آراء

مستجدات المسطرة التشريعية

تناط بالبرلمان مجموعة من الاختصاصات والمهام طبقا لأحكام الدستور والقوانين التنظيمية والأنظمة الداخلية،وتعتبر وظيفة التشريع من أهم هذه الوظائف التي يقوم بأدائها،ويقصد بالتشريع وضع القواعد القانونية في صورة مكتوبة لتنظيم مختلف مجالات الحياة في المجتمع،والأصل أن وضع القوانين حكر على السلطة التشريعية إلا ان الدستور جعل هذه الوظيفة مشتركة بين السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص الأصيل والجهاز التنفيذي باعتباره سلطة تشريعية فرعية،ويدخل في نطاق التشريع البرلماني نوعين من القوانين:

القوانين التنظيمية التي تعتبر امتدادا وتكميلا لنصوص الدستور.

والقوانين العادية المحددة في الفصل 71 من دستور 2011،ويمارس مهمته هذه وفق مسطرة تشريعية محددة تتضمن مجموعة من المراحل والإجراءات المتتالية والكفيلة بتنظيم هذه العملية.

فالدساتير المغربية بدءا من دستور 1962 إلى دستور 2011 الحالي، نصت صراحة على أن سلطة سن التشريع تعود للبرلمان، كما نصت في الوقت ذاته على أن هذه السلطة ليست مطلقة، بل هي مقيدة بما ورد بشأنه نص خاص في الدستور.

وعليه فإن اختصاص البرلمان في مجال سن القوانين قد بينها الدستور على سبيل الحصر، يباشرها وفق الأحكام المنصوص عليها دستوريا.

وتبعا للنظام الداخلي للبرلمان بمجلسيه،وبالرغم من هذا التحديد الدستوري والتراجع المؤسساتي ،فإنه مازال يصدر عن البرلمان العديد من القوانين وما فتئ جدول أعماله مزدحما بمشاريع ومقترحات القوانين،كما أنه مازال يملك عدة وسائل وتقنيات تسمح له بالإسهام في العملية التشريعية.فإلى جانب التشريع في مجال القانون مازال البرلمان إلى حد ما يتحكم في المسطرة التشريعية،إضافة إلى صلاحياته في مجال القوانين التنظيمية وامتلاكه لبعض الاختصاصات في المجال المالي،الذي هو مجال يعود أصلا إلى السلطة التنفيذية .

إذن يمكن تحليل هذا الموضوع بناءا على المقتضيات الدستورية والأنظمة الداخلية للبرلمان.

 بناء على المقتضيات الدستورية.

يتداول مجلسا البرلمان بالتتابع في كل مشروع أو مقترح قانون، بغية التوصل إلى المصادقة على نص واحد ; ويتداول مجلس النواب بالأسبقية، وعلى التوالي، في مشاريع القوانين، وفي مقترحات القوانين، التي قدمت بمبادرة من أعضائه.

 ويتداول مجلس المستشارين بدوره بالأسبقية، وعلى التوالي، في مشاريع القوانين وكذا في مقترحات القوانين التي هي من مبادرة أعضائه ; ويتداول كل مجلس في النص الذي صوت عليه المجلس الآخر في الصيغة التي أحيل بها إليه.

 ويعود لمجلس النواب التصويت النهائي على النص الذي تم البت فيه، ولا يقع هذا التصويت إلا بالأغلبية المطلقة لأعضائه الحاضرين، إذا تعلق الأمر بنص يخص الجماعات الترابية، والمجالات ذات الصلة بالتنمية الجهوية والشؤون الاجتماعية .

لا يتم التداول في مشاريع ومقترحات القوانين التنظيمية من قبل مجلس النواب، إلا بعد مضي عشرة أيام على وضعها لدى مكتبه، ووفق المسطرة المشار إليها في الفصل 84 ; وتتم المصادقة عليها نهائيا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين من المجلس المذكور ; غير أنه إذا تعلق الأمر بمشروع أو بمقترح قانون تنظيمي يخص مجلس المستشارين أو الجماعات الترابية، فإن التصويت يتم بأغلبية أعضاء مجلس النواب.

يجب أن يتم إقرار القوانين التنظيمية المتعلقة بمجلس المستشارين، باتفاق بين مجلسي البرلمان، على نص موحد.

لا يمكن إصدار الأمر بتنفيذ القوانين التنظيمية، إلا بعد أن تصرح المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور يتضح من خلال هذه المقتضيات الدستورية،أن سلطات مجلس النواب في هذا الاطار أكثر اتساعا من سلطات مجلس المستشارين،حيث تم اقرار قاعدة منح الاسبقية لمجلس النواب في مناقشة ودراسة النصوص القانونية,و تخويل مجلس النواب صلاحية البث النهائي في النص مع توفر الاغلبية المشروطة.

ويتجلى سمو مجلس النواب وفق الآتي :

  – إقرار قاعدة منح الأسبقية لمجلس النواب في مناقشة ودراسة النصوص القانونية استنادا إلى الفقرة الثانية من الفصل 78 من الدستور ، وكذا المقطع الأول من الفصل 75 منه الذي منح الأسبقية لمجلس النواب في ما يخص مشروع قانون المالية .
وتعتبر قاعدة الأولوية في التداول، المتبناة في الدستور الجديد، تقنينا لممارسة كانت سائدة في ظل دستور 1996، حيث دأبت الحكومة، في الكثير من الحالات، على عرض مشاريع القوانين بالأسبقية على مجلس النواب، ولاسيما قوانين المالية، ولو في غياب أي مقتضى يمنح الأولوية لهذا المجلس أو ذاك.

 ويرد على قاعدة الأولوية في دستور 2011 استثناءان، يخص الأول مقترحات القوانين المقدمة بمبادرة من أعضاء مجلس المستشارين، ويتصل الثاني بمشاريع القوانين المرتبطة بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية وبالقضايا الاجتماعية، عملا بمقتضى المقطع الأخير من الفصل 78 من دستور 2011.

– تخويل مجلس النواب صلاحية البت النهائي في النص كما هو صريح الفقرة الثانية من الفصل 84 من الدستور.

ويسجل في هذا المضمار أن المشرع وظف مفهوم البت النهائي، في دستور 2011، الذي يعني المصادقة على النص أو رفضه كما كان قائما في دستور 1962، بخلاف دستور 1996 الذي تحدث فقط عن إقرار النص محل المناقشة.

– إلغاء مؤسسة اللجنة الثنائية المختلطة كجهة كانت لها دور في حسم الخلاف الذي قد يحصل بين الغرفتين بشأن مقتضيات محددة والحيلولة دون بقاء النصوص في تبادل مكوكي بينهما قد يطول أو قد يبقى دون فائدة.

ومما هو جدير بالإشارة إليه أن الفقرة 2 من الفصل 81 نصت على أنه عند عرض مراسيم القوانين أمام البرلمان، يعمل المجلسان على التوصل إلى إقرار نص موحد داخل 6 أيام، وإذا لم يتأت الاتفاق يحال المرسوم على اللجنة المعنية لدى مجلس النواب. كما سنت الفقرة الثانية من الفصل 85 من الدستور وجوب إقرار القانون التنظيمي لمجلس المستشارين باتفاق الغرفتين على نص موحد.

وخلافا لما كان مقررا في دستور 1996 من حيث شمول مقتضيات الفصل 58 منه للقوانين العادية والتنظيمية، فإن دستور 2011 خصص الفصل 84 للقوانين العادية والفصل 85 للقوانين التنظيمية، كما كان عليه الحال في دستور 1962.

ويضيف الفصل 85 من دستور 2011 أن مقترحات ومشاريع القوانين التنظيمية لا يتداول فيها إلا بعد عشرة أيام من إيداعها لدى مجلس النواب تحديدا، ويعتبر هذا المقتضى عنصرا مستجدا مقارنة بدستور 1996 الذي نص على نفس الأجل وانصرافه إلى المجلس الذي تكون له الأسبقية في إيداع النص لديه، وذلك بحكم أن مجلس المستشارين قد يكون هو الأول في التداول، كما قد يكون مجلس النواب .

  بناءا على الأنظمة الداخلية للبرلمان.

تبعا للنظام الداخلي لمجلس النواب،يعتبر رئيس المجلس هو المسؤول عن إحالة كل نص مشروع أو مقترح قانون إثر التوصل به على اللجنة الدائمة، قصد دراسة النص أو المقترح، ليعهد إلى رئيس المجلس تحضير عرضه أمام الجلسة العامة للمجالس، وعليه فإن مناقشة مشاريع ومقترحات القوانين تتم على مستويين:

على مستوى اللجان حيث يتم بعد تقديم النص سواء كان اقتراح أو مشروع قانون إجراء مناقشة عامة له، بعدها يتم الشروع في تقديم مواد النص من لدن:

– ممثل الحكومة بالنسبة لمشروع القانون المحال إما مباشرة أو بعد موافقة مجلس المستشارين عليه.

– مقرر اللجنة المختصة المعين، بالنسبة لمقترح قانون المحال من مجلس المستشارين.

– واضع أو ممثل واضعي مقترح القانون،و مناقشتها مادة مادة وعند الاقتضاء مناقشتها  بابا بابا أو فصلا فصلا.

ويبقى للجهة صاحبة النص  حق التعقيب  في النهاية. بعد انتهاء المناقشة، يحدد مكتب اللجنة موعد الجلسة الموالية لتقديم التعديلات كتابة و في نسخ بعدد أعضاء اللجنة، و توزع في الجلسة نفسها.

تجتمع اللجنة بعد أربع و عشرين ساعة على الأقل ( أو أقل من ذلك إذا ما تم الاتفاق بين أعضاء مكتب اللجنة) للنظر في التعديلات المودعة تقدم التعديلات وتناقش، تعديلا،  تعديلا.

يتم التصويت على كل تعديل على حدة ثم التصويت على المادة كما عدلت أو كما جاءت في مشروع أو مقترح قانون ثم على النص التشريعي برمته.

يتعين على اللجان النظر في النصوص المعروضة عليها في أجل أقصاه ستون يوما، من تاريخ الإحالة، لتكون جاهزة لعرضها على الجلسة العامة.ولا يمكن أن يقل عن عشرة أيام كاملة من تاريخ الايداع إذا تعلق الأمر بقانون تنظيمي وفقا لأحكام الفصل85 من دستور الجديد،وفي حالة انصرام الأجل المحدد، يرفع رئيس اللجنة تقريرا إلى مكتب المجلس يشعره بأسباب التأخير، ويقترح الأجل الذي يراه مناسبا لإنهاء الدراسة، على ألا يتجاوز ثلاثين يوما؛ وبناء عليه يقرر مكتب المجلس أجلا جديدا للبت في النص المعروض.

بعد انصرام الأجل الجديد دون إتمام الدراسة، يعرض الأمر على ندوة الرؤساء.

أما على مستوى الجلسة العامة تحال النصوص التي تمت دراستها في اطار اللجان الدائمة إلى مكتب المجلس التشريعي ،مصحوبة بتقرير اللجنة التي درستها ،ثم تسجل في جدول اعمال المجلس لتبدأ مناقشتها في الجلسة العامة.

والمناقشة على مستوى الجلسة العامة، تبدأ بالنسبة لمشاريع القوانين بالاستماع إلى الحكومة، وتقديم تقرير اللجنة التي درست النص أو مقرر اللجنة المعنية وتقديم تقرير اللجنة التي قامت بدراسة المقترح، وتناقش فصول مشاريع ومقترحات القوانين والتعديلات المتعلقة بها مادة مادة.هذا على مستوى اللجان والجلسة العامة كما ورد في مواد الأنظمة الداخلية للمجلسين.

باحث في الدراسات الدستورية والسياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *