضمن جولة فنية هناك.

“أعتقد أن هذا دليل على تصاعد صيتها”، يستطرد المتخصص في هذا النمط الموسيقي، منوها بدور الموسيقيين المغاربة في بعث هذا الطابع الغنائي، ويخص هنا بالذكر فرقا مغربية أحبها الجزائريون، وفق قوله، مثل “ناس الغيوان” و”جيل جيلالة”.

غير أن المتحدث ذاته يلفت الانتباه إلى أن عدم شيوع هذا اللون الموسيقي بالجزائر في الماضي، راجع لقمع السلطات له، خوفا من أن يتحول إلى تيار سياسي، بحكم كلماته المناهضة للظلم والمعادية للمحاباة، “بخلاف المغرب، حيث ارتبط الكناوي بتجليات صوفية”، وفق قوله.

مستقبل كناوة

زاكي ميهوبي هو فنان جزائري يؤدي اللون الكناوي، وهو في الوقت ذاته إعلامي بالإذاعة الجزائرية. يعمل هذا الموسيقي على إيصال رسالة موسيقى غناوة أو الديوان للشباب الصاعد، على حد قوله.

يكشف ميهوبي أن موسيقى الديوان لها روح مقدسة، وهي ذات إيحاءات شعائرية بحكم ارتباطها ببعض الزوايا، وهو ما جعله شغوفا بها وبمعرفة خباياها.

ويرى المتحدث ذاته أن الموسيقى الكناوية ليس لها شعبية بالجزائر، كما هو الحال في المغرب، بحكم نجاح فرق كناوية عتيدة مثل “ناس الغيوان” في بعث هذا اللون منذ سبعينيات القرن الماضي، لكنه يؤكد أن مستقبلها بالجزائر واعد بحكم اهتمام الشباب الجزائري بها، خصوصا الطلبة.

أما بخصوص تنافسية هذا اللون الموسيقي، في ظل شيوع أنماط غنائية أخرى بالجزائر، كالشعبي وموسيقى الراي، فيرى ميهوبي أن الأمر لا يتعلق بمنافسة بقدر ما يفسر بعدم تعرف جزائريين بشكل كبير على هذا النمط الغنائي.

“يمكنك أن تجد جزائريا لا يعرف حتى الكناوي، لكن الأمر راجع لجهله وليس لشيوع الراي”، يقول ميهوبي قبل أن يضيف موضحا سبب انتشار فن “الراي” بشكل أكبر من موسيقى الديوان: “الراي ظاهرة أو موجة وليس طبعا غنائيا”.

ويمضي المتحدث نفسه مؤكدا أن موسيقى الديوان “تسير بخطى ثابتة نحو الشيوع بحكم اهتمام شباب مثقف بها”.

“هذا الطابع مصيره الانتشار بخطى ثابتة، لأن هناك شبابا يبحث فيه ويحاول إعادة بعثه في شكل راق وجميل”، يردف زاكي ميهوبي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *