المغرب الكبير

باعتبارها صانعة للرؤساء الجزائريين..لمن تميل المؤسسة العسكرية مستقبلا؟

وجاءت القشة التي كسرت جدار الصمت، هذه المرة، من عند حزب حركة مجتمع السلم، الإسلامي، عندما دعا رئيسه عبدالرزاق مقري، خلال ندوة اقتصادية في 15 يوليوز 2018 «الجيش للإشراف على عملية انتقال ديمقراطي للسلطة».

وجاء تصريح مقري، في إطار مبادرة «التوافق الوطني»، التي أطلقها الحزب، وباشر الترويج لها عبر اجتماعات ثنائية مع أحزاب المعارضة والمولاة.

الإسلاميون يريدون الجيش، والحزب الحاكم لا

وبعد أيام من التراشق اللفظي، استقبل الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني (الحاكم) جمال ولد عباس، الثلاثاء 24 يوليوز 2018، رئيس حركة حمس، عبدالرزاق مقري، للحديث عن مبادرة الأخير.

لقاء لا يبدو أنه سيغير موقف الحزب العتيد من مسألة إقحام المؤسسة العسكرية في مسألة الانتقال الديمقراطي، وقال عضو المكتب السياسي  والمكلف بالإعلام، فيحزب الجبهة، والذي يعرفه الجزائريون باسم الأفلان، وقال فؤاد سبوتة إن «رفض إقحام الجيش في السياسة من ثوابت الحزب، لما فيه من خدش لمصداقية البلاد من جهة، ولأنه سيؤثر على المهام الأساسية له في حماية البلاد وتأمين الحدود».

وأكد سبوتة أن هذا التوجه مبدأ ثابت في سياسة الحزب، وسنؤكده في لقائنا مع الإخوة في حركة حمس.

وكان عبد الرزاق مقري قد صرَّح في ندوة صحفية، أن «الفريق أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني، وقائد أركان الجيش الوطني الشعبي، بحكم منصبه، قال نتمنى أن يساهم في الانتقال السلمي للجزائر»، مضيفاً «لأنه في كل تجارب الانتقال الديمقراطي، التي نجحت كان الطرف الأساسي في نجاحها هو المؤسسة العسكرية».

وردَّ الأمين العام للحزب الحاكم، جمال ولد عباس، على مقري بالقول: «القايد صالح الفريق، ورفيق السلاح، تكلَّم أكثر من مرة بأن عليكم ترك الجيش في مكانه، لأنه حامي البلاد وحامي وحدة الشعب».

وأضاف ولد عباس: «الجيش لا تعنيه السياسة، ولن يدخل في السياسة، لأن رئيس الجمهورية هو وزير الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة»، وتابع ساخراً: «يقول (مقري) انتقال ديمقراطي، نحن لسنا في جمهورية الموز».

من جانبه، أوضح القيادي والبرلماني في حركة حمس، ناصر حمدادوش، أن مبادرة الحزب تأتي «كترجمة لتراكمية الفكر التوافقي الوطني لدى حركة مجتمع، وامتداد لسلسلة المبادرات التي تقدَّمت بها بين يدي الساحة السياسية».

وأوضح المتحدث «أن دعوة الجيش لمرافقة هذا الانتقال الديمقراطي تختلف عن التدخل المنحاز له في الحياة السياسية، فهو ضمن رؤية توافقية وبمشاركة جميع القوى الوطنية السياسية والمجتمعية، ومن أجل الوصول أيضاً إلى احترافية الجيش».

إلى مَن يميل رأي الجيش؟

مِن الصعب أن يصدِّق مطَّلعٌ على تاريخ الجزائر وشؤونها، الأمينَ العام لحزب الأفلان، عندما يتحدث «عن عدم تدخل الجيش في السياسة، وأن مهمته تقتصر على حماية التراب الوطني والوحدة الوطنية»؛ لأن التجارب السابقة أثبت أن كلمة الفصل كانت للمؤسسة العسكرية في صناعة رؤساء البلاد.

وسبق للجنرال، بشير بن يلس، أثناء لقاء إعلامي لعرض مذكراته القول: «إنه بوصول بوتفليقة إلى الحكم سنة 1999، كانت السابقة الأولى التي ينصب فيها الجيش رئيساً للبلاد»، وتمنَّى أن تترك الكلمة للمواطنين في المواعيد الرئاسية المقبلة.

وأوضح بن يلس، أن «الجيش لا يتدخل في السياسة في الجزائر بشكل مباشر، وإنما ينصاع لأوامر المقررين في المواعيد الحاسمة، وهؤلاء المقررون هم إما قائد الأركان أو قائد المخابرات، وغالباً ما تكون بعد إفلاس الساسة».

واعتبر أن المرة الوحيدة التي سيطر فيها الجيش على مقاليد الحكم في البلاد بشكل كامل، كانت خلال فترة الإرهاب من 1992 إلى 2000، حيث كانت الكلمة العليا لقائد أركان الجيش يومها، الفريق محمد لعماري، وقائد جهاز المخابرات الفريق محمد مدين، المدعو توفيق، «ليتم إغلاق القوس بعدها».

وعن هذه الفترة، قال وزير الدفاع يومها الجنرال خالد نزار، في العديد من المناسبات، إنَّ «عجز السياسيين عن تحمُّل مسؤولياتهم استدعى تدخل الجيش لإنقاذ البلاد».

تجربة بوتفليقة والجيش

في كتابه «الكذبة الجزائري»، الذي تسبب في دخوله السجن خلال العهدة الأولى لحكم بوتفليقة، قال الصحافي الجزائري الشهير محمد بن شيكو، إن «بوتفليقة رفض أن يكون مرشح حزب سياسي معين، وحتى مرشح الحزب التاريخي الأفلان، وإنما فضل أن يكون مرشحاً حراً تدعمه المؤسسة العسكرية».

ويُجمع من عايشوا قدوم بوتفليقة لحكم البلاد سنة 1999، على أنه «جيء به من قبل الجنرالات الأقوياء، ووضعوه في سدة الحكم».

ويجيب أستاذ التاريخ البروفيسور بجامعة وهران رابح لونيسي، عن التساؤل، حول سببية الاستناد على المؤسسة العسكرية الجزائرية في الحكم، قائلاً: «منذ 1962 كان الجيش هو صانع الرؤساء، بداية من بن بلة، قبل أن ينقلب عليه وزير الدفاع بومدين، ونفس الأمر مع بن جديد، وبوضياف، ونهاية ببوتفليقة».

وأعطى خلفية تاريخية لهذا التقليد، مذكراً «بأن الجيش يلعب دائماً دوراً رئيسياً في صناعة سياسات الجزائر، وهذا يعود في الحقيقة إلى مرحلة الحركة الوطنية ومواجهة الاستعمار الفرنسي، فقد كان النشطاء الذين أنشأوا المنظمة الخاصة داخل الحركة من أجل الانتصار للحريات الديمقراطية، التي هي منظمة شبه عسكرية في 1947، في صراع حاد مع السياسيين».

وتابع: «كلما وقعت الجزائر في مأزق حاد كان الجيش هو الملجأ لحله، كما وقع مثلاً أثناء أزمة الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في 1959، حيث تم اللجوء إلى العقداء العشرة لحل المشكل، فعقدوا اجتماعاً دام ثلاثة أشهر، لحل كل المشكلات التي تتخبَّط فيها الثورة، بعد عجز السياسيين عن حلها».

وأضاف لونيسي: «الثورة التحريرية استندت إلى العنف الثوري، فمن الطبيعي أن تؤول السلطة إلى القوة الرئيسية، التي لعبت دوراً في إنشاء الدولة الوطنية، ويتحولون، أو كأنهم يشعرون أنهم حراس ذلك الإنجاز ومؤتمنون عليه، فلو كانت قوة أخرى هي وراء تحرير الجزائر مثلاً لَقامت بنفس الأمر».

واستدلّ بإيران، حيث آلت السلطة للمؤسسة الدينية؛ لأنها كانت وراء إسقاط الشاه، فدور الجيش في تحرير الجزائر يفسر دوره الأساسي في صناعة القرار في الجزائر، وعلى رأسه صناعة الرؤساء.

بوتفليقة أبعد الجيش بعد أن فاز بدعمه.. لكن صعدت قوى أخرى

وبالنسبة لأستاذ العلوم السياسة، بجامعة جنيف، الدكتور حسني عبيدي، فإن الرئيس بوتفليقة عمل طيلة سنوات حكمه على إضعاف قوة الجيش في صنع سياسة البلاد. وقال: «إنه قام بتقوية جهاز الشرطة، ومؤسسة أمنية، لخلق التوازن؛ لأنه لم ينس يوماً دور المؤسسة العسكرية في صناعة الرؤساء».

ورغم أن الدستور الجزائري ينصُّ بشكل صريح على أن السياسة لا يجب أن تكون من مهام الجيش «إلا أن الأمر مختلف عملياً»، حسب المؤرخ رابح لونيسي. قبل أن يستطرد لونيسي بأن الوضع تغيَّر نسبياً منذ مجيء الرئيس بوتفليقة، حيث تم إضعاف دور الجيش نسبياً لصالح قوى أخرى، ومنها بالأخص رجال المال، فأصبح تعيين الرئيس تتحكم فيه عدة عناصر، ومنها: «الجيش ورجال المال والمؤثر الخارجي، أي القوى الدولية الكبرى».

وغالباً ما شكَّلت قاعدة «أولوية السياسي على العسكري»، مشكلةً عميقة بين أقطاب صناعة القرار في الجزائر، بين مَن يعتبرها كافية لإبعاد الجيش عن السياسة، وبين من رأى فيها «أولوية الهدف السياسي وليس الهدف العسكري»، وليست مبرراً كافياً لإبعاد الضباط الكبار عن تقرير مستقبل البلاد، في مراحل حاسمة.

ورأى لونيسي «أن ضمان عدم تدخل أية جهة في تحديد هوية الرئيس المقبل، ما عدا الناخبين، يتحقَّق بثورة صناعية وعلمية كمرحلة ضرورية وشروط أساسية لإنجاح المسار الديمقراطي».

غير أن الظروف الأمنية المحيطة بالجزائر، والعجز الواضح للمعارضة، عن تشكيل خصم عنيد لبوتفليقة في حالة ترشحه لعهدة خامسة، يجعل من تكرار سيناريوهات المواعيد الانتخابية السابقة أقرب للتجسيد، مع ظهور جناح رجال الأعمال كورقة مهمة في اللعبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *