متابعات | هام

محللون: هذه أسباب وخلفيات “بلوكاج” تشكيل الحكومة

لأزيد من شهرين يستمر “البلوكاج” (العرقلة) في تشكيل الحكومة المغربية، وسط آراء وأسئلة تتعلق بأدوار محتملة لمقربين من القصر الملكي في الوصول إلى حالة الانسداد الحالية.

وتوقفت -إلى حد الآن- مشاورات تشكيل الحكومة المغربية، لتستمر حالة انتظار الحكومة الجديدة، بعد إعلان رئيس الحكومة المعين، عبد الإله بنكيران، في بيان له مساء الأحد 8 يناير ، إنهاء المشاورات مع رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش بشكل خاص، وكذلك الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، أمحند العنصر.

وجاء رفض بنكيران الاستمرار في المفاوضات مع هذين السياسيين، بعد ساعات قليلة منخروج أحزاب التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري، ببيان مشترك تعلن فيه رغبتها في العمل المشترك للوصول إلى ائتلاف حكومي.

 

هل فشل بنكيران أم تم إفشاله؟

 

سؤال يتردد في الأوساط السياسية المغربية: هل فشل بنكيران أم تم إفشاله؟

يرى المعطي منجب، المحلل السياسي والمؤرّخ في جامعة محمد الخامس بالرباط، أن “عبد الإله بنكيران قوي بشعبيته وباستقلاله وباحترامه للدستور. ولذلك، ما جاء في بيانه الذي عبّر فيه عن انتهاء المفاوضات مع أخنوش خاصة، يعني أن رئيس الحكومة المعيّن يريد التحاور مع القصر الملكي مباشرة، أو بمعنى آخر: هذا الموقف هو مطالبة من بنكيران للقصر بالشفافية”، حسب تعبيره.

واعتبر منجب أن “هناك تلاعباً وربحاً للوقت؛ أولاً لإضعاف بنكيران، ولفرض كل شروط السلطة عليه، ولإظهاره تابعاً لا يستطيع فعل شيء دون مساندة القصر”.

في المقابل، اعتبر يونس مجاهد، الإعلامي والمحلل السياسي، أن “بنكيران لا يتمتع بأي شعبية؛ لأنه لو كانت فعلاً لحصل حزب العدالة والتنمية على الأغلبية المطلقة، وهو ما لم يحدث”.

وأوضح مجاهد أن مسألة الشعبية هذه محدودة جداً لدى رئيس الحكومة المعين، وهو ما يتبيّن من خلال الإحصاءات، فالذين عبروا عن أصواتهم في الانتخابات الأخيرة وصل عددهم إلى 7 ملايين، لكن حزب العدالة والتنمية لم يحصل منها سوى على أزيد من مليون فقط.

كما يرى أنه ليس هناك ما يفيد، في إطار مشاورات تشكيل الحكومة، بأن حزباً ما يريد إفشال رئيس الحكومة المعين في مهمته. وتابع مجاهد، أن بنكيران كان أمامه خيار 4 أحزاب لتشكيل أغلبية مريحة، لكنه رفض، فلو قبل بها لتشكّلت الحكومة.

ويوضح أن الأسئلة التي على بنكيران أن يجيب عنها، هي مثلاً: “لماذا يرفض الحديث مع الأحزاب التي تخالفه الرأي؟ ما الدواعي الدستورية والسياسية والأخلاقية التي يعتبرها وجيهة وتبرر رفضه لأن يتخذ أي حزب موقفاً معيناً من الأغلبية الحكومية، ويدافع عن رأي غير الرأي الذي يتبناه رئيس الحكومة؟ هل الخلاف حول تشكيلة الأغلبية الحكومية وعدد الأحزاب المشاركة فيها، خيانة ومؤامرة وبلوكاج (عرقلة) وانقلاب؟”.

وأضاف أن الأحزاب الأربعة قادرة على جعله يشكل حكومة قوية، “هل مثل هذا الخلاف مبرر لإنهاء الكلام، كما أعلن ذلك رئيس الحكومة؟”.

من جانبه، أكد إبراهيم الشافعي، الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري، ورئيس المركز المغربي للدراسات القانونية والسياسات العمومية، أن “ما لا يمكن إنكاره، في إطار المشهد السياسي المغربي اليوم، المفتوح على جميع الفرضيات، أن جهود بنكيران في محاولته تشكيل الحكومة لم تكن بالأمر السهل؛ بل واجه مجموعة من العقبات، أبرزها اضطراره إلى التخلي عن حزب الاستقلال مُكرهاً، (أي بعد تصريحات زعيمه حميد شباط عن موريتانيا، والتي كادت أن تخلق أزمة بين البلدين)”.

وقال رئيس المركز المغربي للدراسات القانونية والسياسات العمومية إن “مقتضيات دستور 2011 كانت صريحة فيما يتعلق بتشكيل الحكومة، لكن الأزمة الحقيقية هي أزمة الممارسة الديمقراطية لدى الأحزاب السياسية المغربية”، حسب تعبيره.

 

ورقة “الأحرار”.. حصار الحزب الأقوى

بالنسبة لعبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة “القاضي عياض” بمدينة مراكش، فإن “حزب التجمع الوطني للأحرار يقود أحزاباً فشلت في الانتخابات، مثل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي جاء في المرتبة السادسة بـ20 مقعداً، والاتحاد الدستوري في المرتبة السابعة بـ19 مقعداً، ليس لإشراكها في الحكومة وإنما لإبعادها عن حزب العدالة والتنمية؛ حتى يترك الحزب من دون الأغلبية اللازمة لتشكيل الحكومة”.

وهذا يعني أن بنكيران لن يستطيع تشكيل الحكومة إلا إذا تدخلت المؤسسة الملكية أو المحيط الملكي، بالطلب من حزبي التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية، تيسير المهمة وفك ارتباطهما بحزبي الاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري، حسبما يرى العلام.

وزادت صعوبة مهمة حزب العدالة والتنمية لتشكيل الحكومة عندما تخلف حزب الاتحاد الاشتراكي عن وعده، إذ كان قد وعد رئيس الحكومة المعين في الجولة الأولى من المشاورات بتيسير مهمته في تشكيل الحكومة، لكنه انقلب عليه ليصطف مع حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة عزيز أخنوش.

الأمر نفسه عبّر عنه المعطي منجب، المحلل السياسي والمؤرخ بجامعة محمد الخامس بمدينة الرباط،؛ إذ اعتبر أن كل ما يقع اليوم فيما يتعلق بالعرقلة التي تواجه بنكيران في تشكيل الحكومة “لا علاقة له بحصار الإسلاميين؛ بل هو حصار للحزب الأقوى على المستوى الشعبي أياً كانت أيديولوجيته، مقارنة بأحزاب صغيرة تأتمر بأوامر السلطة، وهو الأمر ذاته الذي وقع عامي 1997-1998 لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”.

وأوضح منجب أن “المشكلة الأساسية تكمن في النظام الانتخابي، الذي لا يسمح فيه بأن يصل أي حزب إلى الأغلبية المطلقة، لكي يتمكن القصر من التحكم في تشكيل الحكومة”. فنظام الانتخابات باللائحة أو القائمة المعتمد في المغرب، يبدو أنه لا يسمح بتشكيل أغلبية متجانسة في البرلمان؛ لكونه لا يعطي إمكانية الفوز بأكثر من 80 مقعداً بالبرلمان لكل حزب قوي أو كبير من أجل 325 مقعداً في مجلس النواب.

فيما قال عبد الرحيم العلام، إن “السياسة في المغرب ارتكزت منذ أواخر الخمسينات على إضعاف أي فاعل سياسي قد ينافس المؤسسة الملكية، ومنذ تلك الفترة بدأ مسلسل إفشال الأحزاب السياسية والتضييق عليها بخلق كيانات جديدة لتشتيتها؛ لأن وجود أحزاب سياسية قوية يضعف من قوة المؤسسة الملكية”.

فشل الرهان على الانتخابات

“كان هناك مخططان للدولة؛ الأول يتعلق بتسخير تأثير السلطة والإدارة، لهزيمة (العدالة والتنمية) وضمان تصدّر حزب الأصالة والمعاصرة، لكنهم فشلوا في ذلك. ثم تحوّلوا إلى المخطط الثاني، وهو إما أن يترأس بنكيران الحكومة، وإما أن يترك الرئاسة لصديق الملك الجديد عزيز أخنوش”، هكذا يرى المعطي منجب.
الرأي نفسه يذهب إليه عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، بتأكيده أن حزب الأصالة والمعاصرة (حصل على المرتبة الثانية بالانتخابات الأخيرة)، تم استخدامه لكسر تصدّر حزب العدالة والتنمية للانتخابات التشريعية، فيما كانت وظيفة حزب التجمع الوطني للأحرار، هي كسر هيمنة حزب العدالة والتنمية على الأغلبية الحكومية.

ما بعد 2011.. نوع من التراجع

ما يحدث اليوم في المشهد السياسي المغربي، خصوصاً بعد الانتخابات التشريعية، ومفاوضات تشكيل الحكومة، يعكس التوجه العام للدولة إلى الرجوع بالمشروع الديمقراطي إلى ما بعد دستور 2011. وهو ما يفسره عبد الرحيم العلام معتبرا أنه في 2011 كان هناك نوع من الرهبة مما يحدث في العالم (في إشارة إلى الربيع العربي)، فاضطرت حركة 20 فبراير ونصيحة بعض المستشارين الملك إلى تعديل الدستور، حسب قوله.
لكن اليوم، بحسب العلام، “فهناك من يرغب في أن يحمّل مسؤولية هذا التسرع في التعديل الدستوري لمستشارين معيّنين، ويريد أن يتخلص من كل ما حدث؛ لذلك جاء الدستور وجاءت القوانين التنظيمية وأفرغت التعديل من محتواه، ثم جاءت الانتخابات التي تصدرها (العدالة والتنمية)، ولكن معضلة التحالف الحكومي أفرغها من محتواها”.

ويضيف أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري: “كما أنه في لحظة من اللحظات كان هناك حاجة إلى تنظيم انتخابات مجلس المستشارين (وهي انتخابات جرت في الثاني من أكتوبر 2015)، فتم تأجيلها حتى تخفت نار (العدالة والتنمية) أو قوة هذا الحزب، ومع ذلك استطاع الإسلاميون أن يتصدروا الانتخابات، لكن في التحالفات أخذ منه ما لم تأخذه الانتخابات”.

 

تشكيل الحكومة.. سيناريوهات

 

يرى عبد الرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية والقانون بجامعة القاضي عياض بمراكش، هناك 3 سيناريوهات بعد المستجدات الأخيرة، “أولها، اقتناع الأحزاب الأربعةـ، المصدرة للبيان، بأنه كان خاطئاً، ومن ثم فتحها لقنوات اتصال جديدة مع بنكيران”.

السيناريو الثاني يتعلق باستمرار أصحاب البيان المشترك على موقفهم، ما يعني تدخل مستشاري الملك في المشاورات، وسعيهم إلى تقليل الخلاف بين أخنوش والعنصر من جهة وبنكيران من جهة ثانية بما يمكّن الأخير من تشكيل الحكومة وفق المخطط الذي أعلن عنه سابقاً، أي الحفاظ على الائتلاف الحكومي الحالي.

بينما يكمن السيناريو الثالث (وهو سيناريو غير منصوص عليه في الدستور) في إعادة الانتخابات؛ إذ يستحيل أن يعيّن الملك شخصاً من داخل “العدالة والتنمية” غير بنكيران؛ لأن الحزب متوافق على ترشيحه لرئاسة الحكومة، وعدم إمكانية تعيين شخص من حزب آخر لترؤس الحكومة؛ بما أن ذلك يخالف الدستور.

كما أشار إبراهيم الشافعي، رئيس المركز المغربي للدراسات القانونية والسياسات العمومية، إلى أن الفصل الـ47 من الدستور، “لم يتطرق إلى حالات محتملة عديدة مثل الحالة الحالية أو حالات أخرى، والحالة الوحيدة التي نص عليها الدستور أصبحت متجاوَزة زمنياً مباشرة بعد تكليف عبد الإله بن كيران تشكيل الحكومة”، وذلك بعدما نص الدستور صراحة على أنه “يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها”.

وأضاف أنه من الناحية الدستورية، “فإن رئيس الحكومة المكلف في حال فشله في تشكيل الحكومة يعيد مفاتيح تشكيل الحكومة إلى رئيس الدولة (الملك) وهو وحده من له سلطة تقدير الوضع ومن خلاله إيجاد الحل الذي يراه مناسباً للبلد، إن كان تكليف شخص ثانٍ من حزب العدالة والتنمية، وهو أمر مستبعد؛ لما يعرفه هذا الحزب من توافق، أو الذهاب إلى انتخابات جديدة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *