مجتمع

بورتريه:مسعود أكوزال .. من بائع متجول إلى إمبراطور للحوانيت بالمغرب

لم تشفع له سمعة والده التجارية، وانحداره من عائلة تملك ” 34حانوتا” بإقليم اشتوكة آيت باها، تدر عليها حوالي
ثمانية آلاف درهم سنويا، قبيل منتصف القرن الماضي، من أن ينعم ببحبوحة العيش منذ البداية، ومن أن يجد المتكأ المادي.
بعد رحيل والده عن الدنيا، ولى مولاي مسعود أكوزال وجهة غير دوار ”إدا وكنيضيف” بعد ست سنوات من وفاة والده،
باحثا عن الذات والمستقبل معولا على “عربة لقنينات الزيت” التي شكلت بداية ارتقائه.
ال31ربيعا .. فراق كنف العائلة
بعد أن أتم تعليمه في “الكتاب” لمدة ناهزت الست سنوات بعد وفاة والده مولاي إبراهيم، انتقل إلى مدينة مكناس،
في رحلة وصفها في كتابه “مولاي مسعود أكوزال .. رجل من أعلام الجهاديين” بالرحلة الحبلى بالإثارة وشاقة في الوقت ذاته.
كان على مولاي مسعود ليبقى على قيد العيش، أن ينخرط مع أخيه في إحدى حوانيت التجارة بالجملة، من ضمن
سلسلة الإرث الذي تركه الوالد، ليفارق المدينة الإسماعيلية في اتجاه دواره الأول الذي امتهن به تجارة الدقيق بالجملة،
فيعود إليها بعد أن بلغ 17سنة من العمر، لينفرد بمشروعه التجاري ويقرر بيع الزيوت بالجملة دون أن يلتفت إلى شيء مما تركه والده، أو يستجدي العون من أخيه الأكبر.
واجه مولاي مسعود فترة الكساد سنة 1928بكل ما أوتي من عزيمة وإرادة، بالرغم من مطبات التجارة ودعوات
أقرباءه لهجر المدينة الإسماعيلية والاهتمام بالفلاحة بدوار “إداوكنيضيف”، فتزوج واستقدم والدته للعيش تحت سقف واحد،فشرع مولاي مسعود في تطوير مشروعه التجاري فانتقل من التعبئة التقليدية لزيت الزيتون إلى التعبئة العصرية لزيتالمائدة.
مسعود أكوزال .. قائد أولى مبادرات تنمية الأقاليم الجنوبية
“صحراؤنا ردت إلينا وأن علينا العمل على تنمية أقاليمنا المسترجعة” تلك جملة خرجت من فاه الملك الراحل
الحسن الثاني، بُعيد استرجاع الأقاليم الصحراوية، فتلقفها مولاي مسعود في حينها، واستشعر مسؤوليته في تنمية الاقتصاد الوطني وفي وضع لبنة لتحسين الأوضاع في الأقاليم الصحراوية، فتوجه إلى بعض من رجال الأعمال بالمناطق الجنوبية،لاقتراح إنشاء الشركة المغربية لتنمية الصحراء، وهي الفكرة التي لاقت ترحيبا من طرف صديقه الحاج الزويكي لحبيب،والصبار عبد ربه، والعلوي الحسني محمد، وحيضر محمد علي، وبطاح امبارك السماهري، وسيد أحمد مسعود، وبوشارة بوبكر وكمال سليمة.
قبل هذا كله، كان لمولاي مسعود اليد الطولى في ترتيب مشاركة حوالي 11.111مشارك ومشاركة من مختلف
الأعمار والمدن والمداشر القريبة من المدينة الإسماعيلية، عمل على ضمن تجميعهم وإطعامهم وتهيئ وسائل نقلهم وإيصال التغذية إليهم، حتى حان موعد إقلاع المسيرة من فضاء المعرض البلدي بمكناس إلى نقطة التجمع الأولى بمراكش ثم أكادير فطرفاية.
واستقدم مولاي مسعود حوالي 354طنا من التمور، بمعدل كيلوغرام لكل مشارك في المسيرة، من كل من
الرشيدية وأوفوس والريصاني، ووضع رهن إشارة الدولة 45شاحنة، بالإضافة إلى عدد من الإداريين والتقنيين العاملين
بمجموعته الاستثمارية، بغرض إنجاح تجربة الملحمة البطولية، حيث سينتهي به المطاف رئيسا للمجلس الإداري للشركة التي أسسها رفقة تجار ورجال اعمال من المنطقة.
العصامية .. منهج حياة وطريق لثروة مريحة
قصص متعددة تلك التي حيكت حول ثروة مسعود أكوزال، وهو صاحب “شركة زيوت مكناس” والحائز على
المركز الرابع من حيث القوة المالية نهاية سبعينيات القرن الماضي، وأخذت في التناسل أكثر بعدما فاق مجموع حوانيت مولاي مسعود ال 311حانوت نهاية منتصف القرن الماضي.
عبقرية مولاي مسعود التجارية، جعلته يستثمر رأسماله في المتاجرة في قطاعات أخرى غير “الزيوت”، عبر
شراء مجموعة من الشركات المختصة في مواد الصباغة، كشركة “ديليكلور” و”كلين” و “شيميكولور”، وهي الشركات
التي جعلته يحتكر لوحده قطاع صناعة المواد الكيماوية المستعملة في الصباغة، بالإضافة إلى تشييد مصنع خاص بتجميد الأسماك، حتى أنه حصل بفضل سمعته التي يتمتع بها في الوسط الاقتصادي بالمغرب، على قرض بمبلغ 9.3مليون دولار من أحد الأبناء من دون ضمانات.
وارتباطا باعتزاز أكوزال بانتمائه القومي المغاربي، فقد كان يخصص الأطنان من المواد الغذائية لفائدة عناصر
القوات المسلحة الملكية عند مشاركتهم في الحروب التي كان المغرب طرفا للنزاع أو مساندا فيها، حتى أنه لازال يحوز وصولات دفوعات لمساهمات مالية بشكل منتظم لفائدة جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وكان قد وفر لرؤساء الجزائر أحمد لنبلة ومحمد بوضياف وباقي أعضاء لجن التحرير مسكنا، عبارة عن فيلا لأجل الإقامة بها كلما حلوا بالمنطقة.
أكوزال، ليس رجل تجارة واقتصاد فقط، بل رجلا قوميا دافع عن العروبة بما استطاع، فقد كان يعمل على تموين
منظمة التحرير الفلسطينية عبر منتجات زيت الزيتون والسردين المعلب الذي كانت تنتجه شركاته، وحدث أن أهدى القائد الفلسطيني ياسر عرفات معطفا جلديا، ظل هذا الأخير يعتز به ويحب ارتداءه.
قصة النجاح .. بداية النهاية
تعرضت مسيرة مولاي مسعود أكوزال لمطبين إثنين، أول عند نهاية منتصف القرن الماضي، حينما وجد مولاي
مسعود نفسه وسط ضجة إعلامية انتقلت أصداؤها بسرعة بالرغم من تطور وسائل التواصل آنذاك، إلا أن خلطا في الاسم التجاري لدى العامة ومستهلكي “الزيوت” خلق له واقعا جديدا كان في منآى عنه، فقد آثار في سيرته الذاتية، تفاصيل مآساة تسمم جماعي انتهى بالوفاة لمجموعة من الضحايا، أحدث رجة في ربوع الوطن ودف السلطان محمد الخامس إلى إلغاء نشاط رسمي له بمدينة الحاجب (ضواحي مكناس).
وأصيب مستهلكي زيت كتب على واجهة زجاجتها “مولاي” بتشنجات في السيقان وشلل مفاجئ في القدمين واليدين واضطراب في التحكم في التوازن، حيث تم إقحام اسمه في القضية، ليثبت كل من المعهد الوطني للوقاية بالرباط ومختبرات بأكسفورد الأمريكية وباريس الفرنسية، أن مواد كيماوية تستعمل في غسل محركات الطائرات بالقواعد العسكرية الأمريكية بالمغرب، تسربت إلى الزيوت عبر أحد المتاجرين في فواضل القواعد الأمريكية، ليتم خلطها ببعض أنواع الزيوت المعدة للاستهلاك البشري.
مولاي مسعود أكوزال، أخذ منه الكبر، وأضعف عبقريته التجارية، حتى أنه سقط نهاية تسعينيات القرن الماضي،
في دوامة من المشاكل المالية والاقتصادية لم يخرج منها سالما، عندما اضطرت الأبناء إلى الحجز على الأملاك العقارية لمجموعته الاستثمارية، ومن بينها المساحة الشاسعة التي يقع عليها مقر شركة “شيمي كولور”.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *