الواجهة | وطنيات

خبير : مصادقة المغرب على وثائق الاتحاد الإفريقي لاتعني الاعتراف بالبوليساريو

ظهرت أصوات تصدح تخوفا من اتخاذ أو تكييف مصادقة المغرب على ميثاق الاتحاد الإفريقي كإقرار منه بـ”الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”، المعلنة من جانب واحد من قبل البوليساريو، والتي لا تلزم المغرب، ولا الدول الأفريقية، ولا دول العالم، ولا منظمة الأمم المتحدة.

وبغض النظر عن دوافع الإعلان من داخل البوليساريو، التي تحاول الترويج لذلك الاستنتاج، لعلها تُثني المغرب، بكل الوسائل، عن قراره بالانضمام، والبقاء خارج الاتحاد الأفريقي، أو دافع الغيرة الوطنية لدى المغاربة، وخوف البعض منهم على مصالح بلدهم، ووحدة أراضيه؛ فإن مصادقة البرلمان المغربي على تلك الوثائق، وتتمة أطوار وحلقات المصادقة، لا تحمل إقرارا من المغرب بالبوليساريو كدولة، ولا تبوئ الأخير كصاحب حق، ولا تعطيه شرعية، ولا تمنحه الصفة في أي شيء، لعدة اعتبارات تتأرجح بين الواقع والقانون.

ولا شك أن الجميع في المغرب، كما في الجزائر، يتطلعون إلى القمة الإفريقية المقبلة لمعرفة كيفية وطبيعة تعاطي الدول الإفريقية في إطار التحالف المناوئ للإخطار المغربي، وهي أقلية، لما سيشكله هذا الطلب المغربي من مناسبة وفرصة لمرافعاتها، وتركيزها على دعوة المغرب إلى الاعتراف بكل أعضاء الاتحاد الأفريقي كدول مستقلة، وإشهاده بالتزامه باحترام سيادتها، بما فيها البوليساريو، بالاستناد إلى أنها عضو في الاتحاد الأفريقي تحت اسم “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”.

وسيبرر هذا الفريق ما ذهب إليه بالاستناد إلى مقتضيات الفقرة “باء” من المادة الرابعة من ميثاق الاتحاد الإفريقي، التي توجب احترام ومراعاة الحدود الموروثة عن الاستعمار؛ كما لن يتورع عن مطالبة المغرب بإجراء تعديل في الخريطة الذي يتقدم بها للعضوية في الاتحاد الإفريقي، بادعاء أسبقية قبول عضوية البوليساريو في الاتحاد بجزء من الخريطة المقدمة؛ ولن يتردد في إشهاد المملكة على قبولها والتزامها بسابق قرارات الاتحاد الإفريقي والتعاون معه من أجل تنفيذها.

وتجدر الإشارة إلى أن إخضاع عضوية الدول للمناقشة غير منسجمة مع ميثاق الاتحاد الإفريقي، لأن في ذلك مسا بمبدأ مساواة الدول في السيادة، الذي تكرسه الفقرة “ألف” من المادة الرابعة، وتجسده خصوصية طبيعة مسطرة العضوية المشار إليها في المادة 29 من ميثاق الاتحاد الإفريقي، التي تجعل منها عددية، وليست تقريرية؛ فبالأحرى خروج النقاش عن موضوع التصويت على قبول العضوية من عدمها فقط.

وقد يوجه تساؤل للمغرب في إطار مبدأ الحفاظ على الحدود الموروثة عن الاستعمار، الذي جعل منه الاتحاد الأفريقي سبيلا لاتقاء مجموعة من نزاعات قارية حول الحدود، عن طريق الحفاظ على الحيازة الجارية عند الاستقلال. وهذا المبدأ لا يتضرر منه المغرب في علاقة بالبوليساريو، كما لا ينفع الأخير في شيء، لأنه لم يكن له وجودة قبل الاستعمار، ولا عند جلائه.

وتشهد لوائح الأمم المتحدة أن تسجيل الإقليم في لائحة الأقاليم غير المتمتعة بالاستقلال سنة 1963، عندما كان يرزح تحت الاستعمار الأسباني، كان بسعي من المغرب، الذي كان يطالب وينازع ويقاوم إسبانيا به. وذلك التقييد والتسجيل المغربيين تم قبل أي ولادة لحركة البوليساريو بعقد ونيف من الزمن.

فلأي كيان سيعترف المغرب بالوجود أو بالحدود!؟، فهو الماضي ما قبل الاستعمار والمقاوم له، وهو الحاضر لما بعد الاستقلال الذي استرجع الإقليم وسُلِّمَ له، وهو مستقبله اللصيق بحاضره، والمستند إلى التاريخ وشرعية الروابط والإرادة بالقبول والرضاء.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن جل الدول الأفريقية لا تعترف بالبوليساريو “كدولة”، ولا يشكل ذلك سببا في حرمانها من عضوية الاتحاد الإفريقي، ولا طولبت بتوفير إشهاد بالاعتراف بها. كما أن اكتساب البوليساريو لعضوية الاتحاد الأفريقي لم يرقيه في باقي المنظمات الدولية، ولا لدى جميع دول العالم، إلى أكثر من وضعه الحالي، كحركة انفصالية تنازع المغرب على الإقليم، ويتفاوض معها تحت إشراف الأمم المتحدة المختصة حصرا.

فكيف تشكل مصادقة المغرب على ميثاق منظمة قارية أفريقية استثناء وسط الدول الأفريقية؟.

والقول إن مصادقة المغرب وحده قمينة بتكييفها كإقرار واعتراف منه بالبوليساريو “كدولة”!، واختزال هذا التنظيم القاري المؤسسي الإفريقي وكأنه خلق وأنشئ خصيصا لصالح وفي خدمة صناعة وفبركة “دولة” لحركة انفصالية اسمها البوليساريو، هو العبث والتزييف والتزوير نفسه..

ذلك أن الاتحاد الأفريقي نفسه لا يعترف بالبوليساريو كدولة، بالنظر إلى مساهمته في إطاره القديم (منظمة الوحدة الإفريقية) بنقل ملف النزاع إلى منظمة الأمم المتحدة، وبسعي من بعض دوله، في إطار لجنة المساعي الحميدة من جهة، ولكون قراراته الآنية في علاقة بالموضوع منصبة ومستمرة في توجيه طلب إلى الأمم المتحدة لتحديد موعد للاستفتاء من جهة أخرى.

وهذا ما يجعل الاتحاد الأفريقي وأعضاءه، وحتى الأشد تطرفا، الموالين للبوليساريو والجزائر، يقرون بأن وضع إقليم الصحراء غير نهائي، وإن وصف البوليساريو بـ”دولة” في الاتحاد الإفريقي تعسفي، واعتباطي، وسابق لأوانه، وتجاوز للأمم المتحدة، وللواقع الذي يجعل مركزها الحقيقي لا يتخطى كونها حركة انفصالية، تدير مخيمات اللجوء، بتفويض من دولة اللجوء الجزائر، ضدا على مبادئ القانون الدولي.

وإن في تسليم الاتحاد الأفريقي بعدم نهائية وضع الإقليم الذي يقر به تصرفا، بمقتضى الطلبات التي يوجهها للأمم المتحدة لتحديد موعد للاستفتاء، والذي يتناقض معه تنظيميا باعترافه بالبوليساريو كـ”دولة”، رغم ما يفترضه ويحتمله مستقبل الإقليم، ولو نظريا بين الانضمام، والوحدة مع المغرب القائم، أو الحكم الذاتي، الذي تطرحه مبادرة المغرب، أو الاستقلال الذي تريده البوليساريو، يعتبر محاولة من الاتحاد للتأثير على عمل الأمم المتحدة، التي تنظر إلى كون حل النزاع سياسي، باتفاق وتوافق الطرفين عليه.

ولا يجد الاتحاد الأفريقي نفسه وحيدا في هذا الاعتراف بعدم نهائية وضع الإقليم، وفي تناقض معه باستباق الأمور والاعتراف بالبوليساريو، بل إن البوليساريو نفسه يسقط فيه، إذ إن مبادرته المقدمة إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 9 أبريل 2007، والذي مازال يتمسك بها، ويدافع عنها، يطرح فيها الاستفتاء، الذي ينفتح على الخيارات الثلاث!!. فكيف سيطلب بعض أعضاء الاتحاد الأفريقي من المغرب الإشهاد بالقبول بأكثر من مطالبات البوليساريو نفسه؟ أكثر مما تقر به لوائح وقرارات الأمم المتحدة؟ وبأكثر من الاتحاد الأفريقي نفسه!؟

أما في ما يخص التخوف من احتمال إحداث الطلب المغربي لانقسام وشرخ بين الدول الأفريقية، فذلك لا يحرم المغرب من العضوية، في حالة استيفاء طلبه للنصاب بالأغلبية البسيطة من الردود بالموافقة، والتي تعدت المطلقة، ولا يخشى منه زعزعة أركان الاتحاد الأفريقي، لأن تعدد الإرادات بديهي في احتمال تباين في مواقفها وأفكارها؛ والعبرة في تدبير هذا الاختلاف، وليس بالهروب، والفزع منه.

وإن حضور المغرب، وصيانة حقه في الدفاع عن نفسه داخل الاتحاد في القضايا التي تعنيه، أفضل من اتخاذ قرارات بإجماع مريب، وتوافق مشكوك فيه من قبل الجميع، بما فيها تلك التي شاركت فيه؛ ولأن أوراق الاتحاد الأفريقي افترضت حدوث الاختلاف، ولم تجعل منه معطلا ولا مؤجلا للقرار، بل حددت طريقا لاتخاذه عبر آلية التصويت، واعتماد نسب الأغلبية حسب نوعية كل نقطة مناقشة للخروج بحل وخلاصة.

*محام بمكناس، خبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *