اقتصاد

المخطط الأخضر.. ورش كبير يستشرف مستقبل الفلاحة المغربية

يعد مخطط “المغرب الأخضر”، الذي اعتمدته وزارة الفلاحة والصيد البحري، طبقا للتوجيهات الملكية السامية، ورشا قطاعيا كبيرا يستشرف مستقبل التنمية الفلاحية الوطنية، ومسارا من أجل بناء بلد فلاحي.

ويشكل هذا المخطط، الذي أعطى انطلاقته الملك محمد السادس سنة 2008، استراتيجية و”خارطة طريق” متكاملة ومندمجة، ومحورا رئيسيا لتنمية القطاع الفلاحي بالمملكة، وتطوير فلاحة متعددة القطاعات في الأسواق المحلية والدولية.

ويهدف هذا المخطط،، بالخصوص، حسب الوزارة، إلى إعطاء القطاع الفلاحي دينامية متطورة متوازنة مع مراعاة الخصوصيات، وتثمين الإمكانات ومواجهة الرهانات المعاصرة مع الحفاظ على التوازنات السوسيو- اقتصادية، وكذا مواكبة التحولات العميقة التي يعرفها قطاع الصناعات الغذائية على المستوى العلمي.

ويأتي مخطط “المغرب الأخضر”، الذي يروم المساهمة في نمو الاقتصاد المغربي بالرفع من الناتج الداخلي الخام، وخلق فرص الشغل، ومحاربة الفقر، ودعم القدرة الشرائية للمستهلك المغربي، وضمان الأمن الغذائي على المدى الطويل، في إطار مشاريع تنموية مماثلة في المغرب، وتتمثل في مخطط (آزور) الذي يهدف إلى جلب عشرة ملايين سائح، ومخطط (إميرجانس) الذي يتمثل في استراتيجية قطاعية موجهة إلى التصدير، وكذا التنمية البشرية والقرب من المواطن (المبادرة الوطنية للتنمية البشرية)، واستراتيجية الصيد البحري وغيرها.

 

ويستند مخطط “المغرب الأخضر” على ستة أفكار أساسية تتعلق باعتبار الفلاحة كمحرك للنمو ومحفز لخلق فرص العمل، وإنعاش التصدير ومحاربة الفقر، وتبني استراتيجية متميزة ملائمة لكل فئة من الفاعلين، تقطع مع التصور التقليدي الذي يقابل بين الفلاحة العصرية والفلاحة الاجتماعية وتأخذ في الاعتبار تنوع الفاعلين وإكراهاتهم السوسيو- اقتصادية، وإعادة تنظيم النسيج الإنتاجي، وتشجيع الاستثمار، واعتماد الشراكات المربحة، وعدم استبعاد أي سلسلة إنتاج.

وتتمحور الاستراتيجية العامة للمخطط حول مقاربة شمولية وإدماجية لكل الفاعلين بمختلف توجهاتهم في القطاع الفلاحي، حيث ترتكز على دعامتين أساسيين هما الفلاحة العصرية ذات القيمة المضافة العالية، والفلاحة التضامنية.

 

فالدعامة الأولى من المخطط تهدف إلى تنمية فلاحة متكاملة تستجيب لمتطلبات السوق من خلال انخراط القطاع الخاص في استثمارات جديدة ومنصفة. وفي إطار هذه الدعامة الأولى يمكن الإشارة إلى أن المشروعين الفلاحيين اللذين دشنهما جلالة الملك محمد السادس في أبريل الماضي بالجماعة القروية آيت السبع لجروف (إقليم صفرو)، يشكلان نموذجا للمشاريع ذات الجودة والمردودية العالية المنفذة في إطار مخطط “المغرب الأخضر”، واللذين يهمان إنتاج شجرتي الزيتون والتفاح اللتين تشتهر بهما المنطقة.

 

وتتوخى الدعامة الثانية من هذا المخطط (الفلاحة التضامنية) التي تعتبر مكونا أساسيا له موجه للفلاحين الصغار على وجه الخصوص، والتي تنبني على مقاربة ترمي، بالأساس، إلى محاربة الفقر في العالم القروي عبر تحسين دخل الفلاحين الصغار، التحفيز على التحول من الزراعات ذات المردودية المحدودة إلى أنماط فلاحية ذات قيمة مضافة عالية.

 

وقد عملت الدولة، في إطار الدعامة الثانية، على تعبئة استثمارات هامة، منها ما تم توفيره عن طريق شراكات على المستوى الدولي من أجل تحويل زراعات الحبوب إلى غراسة أشجار الزيتون ومختلف الأشجار المثمرة، وذلك من أجل بلوغ مليون هكتار من الأراضي المغروسة بزراعات ذات قيمة مضافة عالية عند متم السنة الجارية.

 

وتم منذ انطلاق مخطط “المغرب الأخضر” إطلاق 80 في المائة من المشاريع المتعلقة بالفلاحة التضامنية المبرمجة إلى اليوم في المخطط لفائدة 56 في المائة من الساكنة المستهدفة.

 

وتهم هذه المشاريع استبدال الزراعات بمنتجات ذات تنافسية عالية لفائدة أزيد من 56 في المائة من الساكنة المستهدفة، حيث تم في هذا الإطار إنجاز عدة مشاريع تضامنية فلاحية همت 190 ألف هكتار لفائدة 136 ألف فلاح.

 

كما أن للفلاحة التضامنية، التي وضعها مخطط “المغرب الأخضر” ضمن أولوياته، ارتباطا وثيقا بالتنمية القروية، باعتبارها الركيزة الأساسية للفلاح الصغير، وهو ما يظهر بشكل جلي على المستوى المحلي لكافة المجالات الترابية بالمملكة، حيث تحظى الأنشطة الفلاحية بمكانة خاصة لدورها في توفير الدخل المباشر لمعظم القرويين وتحسين مستوى عيشهم.

 

ونظرا للأهمية الاجتماعية والاقتصادية التي تكتسيها المناطق الجبلية والواحات فقد تم اعتماد سياسة تروم تحسين ظروف عيش ساكنة هذه المناطق عبر تخصيص برامج تهم التهيئة المجالية وفك العزلة والإعداد الهيدرو- فلاحي والمشاريع المدرة للدخل.

 

وأولت الحكومة، في هذا الصدد، أهمية قصوى لهيكلة القطاع الفلاحي عبر إصدار عدة تشريعات همت التجميع والتنظيمات البيمهنية والاستشارة الفلاحية ومهنة المستشار الفلاحي الخاص والإنتاج البيولوجي للمنتوجات الفلاحية وتحرير نقل اللحوم، علاوة على تحديث استعمال التقنيات الجديدة المعلوماتية والتواصلية بغية تعزيز منظومة التتبع والتقييم والتواصل وترسيخ سياسة القرب مع ساكنة العالم القروي.

 

ويعتبر تثمين المنتوجات الفلاحية ركيزة مهمة وحلقة أساسية في مخطط “المغرب الأخضر” نظرا لدوره الاقتصادي والاجتماعي الهام، خاصة على مستوى خلق القيمة المضافة والتشغيل والاستثمارات. وفي هذا الصدد صادقت الحكومة، في يونيو الماضي، على مشروع مرسوم يتعلق بتنظيم أعمال التشجيع التي تقوم بها الدولة لاقتناء الأدوات الفلاحي، يهدف إلى تشجيع الاستثمار الخاص في ميدان التجهيزات ومعدات تثمين المنتوجات الفلاحية، وتمكين وزارة الفلاحة والصيد البحري من إرساء إعانات مقبولة لمجموع التجهيزات وأدوات تثمين المنتوجات الفلاحية، وذلك من خلال وضع مرسوم واحد يضم كل أنواع وحدات التثمين.

 

وقد ساهمت الثقة التي حظي بها مخطط “المغرِب الأخضر” على الصعيدين الوطني والدولي، بشكل واضح، في إنجاحِ البرامج والمشاريع الَتي تم إطلاقها، حيث مكنت التعبئة، التي عبر عنها مختلف الشركاء الماليين، منِ رصد أكثر من 12 مليار درهم لفائدة المشاريعِ والبرامج التضامنية، منها 57 في المائة على شكل قروض و43 في المائة على شكل هبات من قبل 11 مؤسسة تمويلية وطنية ودولية.

 

وفي هذا السياق تأتي استراتيجية البنك الإفريقي للتنمية لدعم القطاع الفلاحي بالمملكة للفترة 2010 – 2014، والتي تعتمد على ركيزتين أساسيتين تتمثل الأولى في دعم البنيات التحتية الفلاحية، والثانية في تدبير الموارد الطبيعية المتجددة.

 

وتشمل الحقيبة الاستثمارية للبنك لدعم القطاع الفلاحي في المغرب خمسة مشاريع في طور التنفيذ. وتخص هذه المشاريع التي تبلغ كلفتها الإجمالية 160,38 مليون أورو مشروع دعم البرنامج الوطني لاقتصاد السقي الموضعي، وبرنامج دعم مخطط “المغرب الأخضر”، وبرنامج الدعم التقني لمشروع واحات الجنوب، وبرنامج الدعم التقني لتنمية البنيات التحتية للسقي الموضعي، وبرنامج الدعم التقني لدعم المقاولين الشباب في القطاع الفلاحي.

 

وكان جلالة الملك أكد، في رسالة وجهها إلى المشاركين في الدورة 48 للجمع العام السنوي للبنك الإفريقي للتنمية التي انعقدت في مايو الماضي بمدينة مراكش، أن استمرار التعاون المتميز بين المغرب والبنك الإفريقي للتنمية دليل على ثقة البنك المطلقة في وجاهة اختيارات المملكة.

 

وتشكل السنوات الخمس القادمة محطة هامة لتحقيق التقدم المنشود، عبر العمل على توطيد المكتسبات التي تحققت في مجال الإنتاج بالنسبة لمختلف السلاسل، ومواصلة الاهتمام عن قرب بمتطلبات الفلاح الصغير في إطار الفلاحة التضامنية، وتسرِيع وتيرة الإصلاحات، خاصة تلك المتعلقة بتثمينِ المنتوجات الفلاحية وتحسين جودتها وتعزِيزِ ولوجها للأسواق الوطنية وَالدولية، وإعطاء الأولوِية للمناطق الجبلية، وتعبئة المزيد من العقار للاستثمار من خلال مقاربة متجددة.

 

كما أن الأوراش الكبرى التي سيتم إطلاقها على المدى القريب والمتوسط ستعطي نفسا جديدا لتنمية القطاع الفلاحي والعالم القروي، وستعزز مكانة القطاع الذي يعد عمودا فقريا للاقتصادِ الوطنِي، ومحركا مهما لعجلة التنمية الاجتماعية، إلى جانب تأكيد مساهمته الفعالة في محاربة الفقر وتحسين دخل الفلاحين وتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين وبالتالي تحقيقِ الأمن الغذائي المنشود.

 

وقد أشار وزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش، في عرض قدمه بين يدي جلالة الملك خلال ترؤس جلالته حفل افتتاح المناظرة السادسة للفلاحة بمكناس في أبريل الماضي، إلى التطور البارز لاستعمال عوامل الإنتاج منذ انطلاق مخطط “المغرب الأخضر”، حيث تضاعف استعمال البذور المعتمدة منذ 2008 لتصل إلى 3ر1 مليون قنطار خلال الموسم الحالي (مليونا قنطار متوقعة في موسم 2013-2014)، مما سيرفع نسبة استعمال بذور القمح المعتمدة ذات الجودة العالية إلى 50 في المائة.

 

وتوقع الوزير أن يبلغ الإنتاج الإجمالي من الحبوب 97 مليون قنطار خلال الموسم الفلاحي الحالي الذي اعتبره “استثنائيا” ومن أهم المواسم الفلاحية التي عرفها المغرب.

 

كما تحسن مستوى استعمال الأسمدة ليبلغ 95 كلغ للهكتار خلال هذا الموسم، بارتفاع 36 في المائة مقارنة مع الفترة المرجعية 2005-2007، وكذا مستوى تثمين مياه السقي، حيث تم تجهيز 333 ألف هكتار بأنظمة الري المقتصدة للماء منذ 2008 (بارتفاع 79 في المائة).

 

وأكد أخنوش أنه بفضل هذا التطور سجلت مختلف السلاسل نموا مطردا مقارنة مع الفترة المرجعية، حيث وصل معدل إنتاج الحبوب خلال الفترة 2008-2012 إلى 80 مليون قنطار، وتم خلال هذا الموسم إنتاج 12 مليون طن من الفواكه (ارتفاع بحوالي 163 في المائة) مع ارتفاع المساحة المغروسة ب40 في المائة.

 

كما شهد نفس الموسم إنتاج 4ر1 مليون طن من الزيتون (زائد 84 في المائة) مع تحسن ملحوظ في نسبة استعمال الوحدات العصرية، حيث ارتفعت نسبة عصر الزيتون عبر هاته الوحدات ب27 في المائة، حسب الوزير، الذي توقع أن تصل المساحة الإجمالية المغروسة من الزيتون مليون هكتار قبل متم 2013، وأن يسجل الإنتاج مستويات قياسية في الموسم القادم.

 

واستقر إنتاج البواكر خلال الموسم في حدود 7ر1 مليون طن مع تحسن ملحوظ في مؤشر تثمين مياه السقي وذلك بارتفاع مردودية المتر المكعب ب15 في المائة بالنسبة للري الموضعي.

 

وفيما يخص الإنتاج الحيواني فإن مختلف السلاسل عرفت تقدما مهما بِفضل تحسن احتياطي الأعلاف واستيراد الأصناف الأصلية وتحديث وحدات الدواجن، مما أدى إلى ارتفاع مهم في الإنتاج مقارنة مع الفترة المرجعية، متمثلا في 460 ألف طن من اللحوم بارتفاع 27 في المائة، و5ر2 مليار لتر من الحليب بارتفاع 49 في المائة، و635 ألف طن من اللحوم البيضاء بارتفاع 76 في المائة، كما أن التحسين الوراثي لسلالات الأبقار ساهم بشكل مباشر في الرفع من إنتاجية سلسلتي الحليب واللحوم الحمراء.

 

وعلى الرغم من الظروف الصعبة التي شهدها الموسم المنصرم، فإن التحسن الملحوظ في الإنتاج الفلاحي انعكس إيجابا على المؤشرات الماكرو-اقتصادية للقطاع، من خلال ارتفاع كل من معدل الناتج الداخلي الخام الفلاحي خلال الفترة 2008-2012 بحوالي 32 في المائة وحجم الإتاج ب13 مليون طن بزيادة 43 في المائة خلال الفترة 2011-2012، وذلك مقارنة مع الفترة المرجعية.

 

وكما انطلق محملا بآمال التطوير والتنمية والتحفيز، فإن العزم والإرادة لا يزالان قائمين من أجل مواصلة تفعيل أهداف مخطط “المغرب الأخضر”، التي تروم مكافحة الفقر وتحسين وضعية الفلاحين على المدى البعيد، حيث تعقد لهذه الغاية اجتماعات متواصلة بين الحكومة والشركاء بهدف تتبع تقدم وتنفيذ العقود البرامج التي تم إطلاقها في إطار هذا المخطط في مختلف القطاعات الفلاحية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *