منوعات

خبير: أغلقوا كليات “إدارة الأعمال” فنزلاء السجون أكثر أخلاقية من خريجيها

في أي حَرَم جامعي ستجد أنَّ كلية إدارة الأعمال تشغل أحدث المباني وأكثرها فخامةً؛ ولذا فإن هذه الصرخة الصادمة التي تطالب بإغلاقها يُفترض أن تخرج من متظاهرين ساخطين يقفون على الأرصفة للتظاهر ضد العولمة.

ولكن الانتقاد الحاد لهذه الكليات يصدر من مارتن باركر، الأستاذ في قسم الإدارة بجامعة بريستول البريطانية، الذي ألَّف كتاباً بعنوان Shut Down the Business School (أغلِقوا كليات إدارة الأعمال).

فهذا المبنى الفخم الذي يُذهل الطلاب الجدد عادةً، إنما يعبر عما يودُّ عميد أي كلية إدارة أعمال أن تبدو عليه كليته على الدوام، مجرد “آلة نظيفة لتحويل الدخل الناجم عن مصروفات الطلاب إلى أرباح”، حسب تعبير مارتن باركر في مقال له بصحيفة The Guardian البريطانية بعنوان “لماذا ينبغي أن نُغلِق كليات إدارة الأعمال؟”.

السجناء

أشخاص سُجِنوا في سجونٍ ذات إجراءاتٍ أمنية مخففة كانوا أكثر أخلاقية من طلاب ماجستير إدارة الأعمال، هذا ما أظهرته دراسة في الولايات المتحدة، حسب باركر، الذي رصد بمقاله ما قال إنه عيوب هيكلية في مناهج هذه الكليات.

إذ يقول: “تحظى كليات إدارة الأعمال بنفوذٍ كبير، ولكنَّها تُعتبر على نطاق واسع أماكن لتعلُّم الاحتيال الفكري”، حسب تعبيره؛ إذ تُشجع ثقافة الربح السريع والجشع.

ومنذ عام 2008، أشار العديد من المعلقين أيضاً إلى أنَّ كليات إدارة الأعمال كانت متواطئة في الانهيار الاقتصادي بذلك العام.

اشمئزاز وانتقادات من الداخل

بعد ممارسة التدريس بكليات إدارة الأعمال على مدار 20 عاماً، أصبحت باركر يُؤمِن بأنَّ الحل الأمثل لهذه المشكلات يتمثل في إغلاق هذه الكليات نهائياً.

يضيف: “ليس هذا هو الرأي الشائع بين زملائي. رغم حجم الانتقادات الموجهة إلى كليات إدارة الأعمال على مدار العقد السابق من داخل هذه الكليات ذاتها”.

إذ يرى العديد من أساتذة إدارة الأعمال، وخاصةً في أميركا الشمالية، أنَّ مؤسساتهم قد ضلَّت طريقها بالفعل.

فهذه ليست شكاوى أساتذة علم الاجتماع أو واضعي السياسات بالدولة، أو حتى النشطاء المناهضين للرأسمالية، حسب أستاذ إدارة الأعمال؛ بل هي آراء داخل كُتب ألّفها مطَّلعون على بواطن الأمور وموظفون بكليات إدارة الأعمال يشعرون بعدم الراحة؛ بل والاشمئزاز مما يفعلونه.

ويعتقد هؤلاء أنَّ تلك الكليات قد فسدت على يد العمداء الساعين وراء المال، والأساتذة الذين يمنحون المقامرين ما يريدونه، والباحثين الذين ينشرون أوراقاً مُكررة في صحفٍ لا يقرأها أحد، والطلاب الذين يتوقون إلى الحصول على مؤهلٍ مقابل ما يسددونه من أموالهم (أو بالأحرى أموال آبائهم). وفي نهاية الأمر، لن يصبح معظم خريجي كليات إدارة الأعمال من كبار المديرين على أي حال.

جزء كبير من الانتقادات تركَّز على مشكلات مناهج كليات إدارة الأعمال واتساع الفجوة بينها وبين التطبيق الواقعي.

والسبب في ذلك هو أن تقنيات البحث العلمي قد تتطلب مهارة كبيرة في مجال الإحصاء أو التصميم التجريبي، إلا أنها تتطلب القليل من التبصر بالعوامل الاجتماعية والبشرية المعقدة والحد الأدنى من الوقت في المجال لاكتشاف المشاكل الفعلية التي تواجه المديرين، وفقاً لتقرير لـ”Harvard Business Review”.

لماذا لا تفضي هذه الاعتراضات إلى نتيجة؟

المشكلة، حسب باركر، هي أنَّ تلك الاعتراضات الداخلية أصبحت راسخة داخل تلك المؤسسات، وغير ملحوظة باعتبارها أحد الأنشطة اليومية المعتادة.

وهناك مهن تنشأ من خلال انتقاد مشكلات كليات إدارة الأعمال داخل الكتب والصحف.

يقول باركر: “أعلم ذلك؛ لأنَّني كتبتُ عدة كتب عن ذلك. وبصراحة، فإنَّ حقيقة أنَّه قد سُمِحَ لي بالإفلات من العقوبة توضح أنَّ مثل هذا النوع من الانتقادات لا يعني الكثير؛ بل ربما تتم مكافأته”.

تكمن المشكلة في أنَّ أخلاقيات العمل والمسؤولية الاجتماعية للشركات هي موضوعات تُستخدم للتسويق لكليات إدارة الأعمال، لدفن ضمير عمداء كليات إدارة الأعمال، كما لو كان الحديث عن الأخلاقيات والمسؤولية يعادل (أو يغني) عن القيام بشيءٍ حيالهما، حسب تعبيره.

فهي لا تتعامل أبداً تقريباً بصورةٍ منهجية مع الفكرة البسيطة التي ترى أنَّه ما دامت العلاقات الاجتماعية والاقتصادية الجارية حالياً، فإنَّ هذه العلاقات الاقتصادية والاجتماعية هي التي تحتاج إلى التغيير.

إذن ما هي المشكلة الحقيقية التي يتم تجاهلها؟

تتجنب معظم حلول مشكلات كليات إدارة الأعمال عملية إعادة الهيكلة الجذرية، حسب باركر.

وتنزع بدلاً من ذلك للعودة إلى ممارسات الأعمال الأكثر تقليدية، أو إلى نمط من إعادة التسلح بالمبادئ الأخلاقية، تكسوه مصطلحات مثل “المسؤولية” و”الأخلاقيات”. وتؤدي كل تلك المقترحات إلى عدم المساس بالمشكلة الأساسية، وهي أنَّ كليات إدارة الأعمال تدرّس نوعاً واحداً من التنظيم، وهو إدارة السوق.

فدراسات أخلاقيات العمل والمسؤولية الاجتماعية للشركات، تفخر بكونها الناقد المستمر لكليات إدارة الأعمال؛ إذ تصر على أنَّ نماذج هذه الكليات التعليمية والبحثية المهيمنة تتطلب إصلاحاً. ولكن في النهاية، تواصل هذه الكليات تخريج طلاب يدرسون أنَّ الطمع سلوكٌ جيد.

الحل الصادم

ولهذا السبب، يعتقد أستاذ إدارة الأعمال أنَّه ينبغي التخلص من هذه الكليات، والمطالبة بوسيلة جديدة للتفكير في الإدارة والأعمال والأسواق.

ويقول: “إذا أردنا أن يضطلع ذوو السلطة بمزيد من المسؤولية، فلا بد أن نتوقف عن تعليم الطلاب أنَّ زعماء التغيير الأبطال هم الحل لكل مشكلة، أو أنَّ الغرض من تعلُّم قوانين الضرائب هو مراوغة الضرائب، أو أنَّ خَلق رغبات جديدة هو الغرض من التسويق.

عندما يتم ترويج الأيديولوجيا على أنها علمٌ تكون هذه المحصلة

المواد التي تُدرَّس وأساليب تدريسها بصفةٍ عامة تعني أنَّ مزايا إدارة السوق الرأسمالية تُدرَّس وتُسوَّق للطلاب كما لو أنَّه ليست هناك سبل أخرى للتعامل مع العالم.

وإذا علّمنا الخريجين أنَّه لا يوجد شيء أهم من صافي الربح، تصبح أفكارٌ مثل الاستدامة والتنوع والمسؤولية وغيرها مجرد ديكور فقط.

لو علَّمنا خريجينا حتمية الرأسمالية التنافسية الشرسة، فمن الطبيعي أن ينتهي الأمر بتقديم مبررات لارتفاع رواتب الأشخاص الذين يُخاطرون بأموال الآخرين، حسب باركر.

وعندما يتم تدريس أن الاستراتيجيات المالية الناجحة هي التي تحقق أقصى عائد خلال أقل فترة زمنية، يصبح طبيعياً تفاقم التباين في الثروات والدخول.

وتتمثل الرسالة التي تقدمها بحوث الإدارة وعلومها في أنَّ النظام الرأسمالي حتمي، وأنَّ الآليات المالية والقانونية لإدارة النظام الرأسمالي هي نوعٌ من العلوم.

وهذه التوليفة بين الأيديولوجيا والتكنوقراطية هي ما جعل كليات إدارة الأعمال بمثابة مؤسسة فعالة وخطيرة، وفقاً للكاتب.

الأنانية العقلانية والنقابات العمالية

إذا نظرنا إلى إدارة الموارد البشرية، فإن هذا المجال يطبق نظريات الأنانية العقلانية على إدارة العاملين بالمنظمات، أي فكرة أنَّ البشر يتصرفون وفقاً لحساباتٍ عقلانية لتحقيق مصالحهم.

هذا الجزء من كلية إدارة الأعمال هو الأرجح الذي يتعامل مع مشكلة المقاومة المنظمة لاستراتيجيات الإدارة، وتكون هذه المقاومة عادةً في صورة نقابات عمالية.

وبالطبع، لا تقف إدارة الموارد البشرية في صف النقابة العمالية، فهذا سيكون؛ بل هي تساعد الإدارة العليا في صياغة خططها من أجل افتتاح مصنع هنا أو إغلاق أحد الفروع هناك.

نهاية التاريخ: رؤية ترسخ رواية معينة عن التطور

الفرضية مشتركة بين تلك المجالات هي الشعور القوي بأنَّ النماذج الإدارية للسوق السائدة في النظام الاجتماعي مرغوب فيها، حسب باركر.

فتسارُع التجارة العالمية، واستخدام آليات السوق والتقنيات الإدارية، وتمديد التكنولوجيا مثل المحاسبة، والإدارة المالية، والعمليات، كل ذلك لا يخضع للشك عادةً.

إذ يتم طرحها باعتبارها رواية تقدمية عن تطور العالم الحديث، وهو عالم يعتمد على الوعد الذي تقدمه التكنولوجيا، وإمكانية الاختيار، والسعة، والثروة. وداخل كلية إدارة الأعمال، يُفتَرَض أنَّ الرأسمالية هي نهاية التاريخ، فهي نموذج اقتصادي تفوَّق على باقي النماذج، ويُدرَّس الآن كعلم وليس أيديولوجيا.

حُب الذات هو الأساس.. والبشر يمكن التلاعب بهم

ثاني فرضية هي أنَّ السلوك الإنساني، سلوك الموظفين والعملاء والمديرين وما إلى ذلك، يمكن فهمه على أفضل نحو إذا كنا جميعاً عقلانيين محبين للذات، الأمر الذي يسمح بتطوير نماذج لإدارة الكائنات البشرية لمصلحة منظمة العمل.

والشخص الذي يريد السيطرة تكون مصلحته هي الأهم، بينما يُعامَل الأشخاص موضوع تلك المصلحة كبشر يمكن التلاعب بهم.

وتكستي تلك المعرفة برداء العلم، بنشر الدوريات ووجود الأساتذة والمصطلحات المهمة، فمن السهل نسبياً تخيل أنَّ تلك المعرفة وطريقة تسويقها أقل ابتذالاً وغباءً مما هي عليه في الحقيقة.

الحصول على الأموال من جيوب الآخرين

الملخص لكل ما سبق، والذي من شأنه توضيح الصورة لأغلب الأشخاص عمَّا يجري في كليات إدارة الأعمال، حسب باركر، أن هذه الكليات أصبحت أماكن لتعليم الأشخاص كيف يحصلون على الأموال من جيوب الناس العاديين ثم يأخذونها لأنفسهم. في بعض النواحي، يُعد ذلك وصفاً للرأسمالية.

إضافةً إلى أن الطريقة التي يتبعها أعضاء الكلية في التدريس تجعل الطلاب ينظرون إلى العواقب الأخلاقية لأفعالهم باعتبارها مجرد أفكار تلاحقهم بعدها.

احتمال ارتكاب جرائم بالشركات يزداد لخريجي إدارة الأعمال والجيش!

هذه الصورة مدعومةٌ بالبحوث إلى حدٍ ما، حسب الكاتب، فعلى نطاق الفصول الدراسية، يريد الطلاب تعلُّم المفاهيم والأدوات العملية غير المعقدة التي يعتبرونها مفيدةً لهم في حياتهم المهنية المستقبلية. أمَّا الفلسفة، فلا قيمة لها.

وأشارت إحدى الدراسات إلى أنَّ احتمالية ارتكاب جرائم شركاتية تزداد إذا كان الشخص المعنيُّ حاصلاً على شهادة جامعية في إدارة الأعمال أو انضم سابقاً إلى الجيش.

إذ يبدو أنَّ هذين المجالين -سواء إدارة الأعمال أو الخدمة العسكرية- يُعفيان أصحابهما من أي مسؤوليةٍ تجاه المنظمات، وفقاً لباركر.

لسنا مسؤولين عن انهيار 2007

بعد الانهيار الذي حدث في عام 2007، كانت هناك مباراةٌ من تبادل اللوم؛ لذا فليس من المستغرب أنَّ معظم عمداء كليات إدارة الأعمال كانوا يحاولون إلقاء اللوم كذلك على المستهلكين؛ لإفراطهم في الاقتراض أكثر من اللازم، والمصرفيين لتصرُّفاتهم شديدة المُخاطرة، والنظام ككل في حد ذاته؛ فمن سيعترف بأنَّه علَّم طلابه الجشع؟!، وعادة تنأى كليات الأعمال بنفسها عن الأخطاء الشائعة لخريجيها.

ومع ذلك، فهذا موقفٌ مخادع؛ حسب باركر؛ لأنَّه كما قيل في إحدى افتتاحيات مجلة The Econonmist في عام 2009: “لا يمكنك أن تدَّعي أنَّ مهمتك هي (تعليم القادة الذين يصنعون فرقاً في العالم)، ثم تنأى بنفسك عن خرِّيجيك حين يكون هذا الفرق شرّاً”.

الثمن الذي ندفعه بسبب هذه المدينة النخبوية

مدينة منعزلة مقتصرة على مجموعةٍ من ذوي الثراء والنفوذ، هذا هو العالم الذي تنتجه كليات إدارة الأعمال أو تحاول إيهام الطلاب بأنهم سينضمون إليه، حسب باركر.

وتظهر هذه الطبيعة النخبوية في أنه في استطلاع أُجري عام 2003، أشار 26%من طلاب الدراسات العليا المرتقبين في الإدارة أنهم يتوقعون أن يساهم آباؤهم في تكاليف تعليمهم. بحلول عام 2012، وصل هذا الرقم إلى 42%.

فالقاعدة الاجتماعية لطلاب هذه الكليات تضيق، حسب وصف تقرير لصحيفة The Guardian، الذي  طالب في عام 2013 كليات الأعمال باتخاذ موقف مؤسسي، سواء كان الأمر يتعلق بقضايا المساواة بين الجنسين أو عدم المساواة في الدخل أو الفجوات التعليمية؛ إذ يبدو أن الفجوة بين أولئك الذين يأملون البقاء وأولئك الذين في الخارج آخذة في التزايد.

أما باركر، فلا يطالب بتوسيع قاعدة المنضمين إلى امتياز هذه الكليات؛ لأن هذا الامتياز -حسب وجهة نظره- يُشترى بثمنٍ باهظ جداً؛ كوارث بيئية، وحروبٍ على الموارد، وهجرة قسرية، وانعدام مساواة داخل الدول وبينها، وتشجيع الإفراط في الاستهلاك، واستخدام الممارسات غير الديمقراطية.

ويقول: “إذا أردنا أن نكون قادرين على الاستجابة للتحديات التي تواجه الحياة البشرية على هذا الكوكب، نحتاج إلى البحث عن العديد من أشكال التنظيم المختلفة بقدر استطاعة مُخيِّلاتنا جميعاً، وتدريس هذه الأشكال. وإذا افترضنا أنَّ الرأسمالية العالمية يمكنها الاستمرار كما هي، يعني ذلك أننا نفترض طريقاً إلى الدمار”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *