متابعات

للتذكير مرة أخرى مخيمات تندوف… جحيم في الصحراء

تقع مخيمات تندوف التي تحمل نفس اسم المدينة المتواجدة بها بعمق الصحراء الجزائرية في جنوبها الغربي على الحدود مع الأقاليم الجنوبية للمغرب وشمال موريتانيا، وتضم المخيمات التي أنشأتها جبهة”البوليساريو” بمساعدة جزائرية في سبعينات القرن الماضي حين كان المغرب منشغلا باسترجاع أراضيه الجنوبية من المستعمر الإسباني واقتادت إليها المئات من المواطنين الصحراويين المغاربة ووزعتهم على أربع مخيمات، وأعلنت أنهم “لاجئون” بينما يعتبرون أنفسهم مُحتجزين.

يصف محتجزون سابقون لدى جبهة البوليساريو، مخيمات تندوف بـ “الجحيم”، وذلك في إشارة إلى حجم العذاب الذي يتعرض له “الرهائن الصحراويون” في تلك المخيمات، فعلاوة على قساوة المناخ الصحراوي الحار أغلب فترات السنة والبارد ليلا في فصل الشتاء، وطول سنوات الانتظار بالمصير الموعود، تبقى الإجراءات الصارمة التي تفرضها قوات البوليساريو على السكان أكثر ما يضايقهم وتجعل حياتهم جحيما لا يطاق،  حيث إن العناصر المسلحة التابعة لجبهة البوليساريو لا تغادر صغيرة ولا كبيرة في شؤون السكان الصحراويين إلا وتدخلت فيها.

ووفقا لشهادات لعائدين من هذه المخيمات، فإن أبسط الحقوق لا يتمتع بها سكان المخيمات الأربعة، ومن بينها السكن اللائق، حيث يؤكد الهاربون أن سلطات جبهة البوليساريو لا تراعي النمو الديمغرافي إذ أن أغلب المحتجزين لا يزالوا حبيسي خيمة يتيمة رغم مرور أزيد من 40 سنة، ولا تسمح لهم الظروف المادية الصعبة من إضافة مسكن آخر لاستيعاب نمو الأسر والعائلات، و لا تبادر البُوليساريو ببناء منازل أخرى لمواكبة التزايد السكاني، الأمر الذي جعل كثير من الأسر والعائلات عُرضة للتشرذم.  

وحسب شهادات العائدين إلى المغرب، فإن السفر إلى أي مدينة في الجزائر يخضع لرقابة شديدة، تتطلب من الراغبين في ذلك لإذن مشترك موقع من طرف سلطات البوليساريو والجزائر، وتُؤكد تلك الشهادات بأن تصريح التنقل لا يُمنح لأي كان وإنما يتم على أساس شروط ومعايير تُحددها السلطات القائمة بالمخيمات، ولا تنتهي معاناة المسموح لهم بالتنقل عند هذا الحد، ذلك أن الجيش الجزائري يقيم نقاط مراقبة وتفتيش على الطريق الخاص الذي يسلكه المسافرون الصحراويون.

صور أخرى من داخل تندوف

كشف تقرير للجنة الأمريكية لشؤون اللاجئين والمهاجرين، عن تورط قادة جبهة البوليساريو الانفصالية في قضايا يُجرمها القانون الدولي تتمثل في الاستغلال والعنف الجنسي والتعذيب والتجارة في الأطفال، وحسب ذات التقرير فإن ممارسات الاستغلال تتمثل في نهب المساعدات الإنسانية التي ترسلها المجموعة الدولية لسكان المخيمات وتبيعها في أسواق الجزائر ومالي وموريتانيا.  

وفيما يخص التعذيب فقد كشفت شهادات العائدين من تندوف عن عدة أنواع أبرزها؛ الاعتقال التعسفي والاستغلال الجنسي للنساء، وكشف أحمد ولد فاضل ولد علي سويلم أحد الفارين من مخيمات جبهة البوليساريو سنة 2010، أن داخل المخيمات تتواجد مديريات للأمن يتم داخلها استنطاق الأشخاص بعد اختطافهم وتصفيتهم جسديا دون التحقيق معهم أو التعرف على هوياتهم.

وتمتد الممارسات اللاإنسانية والمخالفة لكل الأعراف والقوانين في حق السكان الصحراويين إلى الاعتداء الجنسي على النساء والفتيات، وحسب تقارير منظمات حقوقية زارت مخيمات المحتجزين بتندوف، من بينها منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن المرأة الصحراوية تتعرض لظاهرة الزواج القسري وتغتصب براءتها وتُستغل في البغاء وفي أعْمال إباحية، وتُؤكد هذه المُعْطيات شهادات حية لعائدات من تندوف كشفن في تصريحات صحفية أنهن تعرضن للاغتصاب من قبل مسؤولين بالبوليساريو، وتعرض فتيات كثيرات بعد بُلوغهن سن الرشد لنفس الاعتداء، وأكدن أن مسؤولي البوليساريو يُرغمون الفتيات في كثير من الأحيان على الرضوخ لرغباتهم الجنسية مقابل تلبيتهم احتياجاتهن الأساسية.

ترحيل وتهجير الأطفال..

تبقى التجارة في الأطفال وتهجيرهم إلى إسبانيا أو ترحيلهم إلى كوبا للتدريب العسكري والتكوين الإيديولوجي المعاناة الأبرز للأسر والعائلات الصحراوية بتندوف، حيث يقضي أبناءهم سنوات طويلة بعيداً عن العائلة ورقابتها وتنشئتها الدينية والثقافية، وحسب بعض الإحصائيات فإن حوالي 6 آلاف طفل صحراوي ذهبت بهم قيادة البوليساريو إلى كوبا من أجل الدراسة والتدريب على السلاح.

وَلَئنْ كان في الماضي تنظر بعض العائلات الصحراوية بقلق كبير إلى مستقبل أبنائها الذين يُرحلون لمعسكرات التدرب والقتال، فإنه في الوقت الحاضر يسود داخل المجتمع الصحراوي بمخيمات تندوف جدل أخلاقي واجتماعي بسبب خروج مئات من الأطفال كل عام إلى مخيمات الاصطياف تنظمه إسبانيا في إطار برنامج تُطلق عليه “عُطل في سلام”، وذلك بسبب أن كثيرا من هم يهرب ويقضي سنوات طويلة قبل أن يعود إلى حضن عائلته بينما يسقُط آخرون في أيدي مافيات المخدرات أو تجار البشر أو شبكات التنصير والتي ركزت نشاطها على الأطفال الصحراويين ما يجعلهم عُرضة للتبشير وتغيير دينهم الإسلامي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *