ثقافة وفن

“إدرنان” .. تراث أمازيغي يفشي السلام بين القبائل في المغرب

أخرجت الشابة الأمازيغية فاطمة اشويض حليها الفضية التقليدية التي ترتديها في المناسبات الخاصة ولبست “أبراع” الأمازيغية التراثية المطرزة بالورود، ثم وضعت على رأسها “خيط الريح” الفضي الضارب في القدم.

وضعت فاطمة غطاء الرأس المطرز وأدارت على خصرها “الصاية” التي تحمل خطوطا وزركشات أمازيغية من زمن الأجداد، وخضبت يديها بالحناء، ونظفت بيتها لاستقبال الضيوفـ قبل أن تنضم إلى باقي نساء جماعة ايت أحمد ضواحي تزنيت لإعداد وليمة إدرنان.

أعدت فاطمة وزميلاتها من منطقة آيت أحمد قبائل أنزي الموجودة بقلب الأطلس الصغير (جنوب المغرب) مأكولات تراثية، أهمها “السفنج” وخبز “أفارنو” المعروف أيضا “بالتفرنوت”(خبز أمازيغي يعد بطريقة تقليدية).

ولا تقتصر قائمة الأكلات التي تعدها النسوة على” السفنج” وخبز “أفارنو”، بل تشمل نوعا من الكسكس الذي يؤكل مع “أملو” (خليط زيت الأركان ودقيق اللوز المحمص)، بالإضافة إلى طجين لحم المعز والسمن والعسل.

وليمة السلام
يعد موسم إدرنان موروثا ثقافيا أمازيغيا ويمتد من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار، وهو عادة قديمة تقوم على وليمة استقبال متبادل وضيافة بالتناوب بين القبائل لمدة ثلاثة أيام في الأسبوع (الخميـس والجمعـة والسبـت).
وتهدف المناسبة إلى نشر الصلح والسلام والحد من الفتنة والاقتتال، وتعم خلاله الاحتفالات المنطقة بكاملها بدءا بقبائل تافراوت وأملن واداكنضيف وأيت صواب مرورا بتاهالة واداوسملال ووصولا إلى قبائل ايداو بعقيل وارسموكن بأنزي والنواحي.
وتنطلق الاحتفالات في منطقة أنزي بقبيلة أيت أحمد في الخميس الأخير من يناير/كانون الثاني، وتليها قبيلة إداوبعقيل في الخميس الأول من فبراير/شباط، ثم يأتي دور قبيلة أداي في الخميس الثاني من الشهر نفسه.
وتتواصل الاحتفالات بفرقة من تافراوت لمولود ثم بفرقة إرسموكن التابعة لجماعة أنزي في الخميس الثالث من مارس/آذار، وتستمر بصفة دورية لتعود بعد ذلك إلى الترتيب الزمني الأول للمناسبة.
وبحسب بعض أعيان القبائل الأمازيغية، فإن الاحتفال بإدرنان يرسي ثقافة السلام والتآخي بين القبائل، في حين يعتبره آخرون وليمة احتفالية بأزهار شجر اللوز الذي يعد ميزة القبائل المحتفلة بالمناسبة.
موروث يندثر
يقول المسؤول عن تواصل المهرجان بمنطقة أنزي بالأطلس الصغير العربي لشكر في حديث مع الجزيرة نت “إدرنان عادة أمازيغية ثقافية واجتماعية قديمة بدأت تنقرض نتيجة الهجرة التي تعرفها المناطق الأمازيغية النائية”.
ويوضح العربي أن الاحتفالات أصبحت تقام بالمنازل، وتقتصر على العائلات، مما جعل فدرالية جمعيات وتعاونيات المنطقة تفكر في إحيائها وتسويقها لباقي المغاربة من خلال إقامة مهرجان مفتوح يعرض فيه سكان المنطقة عاداتهم ولباسهم ومأكولاتهم للزوار.
ويضيف أن أصل إدرنان يعود للعلامة سيدي محمد اعجلي المعروف بالنفوذ الروحي الذي أفشي السلام بين القبائل وحقن الدماء أيام “السيبة” (مرحلة تاريخية عرفت فراغا قانونيا وغيابا للسلطة) عبر تقاسم الطعام والملح.
وفي المقابل، تنسب بعض الكتابات عادة إدرنان إلى العلامة أبو يحيى العثماني “الكرسيفي” المتوفى سنة 1585 ميلادية، غير أن هذه العادة تبقى رغم الاختلافات مناسبة احتفالية للتآخي ووليمة تقاوم النسيان وتحافظ على القيم وتحفظ الأسرار.

فخر وتوريث للقيم

تشعر نساء منطقة قبائل أنزي بالأطلس الصغير بالفخر بموروثها الثقافي وتشارك في الاحتفالات العامة به عبر الإعداد والتعريف وتوريث المهارات للجيل الصاعد وتحافظ النساء بالمنطقة على لباسهن، وتخرجن بخمار يحجب وجوههن.

ومن النساء من تغني وتشارك في فرق أحواش دون أن يكشفن وجوههن، حيث تغطى النساء “بلحاف” يخفي هويتهن ولا يظهرن إلا الحلي ولباس المنطقة وهن يؤدين رقصة أحواش التراثية.

وتقول فاطمة أصماميد، وقد توشحت بغطاء مطرز وهي تطبخ خبز افارنو، إن إقامة حفل إدرنان للعموم يهدف إلى اقتسام قيم التسامح مع باقي الناس وإنه تراث وتقاليد يسعى أبناء المنطقة للحفاظ عليها والتعريف بها وحمايتها من النسيان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *