مجتمع

اليزيدي يكتب: “عن أي مغرب نتطلع إليه ما بعد كورونا ؟”

توصلت “مشاهد” بمقال لعبدالرحمان اليزيدي  عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للاحرار، حول موضوع: أي مغرب ما بعد كورونا:

من حسن حظ المغرب و بنيته الإستشفائية أن بادر جلالة الملك إلى حسم الخيار لمواجهة وباء كورونا، المواطن أولًا أم الإقتصاد أولاً؟ فاختار جلالته صحة المواطن أولا، و اتخذ الإجراءات التي يعلمها الجميع.

إلا أن هذا الإختيار لم يكن يعني التفريط في الإقتصاد الوطني، بل على العكس. فلا إقتصاد بدون طاقات بشرية سليمة.في هذا السياق تأتي مبادرة جلالته بإحداث صندوق لمحاربة هذه الجائحة، فالمال عصب كل الحروب. وقد تجاوب المغاربة بسخاء حتى أصبحنا يضرب بنا المثل عالميا.

هذه الأزمة الصحية العالمية نجحت في تركيع أكبر و أعتى الاقتصاديات في العالم كما هزت أنظمة سياسية شامخة بعد ان شارفت قطاعاتها الصحية على الإنهيار.

نحن اليوم في لحضة إنطلاقة سباق سريع من نوع آخر، ستعرف فيه الاقتصاديات العالمية تحولات لتتأقلم مع وضع ما بعد جائحة كورونا. المتسابق الذي سيسيئ تدبير لحظة الانطلاقة سيبقى في مؤخرة السباق.

مغرب ما بعد كورونا بدأ منذ ثاني مارس الأخير . وحتى لا نتخلف عن سباق الأمم مرة أخرى ، علينا أن ندعم الاقتصاد الوطني بوسائل تلامس جميع الطبقات و كل الفئات. لابد من دعم الإستثمارات و دعم المقاولات لخلق فرص الشغل. و لابد كذلك من عدالة ضريبية و إجتماعية عبر التخفيف من الضغط الضريبي على دخل الطبقة العاملة -في القطاعين الخاص و العام – لتشجيع الاستهلاك الداخلي، و لا بد من دعم تحول أنشطة القطاع الغير مهيكل بما فيها الصغرى جدا نحو القطاع المهيكل عبر تحفيزات مالية و ضريبية قصد
توسيع الوعاء الضريبي و تمكين شريحة عاملة واسعة من ولوج كل الخدمات الأساسية ، و لا بد أيضًا من تعميم التغطية الاجتماعية و الصحية على كافة الموطنين بدون استثناء في أفق قريب جداً. لا مجال لتكرار التقاعس و لامبالات ما قبل كورونا.

من الواضح بأن تمويل كلفة مرحلة الإنتقال إلى مجتمع مابعد كورونا، من جهة سيقتضي تحولًا كبيرا في إتجاه بوصلة الدولة و المجتمع معًا، بدءًا بمفهوم الدولة و دورها، و دور المدرسة العمومية و الصحة للجميع و الشغل النافع و شبكة الأمان للمجتمع و هوامشه، و وضع المرأة و دورها، و مكانة الشباب ، و من جهة أخرى سيتطلب اللجوء إلى تمويلات أجنبية و وطنية خارج الحدود المعتادة خلال فترة ما قبل كورونا. ذلك أنه لمواجهة الأزمات الإستثنائية لابد دائما من اللجوء إلى حلول إستثنائية، لأن التقشف لا يخلق الثروة. و ما بين تقشف يولد الإفلاس و إقتراض يخلق الثروة، الخيار واضح.

و حتى تكون الإجراءات الإقتصادية و الاجتماعية في خدمة التنمية الحقيقية، لابد من التسريع بإخراج السجل الاجتماعي الموحد و تمكين كل المواطنين من الولوج إلى الخدمات البنكية لتسهيل الاستفادة من المساعدات العمومية المباشرة لإقتناء المواد الأساسية و حتى الخدمات الضرورية بكلفة مناسبة.
فعملية إخراج بعض المواد الأسياسية من صندوق المقاصة كالمحروقات تمت بوازع مغازلة جهات معينة في إطار مشروع التمكين للحزب الأغلبي، عبر تحقيق توفير لمالية الدولة، إلا أنها في المقابل تركت المواطن البسيط عرضة لهزات السوق خصوصًا في زمن الأزمات المتكررة و حملته الكلفة المالية لهذه العملية.

من جهة أخرى فإن السير قدما في الرقمنة سيسهل المعاملات الإدارية و التجارية و تشجيع المعاملات المالية اللامادية بين الأفراد عبر تطبيقات بكلفة زهيدة ستساهم في نقل المجتمع نحو مزيد من الشفافية و المردودية و ستخلق فرص عمل جديدة و أنماط مهام خلاقة كالدراسة و التطبيب عن بعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *