آراء

الفن التشكيلي والإنسان .. أثر، وعلاقات

نادية أبكري
لا محيد عن كون الإنتاج الفني لكل فنان مقرونا برسالة تحمل في طياتها قضية تعكس ذاته، وتعكس رؤاه اتجاه الاخر والمجتمع والمحيط، فلكل فنان هويته الخاصة التي تطفو على إبداعاته، دونما الحاجة إلى التحقق من اسمه وتوقيعه أدنى اللوحة الفنية والإبداعية …
إن اللوحة التشكيلية كالكتاب رحبة منفتحة على مستوى الأفق الدلالي فلكل متلق قراءته الخاصة للأثر الفني وذلك من خلال التعاطي البصري والمعرفي مع اللوحة التشكيلة ، نلمس هذا تحديدا مع اللوحات المنتمية إلى المدرسة الانطباعية أوالتجريدية؛ فلكل قراءته الخاصة والمتعددة، والتي تكون أحيانا أبعد من أفق الفنان نفسه. حيث لاقيد أمام التأويل، ولا أمام تفاعل الوجداني للمتلق الذي يكون انطباعه أحيانا إبداعا موازيا لإبداع الفنان نفسه. وهذا تماما ما يحدث في حقل الترجمة، لاسيما تلك المرتبطة بالأدب والشعر حينما يجد المترجم أن عملية الترجمة التي تحققت بين يديه تخلق إبداعا موازيا للإبداع الأصلي نفسه، فالإبداع والإنفتاح الذي يحققه الفن توازيه قيم إنسانية وحضارية مشتركة، تجعل أعمال الفنان تعكس قضاياه المحيطة به اكثرمن هوسه بالإنتاج الفني نفسه، فالفرد جزء من المجتمع، والمنتج الثقافي انتاج الفرد داخل المجتمع، إنه تعبير عن الخصوصية الثقافية التي يحظى بها والتي ترمز إليه.
ومع التطور الحاصل تقنيا على مستوى الإعلام والتواصل الرقمي طرحت على الفنان، العديد من الأسئلة من قبيل جدلية المحلي والإنساني وما يستتبعها من امتدادات كان لزاما عليه أن يتفاعل معها وجوديا وفنيا. لهذا نجد الفنان يبحث في محيطه وتراثه عن الصوى الرئيسة والثوابت الأصيلة المعبرة عن الشخصية المحلية في مراحلها التاريخية فيعيد إنتاجها وفق رؤى فنية جديدة تخافظ عليها من جهة وتمنحها آفاقا دلالية في بعدها المعاصر. وحفاظا على ايصال الخصوصية الثقافية والهوية الوطنية، سواء بالأعمال الفنية؛ تسهم المعارض واللقاءات، والندوات المتاحة للعموم التي ينظمها أوالتي يشارك بها الفنان، الى الارتقاء بالذوق العام، وكذا تعمل على تحبيب الفعل الفني، والثقافي عامة، سواء عبر المراكز الثقافية أو بالمقاهي الأدبية، أو عبر المنصات الرقمية عن بعد في ظل الاجراءات الاحترازية زمن الوباء.

يقف الفنان التشكيلي محمد سراجي نموذجا دالا إذ سعى من خلال مبادرته منح لوحة فنية الى الفاعلين الثقافيين إلى الاسهام في رساء ثقافة فنية داخل فضاء مدينة اكادير بالمفهوم الثقافي للمدينة. وهي لبنة تنضاف الى النداءات التي طالما دعى إليها الفنانون في بحر معارضهم ولقاءاتهم، مثل الفنان التشكيلي الباحث براهيم لحيسن الذي عنون معرضه بقاعة الطيب الصديقي بدار الصويري بمديح الاثر، ذاك الأثر الذي يلخص حياة الرحل بالصحراء هو نفسه الأثرالذي يتركه كل فنان في حله وترحاله، فاللوحات بالجدران كما الكتاب بالخزانة بيد انها مائزة عنه كونها إبداع مكشوف يعرض نفسه دونما الحاجة إلى تصفحه إنها: العنوان والغلاف والمحتوى …
ما يميز لوحات الفنان محمد سراجي، أن الحرف حاضر في جل إبداعاته سواء الخط العربي، أو تيفيناغ الامازيغي، كما يطغى المعمار التقليدي الأصلي الذي يمتح منه الفنان اسرار موضوعه، كما تتميز الأعمال الأخيرة للفنان ابراهيم الحيسن أنها تثمن الأشياء المستعملة عبر إضفاء ألوان جديدة الكنيلة، وحبر الحبار باثا فيها حياة جديدة. ويستخدم كل من الفنانين المواد الطبيعية في أعمالهما والتي فيها دمج لمواد خام محلية كما لو أنها خطوة لجعل الحرف ولوحاتهما ناطقة بالوطن المتعدد الروافد والثقافات والطبيعة المتنوعة.

يعد الختم والتوقيع آخر لمسة يمكن للفنان أن يخطها أدنى لوحاته، إنها اسم جديد لمولود جديد، وهنا يمكننا أن ننوه بالخطوة التي يخطوها الفنان الى إرفاق أعماله بشهادة الأصالة « certificat d’authenticité »، هذه الخطوة الهامة هي التي تمكن من رفع قيمة العمل الفني، وحفظ ملكيته الفكرية والحقوق المجاورة بوجه التقليد، كما ينادي بهذا المكتب الوطني لحقوق المؤلف، إنها خطوة هامة لصون العمل للأجيال القادمة، عمل قد يصنف ضمن إرث وتراث الإنساني بالمستقبل.

باحثة في الاعلام و الصناعات الثقافية و التراث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *