آراء

بوصوف يكتب: “إريك زمور” آخر فقاعات اليمين المتطرف الفرنسي

لم يعد خافيا على أحد أن العالم بعد جائحة كورونا ، لن يكون هو نفس العالم ما قبل زمن الجائحة التي ساهمت في تغيير المفاهيم و تغيير تراتبية و مراكز الأولويات..و لم يستثني هذا التغيير أدوات الخطاب السياسي و آليات صناعة الرأي العام ، هو التغيير الذي لوحظ في كل المحطات الانتخابية التي تلت زمن ما قبل الجائحة على مستوى صناعة البرامج الانتخابية و التواصل السياسي و مضامين الحملات الانتخابية…و حتى على مستوى تغيير ذهنيات الناخب و أولوياته…
وهكذا تابعنا مجريات الانتخابات الألمانية في شهر شتنبر 2021 و أخرى في أوروبا الشرقية و أمريكا اللاتينية..و ما طبعها من تحالفات جديدة غلب عليها الطابع السياسي اكثر منه الأيديولوجي و تغيير في السياسيات العمومية لخدمة الاقتصاد التضامني و الطاقات المتجددة و الاقتصاد الأخضر و حقوق الانسان و الحريات و البيئة وغيرها…وهو ما عكس رغبة الناخبين في التغيير…

و قد زعزع هذا التغيير الكبير الحاصل على مستوى ادبيات التواصل و مضامين الخطاب السياسي من جهة وعلى ذهنية الناخب من جهة ثانية .. على بنية الأحزاب اليمينية المتطرفة و جمد من حالة الامتداد التي عرفتها ما قبل زمن الجائحة بدليل نتائج الانتخابات البلدية التي عرفتها العديد من الدول الأوروبية و في مقدمتها فرنسا و اسبانيا…

لقد استشعر اليمين المتطرف الفرنسي الخطر بعد “كارثة ” نتائج البلديات في شهر يونيو 2020و احتمال إعادة نفس سيناريو سنة 2017 فكان لابد من حقن المشهد السياسي الفرنسي بجرعة الوقاحة و ليس الجرأة السياسية.. و هكذا استشعر اليمين المتطرف الفرنسي حاجته الى وجه جديد/ قديم خارج قلاعه الحزبية ، بشرط أن يكون وجها مألوفًا لدى الشارع العام الفرنسي و مدافعا شرسا عن افكار اليمين المتطرف العنصرية و الفاشية…و أحد منظري الفكر العنصري التمييزي..كمشيل هويلبيك او الان فاينكلكراوت…

فلم يجد أمامه سوى “ايريك زمور” الجزائري الامازيغي الأصل من أسرة يهودية مهاجرة ( 63 سنة ) ، و الصحافي ” المثير للجدل ” و الكاتب صاحب أعلى المبيعات و الوجه التلفزيوني و الصوت الإذاعي الذي اصبح مقيما بصفة دائمة ” في المنصات الإعلامية المصنفة في خانة اليمين المتطرف وخاصة ” لوفيغارو ” و ” سي نيوز ” المملوكة للملياردير فان سان بولوري … و يتقاضى أعلى الأجور مقابل مشاركاته و مقابلاته التلفزيونية بنسب متابعة كبيرة…

فخروج ” ايريك زمور ” يوم 30نوفمبر 2021 و إعلانه ترشحه للرئاسيات الفرنسية في ابريل 2022 لم يكن حدثا مفاجئا ،بل كان متوقعا منذ شهور طويلة و خاصة بعد بلديات يونيو 2020، كما لم يكن مضمون خروجه مفاجئا أو جديدا لدى الراي العام الفرنسي..فأدبيات اليمين المتطرف الفرنسي ( الهجرة و الإسلام و اللجوء…) لم تتغير بل تم تغيير ” الوجه ” فقط…

فالمرشح الرئاسي “ايريك زمور ” كان يقدم برامجه الانتخابية منذ مدة طويلة في جلباب الكاتب و الصحافي و “المثقف ” و الروائي سواء من خلال اصدارته ” الرجل الذكر ” سنة 2006 و” الانتحار الفرنسي ” سنة 2014 ( 500 الف نسخة ) و ” القدر الفرنسي ” سنة 2018 و أخيرا ” فرنسا لم تقل كلمتها الأخيرة ” سنة 2021…و كان يجعل من كل حفلات توقيع كتابه الأخير مناسبة لحملة انتخابية قبل الأوان و أيضا مناسبة لرفع مبيعات الكتاب…

لقد رافق مهندسوا اليمين المتطرف الفرنسي مرشحهم الجديد ( ايريك زمور ) منذ بداياته..إذ فتحوا له صفحات جرائدهم و مواقعهم و قنواتهم مع ” كارط بلونش ” لضرب خصومهم السياسيين و دعاة الحريات و العيش المشترك مع تحمل تبعات قرارات المجلس السمعي البصري و كذا عقوبات القضاء الفرنسيين…
وليس صدفة ان كل استطلاعات الراي التي تنقله الى الدور الثاني في مواجهة الرئيس الحالي ماكرون او متقدما على مارين لوبان تمت كلها تحت عباءة او بطلب من قناة ” سي نيوز “….

و قد ظهر جليا كل هذا في فيديو اعلان ” ايريك زمور “عن ترشيحه لرئاسيات ابريل 2022 حيث استعان بمؤثرات صوتية و أيضا مشاهد مصورة… مع اشتغال واضح على طريقة إلقاء الخطاب للتأثير في الناخب الفرنسي..

لكن رغم ذلك فلم يخل فيديو ترشيح ايريك زمور من ” سقطات ” قوية ، كاختياره ليوم 30نوفمبر و الذي يصادف يوم اعلان ” الجنرال ديغول “عن ترشيحه في سنة 1965 و النهل من أدبيات خطب ” ديغول ” ك ( القدر الفرنسي و انقاذ فرنسا…) هذا بالإضافة الى استعماله لميكروفون يشبه فترة ديغول و غيره من رموز المرحلة مما أثار إستياء الديغوليين ، و كاختياره لموسيقى بيتهوفن كخلفية موسقية أثناء الخطاب و هي الموسيقى التي ترمز الى سياقات تاريخية مشحونة بالصراع…

الحنين الى تاريخ نابوليون و الماضي الاستعماري و الفترة الفاشية و النازية هي اهم محاور اعلان ترشيح ” ايريك زمور “.. إذ لم يقدم تصورا أوليا عن سيناريوهات الخروج من ازمة الحوار الاجتماعي او الامن الطاقي و الانتقال البيئي ، لم يتحدث عن الطاقات المتجددة في ضوء ارتفاع الأسعار المحروقات الاحفورية ، لم يتحدث عن القدرة الشرائية للمواطن الفرنسي ، لم يتحدث عن الاتحاد الأوروبي و عن دور فرنسا في حلف الناتو خاصة بعد نهاية عهد المستشارة الألمانية ” انجيلا ميركل “… بل فضل ممارسة الرياضة المفضلة لليمين المتطرف الفرنسي من خلال مهاجمة الإسلام و المسلمين و رموزهم و شعائرهم و أسمائهم…و من خلال مهاجمة ساكني ضواحي المدن الفرنسية…وتضليل الناخب الفرنسي بأن الهجرة هي مصدر مشاكل الفرنسيين …

فمن أجل إثارة انتباه الراي العام الفرنسي فقد صوب ” ايريك زمور “بندقيته نحو جميع الاتجاهات ..بما فيهم اليهود عندما حاول الدفاع عن الماريشال ” Pétain ” و القول بدفاعه عن اليهود في عهد حكومة فيشي النازية وهو ما اثار العديد من الردود الغاضبة…كما هاجم دعاة المساواة بين الرجل و المرأة و انصار حقوق المثليين و الأقليات العرقية و هاجم قوانين محاربة العنصرية و الكراهية ( loi Pleven و loi Gayssot) …والذي يتابعه القضاء الفرنسي بموجبه في اكثر من مناسبة..و مجد الاستعمار ، و قبل بكل تداعياته باعتباره فرنسي حقيقي.. كما مجد فتوحات نابوليون و توحيده شعوب أوروبا…

لكن يبقى الحصان الرابح لليمين المتطرف هو نظرية ” الاستبدال الكبير “..لذلك يسعى ” ايريك زمور ” لركوبه في كل خرجاته الإعلامية بما فيها يوم اعلان عن ترشيحه الرئاسي..و التي تتلخص في مؤامرة نخبة صغيرة ضد الفرنسيين و الأوروبيين البيض بهدف استبدالهم في نهاية المطاف باشخاص من غير أوروبيين من افريقيا و الشرق الأوسط معظمهم من المسلمين….
لكن حتى هذه النظرية فهي ليست من اختراع ” ايريك زمور ” بل استعملها قبله الكاتب ” رونو كامو “Renaud Camus سنة 2011 في كتاب يحمل نفس العنوان ، و قد أخد “رونو كامو ” بدوره نظرية الاستبدال الكبير عن ” موريس باري” الذي تحدث عنها أول الأمر سنة 1900 و قوله بان شعبا جديدا سوف يستولي على السلطة و ينتصر و يدمر وطننا….وهي نظرية ألهمت النازيين و الفاشيين..و دعاة الفكر العنصري و الكراهية…

المفاجأة بعد إعلان ” إريك زمور ” لترشيحه الرئاسي هي تراجعه في استقراءات الرأي الجديدة وراء مارين لوبين بعد ان كان متقدما عنها..و استياء الديغوليين و انصار حزب اليمين المتطرف لمارين لوبين و تراجع العديد من المشاهير عن تأييده خاصة بعد حركة يده الغير الأخلاقية التي رفعها في وجه مواطنة فرنسية من مارسيليا..حتى قبل ان يجف مداد استنكار رفعه لفوهة بندقية في وجه الصحافة الفرنسية في مناسبة سابقة…
اعتقد ان الناخب الفرنسي المؤمن بشعار الثورة الفرنسية و بفكر فلاسفة الانوار و عانى ويلات الحروب و الصراعات الدموية لن يقبل بدخول” إريك زمور” لقصر الايليزي الحامل لشعارات القرون الوسطى و لظلامية الفكر العنصري..الناخب الفرنسي المتعدد الثقافات و الهويات سيجعل من أريك زمور مجرد فقاعة صابون ترتفع الى الأعلى و سرعان ما تنفجر بسهولة في السماء عند اول امتحان في انتخابات ابريل 2022 القادم…سنعود للموضوع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *