مجتمع | مشاهد TV

البرد والفقر والاعتداءَات الجنسية ثلاثي يتربص بمتشردات ومتشردين بأكذز

 

انتشرت في مدينة أكدز خلال السنوات الأخيرة ظاهرة التشرد بشكل مثير، واتخذ العديد من الأشخاص من الشارع العام مأوى لهم يبيتون فوق الإسمنت دون غطاء يقيهم قساوة البرد في فصل الشتاء، منهم أطفال قاصرون ونساء تعرضن للإعتداءات الجسدية والجنسية ورجال مسنون ومصابون بأمراض نفسية وعقلية، وتشكل هذه الظاهرة خطرا على أنفسهم وعلى المواطنين.

يعيش المشردون ظروفا وأوضاعا مأساوية، ويناشدون السلطات المحلية والمجالس المنتخبة وجميعات المجتمع المدني وكل المحسنين وذوي الضمائر الحية التدخل لتقديم يد العون لهم، فيما يطالب فاعلون حقوقيون بضرورة اعتماد مقاربة حقوقية.

 نساء ضحايا البرد القارس والاعتداءات الجنسية.

 

بجانب أبواب المحلات التجارية المغلقة في الشارع الرئيسي بأكدز تنام لبنى وتقضي ليلتها مفترشة قطعا من الكارتون على الإسمنت بدون أي غطاء يقيها من قساوة البرد، هي فتاة  في ريعان شبابها وتبدو علامات التعاسة والحزن على ملامحها، لم تعد لها القدرة في الاسترسال في الكلام لتسرد معاناتها وظروف عيشها في الشارع، وبدت أكثر توجسا وخوفا في حديثها، أكدت لـ”مشاهد” أنها لا تملك لا أغطية ولا ملابس إضافية تقيها من البرد القارس، وأنها اختارت مكانا مكشوفا في الشارع يرتاده الحارس الليلي لحمايتها من الإعتداءات، حيث سبق لها أن كانت ضحية اعتداءات جسدية وجنسية متكررة خاصة من طرف المتشردين، وتدخل الحارس عدة مرات لانتشالها من أيادي الجناة الذين اقتادوها بالقوة وهم في حالة سُكر طافح، وظلت الذئاب البشرية تلاحقها لافتراسها وانتهاك كرامتها.

وأكد شهود عيان للجريدة أن العديد من النساء والفتيات اللواتي يعشن وضعية تشرد في أكدز تعرضن لاعتداءات جنسية وحالات اغتصاب  تسببت في عدة حالات حمل خلال السنوات المنصرمة وبعد الولادة ظل المواليد بدورهم عرضة للتشرد مما نتج عنه إشكالات جديدة في الهوية والنسب والتنشئة في وضعية تشرد.

الحرمان من دفء المأوى والأبوة.

حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل، بدا الشارع الرئيس في مدينة أكدز هادئا وخاليا من المارة، وبجانب حائط المسجد يفترش المهدي “الكارتون” ويخلد للنوم كما اعتاد على ذلك منذ سنوات، تتعاقب فصول السنة ويواجه جسده الضعيف حرارة الصيف وقساوة برد الشتاء في انتظار أن تبادر قلوب رحيمة لتنتشله من التشرد وتمنحه حياة كريمة.

يبلغ المهدي من العمر 18سنة، طفل في وضعية اجتماعية صعبة، ويتحدث لـ”مشاهد” عن معاناته بصوت حزين والدموع تغلبه، يقاوم الحزن ليسرد الحكاية :”لم أختار التشرد بل الحياة جعلتنا مشردين، وأنادي جميع المحسنين لتقديم كل الدعم لنا وتوفير مكان لإيوائنا نحن أسرة تتكون من أربعة إخوة ووالدتي”وأضاف المهدي:”لقد اعتادت على التشرد والمبيت في العراء ليلا رغم قساوته،أحتاج لمن يساعدني وينقذني من هذا الوضع البئيس”.

يواصل المهدي سرد معاناة العيش في الشارع،يعيش متسولا بما يجود به المحسنون وذوي القلوب الرحيمة الذين يقدمون له الملبس والمأكل، وأحيانا يضطر للمبيت دون تناول أي طعام،يستجمع قواه لمقاومة الجوع وقساوة البرد التي تطارد نومه وتتسبب له في آلام ومضاعفات صحية.لاينعم المهدي براحة النوم مثل أقرانه الأطفال داخل منازل أسرهم،محروم من دفء البيت والأسرة معا،ولا يحظى إلا بلحظات قليلة من النوم قبل أن يوقظه الضجيج المزعج لمنبه حافلات نقل المسافرين حينما تدخل المحطة.

تأقلم المهدي مع التشرد والنوم ليلا في الشارع مع توالي السنين ويؤكد أن “النوم في الشارع يتطلب اليقظة والاستعداد لكل احتمال مفاجيء،قد يكون ذلك اعتداء بشريا أو الكلاب الضالة،أو تساقطات مطرية، فلا راحة في نوم الشارع”ويضيف المهدي والدموع تنهمر من عينيه:”أقضي الليل في الشارع في رحلة عذاب، وفي الصباح أرى التلاميذ ذاهبون إلى المدرسة في أناقة وحيوية ونشاط وأتألم لحرماني من التمدرس، لماذا لست كسائر الأطفال الذين يمسكون بأيدي أبائهم ويبادلونهم الحنان؟ لماذا حُرمت من هذا الإحساس؟ لا أخفيك أنني أحس بالإحتقار والمهانة”.

ويناشد المهدي كل الضمائر الحية للتدخل لوضع حد لمعاناته وتقديم العون له بالقليل أو الكثير ولو بكلمة طيبة تخفف عنه أحزانه وآلامه.

تدابير وإجراءات عاجلة.

في تصريح لـ”مشاهد” اعتبر الأستاذ إبراهيم باكبير رئيس الشبكة الجمعوية لحقوق الطفل لجهة درعة تافيلالت أن ظاهرة التشرد حديثة النشأة في إقليم زاكورة الذي يتسم سكانه بقيم التكافل والتضامن،ولا تدع الأسر أفرادها عرضة للتشرد مهما بلغت ظروفهم الإجتماعية من صعوبة،غير أنه خلال السنوات الأخيرة انتشرت ظاهرة التشرد في المركزين الحضريين لكل من زاكورة وأكدز وشملت جميع الفئات من أطفال ورجال ومسنين.

وعن أسباب ظهور التشرد في المنطقة أكد إبراهيم باكبير أن أسباب كثيرة ساهمت في لجوء العديد من الأفراد إلى الشارع والعيش في تشرد،وأبرزها وضعية الفقر وكذلك التفكك الأسري بسبب الطلاق وانفصال الزوجين، كما أن تعرض الأطفال للعنف داخل الأسرة يدفعهم إلى اللجوء للشارع،ومن أبرز الدوافع أيضا إصابة بعض المتشردين بأمراض نفسية وعقلية عجزت الأسر عن احتضانهم ومتابعة علاجهم ففضلوا الشارع بدلا من البيت،وفي غياب دور للحماية وجمعيات خيرية تأوي هذه الفئات وازداد عد المشردين في الشارع.

وعن الحلول والإجراءات الضرورية للقضاء على هذه الظاهرة اعتبر رئيس الشبكة الجمعوية لحقوق الطفل بدرعة تافيلالت أن للمجتمع المدني دور كبير في حماية هذه الفئة،وذلك بأخذ زمام المبادرة وتأسيس جمعيات خيرية على غرار بعض المراكز الكبرى مثل الدار البيضاء،مراكش،أكاديرومراكش مثلا وإحداث مراكز لحماية الطفولة.إضافة إلى ضرورة قيام المؤسسات الحكومية لمهامها بإحداث مراكز للإيواء،ولفت إبراهيم باكبير الإنتباه إلى توفر الإقليم على عدة بنايات تم تشييدها دون استغلالها وبقيت مغلقة مثل مركز إيواء النساء في وضعية صعبة في أكدز الذي يتوفر على تجهيزات من شأنه أن يتم استغلاله في إيواء المشردين. وتساءل باكبير عن أسباب عدم إحداث جناح للأمراض العقلية والنفسية في المستشفى الإقليمي بزاكورة ،إضافة إلى ضرورة تفعيل المقاربة القانونية من خلال تطبيق الفصل 329 من القانون الجنائي الذي ينص على معاقبة كل من كانت لديه وسائل العيش أو كان بوسعه الحصول عليها بالعمل أو بأي وسيلة مشروعة لكنه تعود ممارسة التسول أو التشرد في مكان ما .

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *