المغرب الكبير

صحيفة فرنسية تكشف لماذا لا يهتم الجزائريون بمن يحكمهم

الجزائريون لا يعارضون انتخاب بوتفليقة مجدداً رغم كبر سنّه كما يبدو، فمسألة انتخابات الرئاسة الجزائرية تهم بعض الساسة والإعلاميين الأجانب أكثر مما تهم الشارع الجزائري.

إعادة انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة هي الهدف الذي يسعى إليه أنصاره رغم أنه لم يعلن الترشح بعد، في حين تبدو المعارضة في حالة انقسام أكثر من أي وقت مضى، حسب تقرير لصحيفة Le Point الفرنسية.

أما اهتمامات الشارع الجزائري، فتبدو بعيدة كل البعد عن عالم السياسة؛ إذ لا يعارض الجزائريون انتخاب بوتفليقة مجدداً كما يبدو، وربما لا يتحمسون لانتخابه أيضاً.

ومن المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية الجزائرية خلال شهر أبريل 2019، ما يعني أن انتخاب بوتفليقة لولاية خامسة -إذا تم تمريره بسلام- سيكون بعد تخطّيه الثانية والثمانين من العمر!.

فهل أصبح الجزائريون لا يعارضون انتخاب بوتفليقة مجدداً حقاً؟

لا نريد منهم سوى طلب بسيط: «اتركونا بسلام آمنين»

«أعلم أن الانتخابات الرئاسية ستُعقد في العام المقبل (2019). لكن، لا أستطيع إخباركم بموعدها بالضبط»، تقول لمياء والابتسامة ترتسم على محياها.

وأضافت المواطِنة الجزائرية، التي لم تبلغ الـ30 من العمر وتعمل بمكتب للترجمة: «لا أعرف حتى ما إذا كان هناك مرشحون بالفعل! وبصراحة، ليس لديّ أدنى فكرة عن كل هذه الأمور، ولا أرغب في معرفتها بالأساس».

كانت هذه الشابة تجلس مع زوجها بشرفة مقهى في متحف البريد المركزي، وسط العاصمة الجزائرية.

أما زوجها سليم، الذي يعتبر أن السياسة في الجزائر ليست سوى انعكاس للمشاكل والعنف أحياناً، فقد أكمل الحديث قائلاً: «نحن لا نُريد سوى أن يتركونا وشأننا».

نشأ سليم، الذي يترأس شركة صغيرة تم إنشاؤها منذ عامين، في بلدية «باش جرّاح»، خلال التسعينيات. ولا تزال صور الرؤوس المقطوعة والاشتباكات المتكررة محفورة في ذاكرته.

لقد كانت هذه الذكرى الأليمة سبب تعبيره عن رأيه في الحل الأفضل لمستقبل بلاده.

ولذا، لم يكن غريباً أن يقول سليم: «ربما تجد هذا غريباً، لكنني أودُّ أن يظل بوتفليقة في الحكم لولاية جديدة».

فبسبب التاريخ المروع الذي عاشته البلاد فقد أصبح الجزائريون لا يعارضون انتخاب بوتفليقة أو على الأقل جزءا مهماً منهم على الأقل.

الجرائريون لا يعبأون كثيراً باحتمال تدهور صحته؛ بل يخشون ما سيحدث بعده

ولا تطرح الحالة الصحية للرئيس الحالي ولا ظهوره الإعلامي الشحيح أي مشاكل بالنسبة لهذا المواطن الجزائري، أو تجعله رافضاً فكرة إعادة انتخاب بوتفليقة.

إذ يقول إنه «لا يزال هناك نوع من الاستقرار في البلاد، وهذا هو المهم بالنسبة لي ولعائلتي».

أما لمياء، ففسّرت هذا الموقف الذي يتبناه قطاع من الجزائريين، قائلة إنه «لا يُمكن لأحد أن يتخيل ما قد يحدث في البلاد بعد نهاية حكم بوتفليقة؛ بسبب أهمية الفترة التي قضاها في رئاسة البلاد».

وأضافت: «كما يخشى الناس من التغيير، ويخافون مما قد يحدث بعد ذلك».

لكن، لا تؤمن هذه المرأة الشابة بفكرة انتخاب بوتفليقة لولاية خامسة، غير أنها قالت: «أعتقد أنه سيكون هناك نوع من الاستمرارية السياسية، حتى بعد بوتفليقة».

ولم تنتخب لمياء ولا زوجها في السابق، ولا يعتزمان القيام بذلك في عام 2019.

إذ ينتمي هذان المواطنان إلى الأغلبية الصامتة، التي تفضل التعبير عن رأيها في الانتخابات من خلال الامتناع عن التصويت، والتي بلغت نسبتها 49.30% في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لعام 2014.

انتخابات الرئاسة الجزائرية لم تعد حدثاً مهمّاً

في متجر صغير يقع على الجانب الآخر من مركز مدينة الجزائر، لا يزال صادق، أمين صندوق هذا المتجر، يشاهَد، برفقة صديقه، بعض أشرطة الفيديو التي تُصور المسؤولين المحليين وهم يحاولون تبرير كارثة الفيضانات التي اجتاحت العاصمة في الأول من أكتوبر  2018.

ونتجت هذه الفيضانات عن هطول كميات غزيرة من الأمطار بضع دقائق، حوّلت بعض أحياء العاصمة إلى «مسبح مائي».

وقد تساءل صادق قائلاً: «لقد وُلدت وترعرعت في لوفيلي (بمنطقة حسين داي). وتم طرح مشكلة الفيضانات منذ عدة أعوام. لكنها لم تُحَلّ إلى الآن؟ لماذا يتعين علينا تحمُّل تبعاتها في كل مرة؟!».

وفقاً لصادق، لا تُعد الانتخابات الرئاسية حدثاً مهماً. ولم يسبق أن مارس هذا الجزائري، البالغ من العمر 50 عاماً، حقه الانتخابي ولو مرة واحدة، كما لا ينوي القيام بذلك في عام 2019.

ويقول صادق إنه «لطالما قيل لنا إن التصويت حق. وسأبدأ استخدام هذا الحق حين يستقبلني مسؤول محلي»، مستدركاً: «لكن في الوقت الراهن، لا يعنيني هذا الأمر، وليفعلوا ما يحلو لهم».

كما أن لصادق اهتمامات أخرى غير الانتخابات الرئاسية أو الولاية الخامسة، حسبما يقول.

وحتى من يمتلكون بطاقة انتخاب لن يستخدموها

دخل سمير، أحد جيران صادق، إلى المتجر. ويشعر هذا المهندس، البالغ من العمر 36 عاماً، بالسعادة.

ويعد سمير أحد المشتركين في برنامج «سكانات عدل 2″، لتوفير سكن الذين يبلغ عدد المستفيدين منه 70 ألف شخص.

وقد صار بإمكان هؤلاء المشتركين الآن اختيار الموقع الذي يريدون العيش فيه.

ومن ثم، أصبح باستطاعة سمير أخيراً التخطيط لحفل زفافه، أو يأمل في ذلك على الأقل.

ويمتلك هذا الشاب بطاقة ناخب، يمكن أن تسهل له إتمام بعض الإجراءات الإدارية.

مع ذلك، لا يهتم سمير بالأخبار السياسية، التي لا علم له بمستجداتها، بما في ذلك النقاش الدائر حول الاستقالة المحتملة لسعيد بوحجة، رئيس المجلس الشعبي الوطني الجزائري، التي طالبت بها الأغلبية السياسية التي ينتمي إليها.

وتصدرت أزمة استقالة بوحجة المحتملة، والتي تُعيق عمل جميع هياكل البرلمان، عناوين الأخبار في الصحف لمدة أسبوعين تقريباً في الجزائر. ويربط بعض المحللين سبب اندلاعها بالانتخابات الرئاسية المقبلة. كما يعتبرون أنها قد تُؤدي إلى حل البرلمان.

لكن، لا تُثير هذه التكهنات ولا تكذيب أحمد أويحيى لها يوم السبت، في السادس من أكتوبر ، اهتمام شاب مثل سمير، المنشغل للغاية بحياته اليومية.

وحتى الأحزاب غير معنية رغم إعلان بعضها الاعتراض على انتخاب بوتفليقة

«كيف تنتظرون من عامة الشعب الاهتمام بالانتخابات في الوقت الذي لا تشعر فيه الأحزاب السياسية أنها معنية بهذا الحدث؟»، حسبما يتساءل ناشط سياسي من حزب معارض.

وفي الأشهر الأخيرة، دعت أطراف تنتمي إلى الأغلبية الرئاسية، على غرار جبهة التحرير الوطني أو حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الرئيس بوتفليقة إلى الترشح لولاية خامسة.

في المقابل، تبدو أحزاب المعارضة أكثر انقساماً من أي وقت مضى.

ولا يُثير ترشح بعض الوجوه البارزة للانتخابات الرئاسية أي جدل على الساحة السياسية، على غرار فتحي غراس، المتحدث باسم الحركة الديمقراطية والاجتماعية، وناصر بوضياف، ابن الرئيس محمد بوضياف الذي اغتيل عام 1992.

وكان عبدالرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم وزعيم أكبر حزب سياسي معارض بالجزائر قد قال  إن حزبه يرفض انتخاب بوتفليقة لولاية خامسة، مشيراً إلى أنه غير قادر صحياً على الحكم.

والمجتمع واقع تحت تأثير مخدّر، فحتى المرشحون لا يعرفهم أحد!

ولم يعقد أي من المرشحين للرئاسة اجتماعات كبرى إلى الآن، كما أنهم لا يظهرون في وسائل الإعلام بشكل مستمر.

وقال مصطفى، وهو طبيب مقيم، إنهم «يحاولون فقط التواجد على الساحة السياسية. فأنا شخصياً لا أعرف هؤلاء المرشحين. وفي الواقع، لا أحد يهتم بالسياسة في الجزائر».

لكن، لا يُشاطره هذا الرأي الناشط قادر فارس أفاك، المسؤول في حزب الحركة الديمقراطية والاجتماعية.

ويتهم فارس أفاك السلطة بأنها «قد أصابت المواطنين بالعجز بسبب الولاية الخامسة».

وأضاف أنه «بالنسبة لأنصار الرئيس، فاز بوتفليقة بهذه الانتخابات، حتى قبل انعقادها، على الرغم من عدم الإعلان عن ذلك إلى الآن.

وليس هناك وجود لأي سباق سياسي، أو حوار حقيقي حول الانتخابات الرئاسية في الجزائر. ويبدو وكأن المجتمع واقع تحت تأثير مخدر».

فهل بات الجزائريون لا يعارضون انتخاب بوتفليقة حقاً؟

ولكن الجزائريين يواصلون النضال على طريقتهم الخاصة

لا يعني ذلك أن الجزائريين قد استسلموا، ذلك أنهم يواصلون النضال على طريقتهم الخاصة، وفقاً لفارس أفاك، وهو مسؤول في حزب الحركة الديمقراطية والاجتماعية.

ويسترجع أفاك ذكرى حركة الاحتجاج التي جدت في جنوبي البلاد، ضد البطالة وضعف التنمية أو غيابها في هذه المنطقة. كما يستشهد بنضال سكان عين صالح رفضاً لاستغلال غاز الأردواز في المنطقة.

ويقول الناشط إن «هذه الحادثة كانت أول تحرك يخدم القضايا البيئية في المنطقة!».

غير أنه يعترف بالانقسام بين المجتمع ونخبه التي «تظهر أحياناً كما لو أنها «مستقيلة» من عالم السياسة»، حسب تعبيره.

والنخبة تسعى للاستفادة من المميزات القليلة المتاحة من السلطة

«تم حظر عرض فيلم في السابق، ثم قرر المنظمون إلغاء التظاهرة الثقافية بأكملها، حسبما يشير أفاك.

ويتساءل: «كيف يمكن لهذا الفيلم أن يزعج السلطة؟».

بالنسبة له، لم تعد النخبة راغبة في النضال «أو أنها تكتفي بالاستفادة من المزايا البسيطة التي تمنحها لها السلطة» في وقت «لا يزال فيه الجزائريون في انتظار مبادرة سياسية حقيقية».

وأضاف قادر أفاك أن «أطرافاً من هذه النخبة تقوم بمهاجمة المواطنين. ويُمكن للجميع ملاحظة الطريقة التي تمت بها إهانة المتظاهرين في الجنوب ومعاملتهم كأوغاد بسبب صلاتهم في الشارع».

مع ذلك، لا يزال أفاك متفائلاً، لأنه لا يعتقد أن جهود حزبه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، في أبريل  2019 ومرشحه ستذهب سدى.

فإذا كان الجزائريون لا يعارضون انتخاب بوتفليقة مجدداً ، فإنه هذا بسبب سلوك النظام، حسب يرى كثير من المعارضين.

ويتحدث أفاك عن رد فعل الناس إذا تحركت المعارضة قائلاً: «سبق أن دعانا المواطنون إلى منازلهم. لا يقدم أي حزب سياسي الدعم الذي يُقدمه حزبنا للحركات الاجتماعية، وذلك في حدود إمكاناته طبعاً. وأنا أعتقد شخصياً أنه لايزال علينا الكفاح».

ويختتم كلامه قائلاً: تكمن مشكلتنا في الجزائر في خشيتنا من خوض المعارك. مع ذلك، من كان يظن أن ائتلاف اليسار الراديكالي (سيريزا) سيحكم اليونان؟ لكن ذلك تحقق بالفعل».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *