جهويات

فتيات بعمر الزهور يحرمن من مقاعد الدراسة بإقليم تارودانت

يعتبر الحق في التعليم من الحقوق الأساسية التي يكفلها الدستور المغربي و المواثيق الدولية لجميع الأفراد سواء كانوا ذكورا أو إناثا، و لا يختلف إثنان في كون التعليم الركيزة الأساسية لبناء الأوطان و عاملا أساسيا في تقدم و نهضة الأمم، و رغم كل ما ذكر، فلا تزال ظاهرة الهدر المدرسي مستشرية بكثرة في صفوف الأطفال في الأوساط القروية الجبلية بالمغرب، خاصة في صفوف الفتيات، إذ تضطر بعض الفتيات لترك مقاعد الدراسة مبكرا سواء برغبتهن أو رغما عنهن،لاسيما عند بلوغ المرحلة الإعدادية. ما يتسبب في ظواهر كثيرة كزواج القاصرات و الطلاق و الأمية…

و قد وقفنا على حالات كثيرة بمنطقة الجماعة الترابية إيمولاس، فتيات أرغمن على ترك مقاعد الدراسة بعد الحصول الشهادة الإبتدائية أو الإعدادية أو حتى دون الحصول على أي منهما، و انطلاقا من تحرياتنا استخلصنا أن هناك عوامل عديدة تتداخل في ما بينها لتؤدي لهذه الظاهرة:

ــ عوامل اجتماعية و ثقافية: إذ ترى بعض الأسر أن المكان الأنسب و الآمن للفتاة هو البيت، و ذلك حفاظا على شرف و كرامة الأسرة، فبحسب هذه الأسر ابتعاد البنت عن البيت يشكل خطورة عليها، فهي معرضة للتحرش و الاعتداءات و غيرها…

هذا فضلا عن الاعتقاد السائد بكون الفتاة لا تصلح إلا لتكون زوجة و ربة بيت، و لا داعي بالنسبة لها للدراسة و تضييع الوقت ذهابا و إيابا.

ــ عوامل اقتصادية: ففي ظل الأوضاع الإقتصادية التي تشهدها البلاد من غلاء للأسعار فضلا عن الجفاف الذي أثر بشكل كبير على أنشطة الساكنة القروية التي تعد الفلاحة من أهم مصادر الدخل بالنسبة لها، تجد بعض الأسر نفسها عاجزة عن توفير مصاريف الدراسة من مأكل و ملبس و تغذية و أدوات مدرسية و نقل و غيرها، لاسيما إذا كثر عدد الأبناء. 

ــ عوامل جغرافية: فبعد المدرسة عن البيت و غياب النقل المدرسي يعتبر بمثابة السبب الرئيسي الذي يغذي هذه الظاهرة، و الأسر لا تستطيع إرسال بناتها بعيدا عن البيت، نظرا لعدة مخاطر.

تحكي( ف.أ) البالغة من العمر ستة عشرة سنة و هي إحدى الفتيات ضحايا الحرمان من التعليم:  “لقد حرموني من المدرسة بعد حصولي على شهادة التعليم الثانوي الإعدادي رغم تفوقي و حصولي على معدل جيد، رفض أبي أن أواصل الدراسة في التعليم الثانوي التأهيلي إسوة بباقي زميلاتي اللواتي سمح لهن آباؤهن بذلك، لقد قال لي: لا داعي لاستكمال الدراسة، فمكان البنت هو البيت . يكفي أنك درست حتى الثالثة اعدادي،..”

و عند ربطنا الإتصال بأبيها و استفساره عن السبب الذي جعله يحرم ابنته من مواصلة الدراسة قال: 

” أنا لست مع التمييز بين الذكور و الإناث في هذه المسألة، وكل ما في الأمر  أن ظروفي خاصة، و لا أريد أن تبتعد عني ابنتي الوحيدة، المدينة بعيدة و أخشى أن تتعرض ابنتي لمكروه ما. فالبنات عندما يبتعدن عن رقابة أهلهن تسوء تربيتهن و يسلكن مسارات خاطئة…”

 

و في حوار مع بعض الفاعلين بالمنطقة، أكد الفاعل الجمعوي و المتتبع للشأن التربوي الأستاذ خالد أكرسول “أن هناك مجموعة من المكتسبات الدستورية و القانونية التي خولت للفتاة حقها الأساسي في التعلم، فدستوريا يؤكد دستور 2011 على المساواة بين الجنسين في الحقوق و الواجبات و ضمن هذه الحقوق حق التعليم، أما من الناحية القانونية فالقانون المغربي يؤكد على إجبارية التعليم إلى حدود 16 سنة” و أضاف ” رغم كل ذلك، يلاحظ أن تمييزا سلبيا ما زال يمارس على الإناث و خصوصا في المجال القروي و تبعات هذا التمييز السلبي ضد الإناث هو حرمانهن من حقهن الدستوري في التمدرس”.

 

أما الفاعل الجمعوي و التربوي عبد الرحيم صوفيان فيرى “أن المنطقة شهدت تحسنا نسبيا في تمدرس الفتيات و خفت ظاهرة الهدر المدرسي بشكل ملحوظ، و يعود ذلك إلى تزايد الوعي لدى الأسر بأهمية الدراسة بالنسبة لأبنائها، هذا فضلا عن المبادرات التي اتخذتها الدولة مؤخرا في ما يخص تشجيع الآباء على إلحاق أبنائهم و بناتهم بالمدرسة، فعلى سبيل مثال المنح المالية “تيسير “و كذلك إقامة الثانوية الإعدادية و دار الطالبة بمركز الجماعة و  تعزيز أسطول النقل المدرسي ببعض المناطق ساهمت بشكل أو بآخر في الحد من هذه الظاهرة، لكن رغم هذه المكتسبات فبعض المناطق النائية مازالت هذه الظاهرة منتشرة فيها بشكل مقلق، فهناك دواوير لا تلتحق إلا نسبة ضئيلة من أبنائها بالدراسة بالمستوى الإعدادي بعد الحصول على الشهادة الإبتدائية، نظرا للبعد عن المركز حيث تتواجد الثانوية الإعدادية و كذا غياب النقل المدرسي، إضافة إلى غياب الوعي لدى الكثير من الأسر بكون المدرسة هي المكان الأنسب للطفل، إذ تفضل دفع الذكور للرعي و العمل في الحقول، أما الإناث فيجبرن على جمع الحطب و العشب للبهائم و المواشي و الأعمال المنزلية في انتظار من يتقدم لهن للزواج…”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *