آراء

لكم إعلامكـم… ولنا فايسبوكـنـا!

لقد أصبحت معظم المؤسسات الإعلامية بمختلف أشكالها، اليوم، وخصوصا منها المرئية،من أقوى القنوات والآليات التي تراهن عليها سلطة الدولة -في العديد من الأنظمةوالحكومات الفاسدة والمستبدة-لتبرير الأوضاع الاجتماعية السائدة، ضدا على كل محاولاتالتغيير المتجسدة في شكل حركات احتجاجية واجتماعية وحراكات شعبية، المطالبةبالإصلاحات الفعلية والعدالة الاجتماعية، والرامية إلى وضع حد جذري للفساد السياسي المستشري.

فقـد تحولت العديد من المنابر الإعلامية العمومية في الكثير من البلدان العربية والثالثية علىحد سواء، إلى مجرد أبواق للأنظمة وآليات لإدارة الأزمات، ويمكن أن نستدل على ذلكبفرض الرقابة المتشددة على الإعـلام العمومي، وتسخيره لخدمة مصالح وأجندات النخبالسياسية والاقتصادية السائدة، كما يمكن أن نستدل على ذلك ببعد الإعلام كل البعدعن أداء المهام والأدوار المنوطة به، كعدم احترامه للمبادئ المهنية والأخلاقية المتعارف عليها،والمتمثلة أساسا في الاستقلالية والنزاهة والحياد والموضوعية والتعددية…

وفي نهجه لأساليب التضليل والخـداع وتزييف الواقع، بدل العمل على تنوير الرأي العام بخصوص قضايا ومشكلات مجتمعه، و«ميل الصحافة إلى الإثارة والاهتمامبأخبار المشاهير والفضائح السياسية والأخلاقية»(1)، بدل العمل على نشر قيم المعرفةوالتعبير عن هموم وإرادة المواطنين ومساعدتهم على التحرر من نير التسلط وبؤس الولقع.

هـذا، كما ينم واقع معظم المؤسسات الإعلامية العربية، عن «تحكم بعض الشركات الكبرىفي الصناعة الإعلامية، ويظهر ذلك بجلاء من خلال توجه الصحافة إلى تزييف الحقائقأوإخفائها بما يخدم مصالح الجهات المالكة»(2). كما يظهر من خلال تواطؤ الصحافة معالسلطة السياسية في دعمها لإخراج وإشاعة كل الروايات والاتهامات الباطلة -أحيانا- التي يتم تأليفها من طرف نسق المخزن ضدأعدائه وخصومه المنتقدين له، من فاعلين ونشطاء سياسيين وصحفيين وكتاب ومناضلين.. إنما آل إليه واقع ووضع الإعلام العمومي، خصوصا منه التلفزيون، بات يكشف عن جملة منالمفارقات، من أبرزها أننا ندخله لبيوتنا وندفع له قسرا من جيوبنا ثم يقدم لنا في آخرالمطاف صورة مزيفة بعيدة كل البعد عن واقعنا.

لذا نعتقد أن هذه الأسباب وأخرى كثيرة، كافية لتأكيد مشروعية مخاوفناوتساؤلاتنا الملحة، والتي نذكر منها: هل هو فعلا إعلام حر ونزيه ومحايد ويقول الحقيقة؟ ألاتعدو جل برامجه التلفزيونية في الصحة مجرد ترويج لوصلات إشهارية تخدممصالح المؤسسات والمقاولات الاقتصادية الكبرى التي تكرس ظاهرة الاستهلاك؟ هلتعرضُ المسلسلات في التلفزيون بغرض الترفيه والترويح عن النفس، أم فقطلخدمة لوبيات خارجية تستهدف الهوية الثقافية؟ ألا يتم التركيز على استقطابأكبر عدد ممكن من المشاهدين حتى وإن كان في ذلك أثر سلبي على القيم الاجتماعيةوالحضارية؟

ما الحاجة أو الفائدة الممكنة من عرض أفلام مدبلجة وإعادة عرضها مرتين أوثلاث مرات أحيانا في اليوم، مع أن محورها ليس سوى الصراع، الانتقام والحقد الدفين منأجل الانفراد بالحبيب في آخر المطاف؟ ما الفائدة المنتظرة من كثرة البرامج الرياضيةالمتعلقة بكرة القدم مع أننا لسنا متفوقين في الرياضة أصلا؟ أليس في ذلك خدمةلشركات «اللوطو» و«الطوطو» و«الكينو»؟ وما الفائدة من برامج تزيد الواحدة منها عنساعة من الزمن تعرض لنا مغنيا لا نفهم ما يغنيه؟ أليس في ذلك تسويقا لآخرصيحات الموضة ومنتجات شركات الأزياء؟

أليست هناك إشكالات مجتمعية عميقة تتعلق بالفقر والسكن والبطالة هي أجدر أن تكونمواضيع للنقاش؟ أليس هناك «مافيا» وسماسرة للعقار تسببوا في رفع ثمن المتر الواحدإلى أزيد من عشرين ألف درهم؟ أليس من العبث ألا نجد مساحة كافية للسؤالالثقافي والفكري في الإعلام الرسمي رغم واقع التخلف والتردي، ونجد مساحات زمنيةمطولة لتحليلات رياضية وبرامجهزلية؟ ألا يسلط التلفزيون بسخاء أضواءه القوية على محللين فاسدي الأخلاق؟

بالمقابل، ألم يصرْ موقع التواصل الاجتماعي«الفيسبوك»، اليوم، بديلا حقيقيا عنإعلام ملوث لم يعد يستجيب لحاجيات وتطلعات مشاهديه؟ ألم يساهم فيفضحه وتنكره وكتمهللحقيقة في مناسبات عديدة؟ ألم يفضح بهرجاته ورقصاته وحدلقاته لماكانت الفيضانات في مدينة كلميم وعديد من المناطق في جنوب المغرب؟ ألميفضح شطط مؤسسات مخزنية في استعمالالسلطة كقائد منطقة «الذروة» وممارسات أخرى يتعرض لها المواطنون من داخل الإداراتوالمؤسسات العمومية عند قضاء حوائجهم؟

ألم يعد يشكل فضاءً رحبا لنشر الخبر والمعلومة على أوسع نطاق بلا حدود ولاقيود؟ ألم يجد فيه الشباب مساحات كافية للتعبير الحر بكل أشكاله المكتوبة والمصورة بلاقص ولا مونتاج؟ ألم تتوافد عليه هجرات جماعية افتراضية بعدما لم تجد متسعا لها بجانبمن نهبوا كل خيراتها؟ ألم يساهم بشكل كبير في حراكات الربيع العربي التي أفضتإلى مراجعات دستورية وأطاحت ببعض الأنظمة الاستبدادية؟ ألم يساهم في التعريفبمواهب فنية ورياضية وكوميدية بعدما كانت مجهولة ومقصية؟ ألم يعد يعري الحقائقويكشف عن حجم المعاناة والعزلة التي يقبع فيها سكان قرى الأطلس بعدما كانوا يموتونفي صمت من شدة البرد وحصار الثلوج؟ ألم يضع حدا لاستيراد أطنان نفاياتمن إيطاليا؟

هكذا، عندما يتحول موقع التواصل الاجتماعي «الفيس بوك»، إلى بديل فعلي عنالإعلام المزيف والمضلل، في تنوير الرأي العام بخصوص قضايا ومشكلاتمجتمعه، فإننا نقول آخر كلامنا: لكم إعلامكم… ولنا فايسبوكنا.

*باحـث في علـم الاجتمـاع – المغـرب

ــــــــــــــــــــــــــــ

هامش:

ــ نجلاء محمد حابر، الإعلام السياسي، دار غيداء للنشر والتوزيع، عمان، 2014، ص. 105.

ــ نفس المرجع، ص. 105.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *