آراء

الإنقلاب

بعد أن “شمع” المركز المغربي لحقوق الإنسان فرعه بسيدي افني الذي طالما “فرع  الراس”  ببياناته المسيسة في اتجاه معاكس تماما  لما تريده الرسالة الحقوقية التي تسمو فوق كل الانتماءات، حري بنا أن نحتفل بدخول القانون من بوابة حقوقية في انتظار أن يشمل باقي المجالات التي تضج بالعبث والفوضى هنا والآن.

فقد ظل هذا الفرع، الذي غادر موقعه الطبيعي منذ مدة، يوفر الغطاء الكافي لمسلسل العبث دون أن ننسى أن البعض أراد له أن يكون فزاعة في الحقل السياسي، وليس الحقوقي،  لإبعاد نسور القانون وثنيها عن   استهداف و تهديد  حدائقه السرية.

لذلك فلا يسعنا في الحقيقة إلا أن نحمد الله ونثني عليه بعد هذا الفتح الجديد في الساحة المحلية،  والذي أغلق إحدى المواقع التي كثيرا ما فتحت الباب لدخول تيار الفوضى غير الخلاقة.

وهذه مناسبة كذلك للنشطاء الحقوقيين الحقيقيين لاستعادة هذا المكان و استثمار  المكسب الجديد  من  أجل إعطاء دفعة قوية للعمل الحقوقي الجاد، وإعادة الاعتبار للمستوى المشرق الذي ظهرت به الفعاليات الحقوقية خلال محطات مشهود لها بالوقوف الى جانب القضايا العادلة، وليس ما صار عليه الوضع من انقلاب على الشرعية النضالية و رسم خارطة طريق فاشلة في الميدان.

فالتحديات التي تطفو من حين لأخر، محاولة استعادة ورقة الضحك على الذقون  وإعادة قاطرة بناء المجتمع المدني الى الوراء، تستدعي في الحقيقة  تجنيد العقلاء الذين لا يخشوا في الحق لومة لائم كي لا يتم إسقاط  منبر الرأي الآخر الذي يملك الحق في الوجود و إسماع صوته في القضايا المحلية  التي تشغل بال المواطنين و تحميهم من تسرب دعوات  التطبيل لكل قادم بجلباب رسمي.

لقد مرت الأيام والسنين وتأكد للجميع الآن بأن مخطط الانقلاب التدريجي تم في الميدان الافناوي مستعملا، في خطواته الأولى، بلطجية كان دورهم الأساس هو بث كل صور التمييع قبل أن يمهدوا  الطريق، لاحقا، لقيادة رعناء  استحلت  المشهد المؤقت ظنا منها انها تحسن عملا.

ولهذا كان من الطبيعي أن يفرغ الشارع نهائيا من أي صرخات تطالب، في لحظة غضب مشروع، باحترام الخطوط الحمراء التي يسعى  البعض الى تجاوزها في ضوء مبررات واهية  معولا على انشغال الرأي العام  بالأمل في  تصحيح المسار.

ولعل أحد ابرز القضايا التي يجب على الجميع اليوم أن يتنبه لها هو ما أصبحت تعرفه الساحة المحلية من تغول سواء  لمنتخبين أو  مسؤولين  كالنائب الإقليمي لوزارة التربية الوطنية الذي سمح لنفسه بأن يستهدف ذاكرة المدينة من خلال تحضيره لصفقة هدم مؤسسة الحسن الأول، التي تصنف ضمن لائحة البنايات التاريخية المحلية،  علما أن إمكانيات الترميم شيء ممكن للحفاظ على قيمتها التاريخية  التي  لن  يعوضها أي بناء جديد.

فحينما  ينظم  في طنجة، مثلا،  منتدى دولي من أجل حماية البنايات الكولونيالية  تسهر على تغطيته القناة الثانية، ويعكس حجم الحضور  الرغبة الرسمية في حماية التراث الوطني الموروث عن الحقبة الاستعمارية، بينما يتم إضفاء حالة من المشروعية على أي مبادرة تستهدف  الذاكرة المحلية  في سيدي افني فهذا ما ينحدر الى مستوى الاحتقار والاستخفاف بالذكاء والذاكرة في ان واحد.

ألا يعلم النائب الإقليمي لوزارة  التربية الوطنية، الذي سخر، بالمناسبة ، خلال اجتماعه في الفندق ببعض الفاعلين، أو بالأحرى  المفعول بهم، محليا،  من كون مؤسسة الحسن الأول بناية تاريخية، أن الكثير من البنايات التي يجري الآن ترميمها في طنجة والدعوة الى حمايتها، وتعتبرها الجهات الرسمية بنايات تاريخية، قد  تأسست في نفس المرحلة  التي رأت فيها النور جميع البنايات  في سيدي افني، أي في الاربعينيات والخمسينيات من  القرن الماضي؟

علينا اليوم أن نكون واضحين  أكثر من أي وقت مضى، ونصرخ للمرة الألف مطالبين بتوقيف هذا  المشروع الهدام الذي يقوده نائب التربية في انقلاب واضح على خطط الدولة  في  باقي المدن المغربية حيث يتم تنظيم التظاهرات الدولية من أجل حماية التراث المعماري.

فإذا كان النائب الإقليمي أعمى عن رؤية الحقائق التاريخية، ومعولا على صمت  بعض الفعاليات السمعوية التي باركت خطوته بصمتها المعهود  في احد فنادق المدينة، فحري بعامل  الإقليم أن يخرج عن صمته  مترجما أقواله الى أفعال تُقيد يد العبث الذي يبدو أنه  يسير باتجاه القضاء على ما تبقى من اللوحات الفنية التي تشكل الجانب  المشرق من  التراث المعماري  للمدينة.

 أما إذا كان عامل الإقليم، هو الآخر،  لا يرى مانعا في أن تتحرك “الطراكس” صوب هذه البناية المصنفة   ضمن لائحة البنايات  المقترحة  كتراث وطني، ويفضل، مقابل ذلك، أن يغض الطرف حتى  ”تطيح” الصومعة ليبدأ، بعد ذلك،  في  البحث  عن “الحجام”، فما يجب فعله الآن هو عدم تضييع المزيد من الوقت والتحرك الى جانب كل الفعاليات الحقيقية للتنديد بهذه المعايير المزدوجة التي يتم التعامل بها معنا دون الآخرين.

فانتظار ردود فعل  من قبل  منتخبين  استمرؤوا الجلوس على كرسي “التمثيلية” هو حتما رهان خاسر، فلطالما كانوا يبدون حرصهم المزعوم على الذاكرة والتاريخ أثناء تنقيبهم عن موارد إضافية للأصوات، أما  وقد عبروا واد الشرعية  فهم يخفون اليوم  ما كانوا يبدونه بالأمس  من مواقف انقلبت، ولم تعد  سوى  جزءً من ماضي بعيد طوته صفحات النسيان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *