آراء

الفنان والكاتب والشاعر الفلسطيني في القضية

إن الواقع الفلسطيني بكل ما انطوى عليه عبر رحلة تمتد من التشرد إلى الثورة بكل حالاتها إلى الدولة العتيدة التي أكدت الهوية الفلسطينية قد أسهم مساهمة فعلية في إنتاج وصياغة الشخصية الفلسطينية سواء على صعيد النضال أو على صعيد الكلمة والعطاء الفني.

وحين نتعامل نقدياً مع أي عمل فني فلسطيني بقصد الدراسة واكتشاف المضامين التي يتحدد في ضوئها موقف الفنان من قضيته وعندما تتضح صيغة تفاعله معها فإننا نضع بادئ ذي بدء بعض الاعتبارات الموضوعية التي يُفترض بها أن تدخل في صميم مثل هذا العمل.

أولاً: إن القضية الفلسطينية دخلت حياة الفنان وحياة الكاتب من بابها الأوسع، وعلى هذا فلا يمكن بحالٍ من الأحوال النظر إلى شخصيته الفنية بمعزل عن معطيات هذه القضية.

ثانياً: إن نتاجه في جوهر تكوينه ليس إلاّ استجابة طبيعية لما يواجهه عبر رحلة الحياة، ورداً على تحديات مصير يواجهه.

ثالثاً: إن هذه الاستجابات ترتبط إرتباطاً مباشراً بطبيعة الموقف الذي اتخذه الفنان والكاتب ويتخذه حيال القضية الفلسطينية في جميع أطوارها. فهي عند فنان السجن (الأسرى القابعون في زنازين العدو الصهيوني والذي يمثل كل واحد منهم زاوية جمالية في الحياة الفلسطينية التي اعتقل من أجلها) الواقع تحت سيطرة الارهاب الصهيوني إستجابات تحدٍ مباشرة وعنيفة، وهي عند فنان وكاتب المنفى والشتات تتراوح بين أحد إتجاهين إحتراف الحنين والذكرى بفعل ما يلتهب في أعماقه أو الشوق إلى لقيا الأرض والعودة إليها حتى ولو عن طريق الشهادة، وفي موقف بناء الهوية والشخصية الفلسطينية يكون النزوع إلى تغيير ما هو قائم عبر الحلم بشرط إنساني أفضل من خلال وعيٍ دقيق لطبيعة القضية. فلقد عمل واقع النكبة والتشرد إلى الانسان الفلسطيني عذاب النفي وقسوة الاغتراب وأزمة التشتت ومأساة الضياع وأخيراً توهج النفس التي تمردت على واقعها تُحيل الصمت والانتظار إلى تحركٍ فعلي مرتكز على أسس واضحة أيديولوجية ونضالية والنفي والتشرد إلى لقاء على أرض واحدة وحركة الاغتراب إلى عمل يومي منظم، وضمن هذه العلاقات الجديدة والمؤثرة في مسار القضية الفلسطينية على أكثر من صعيد.

وُلد قدر الانسان الفلسطيني الجديد (جيل ما بعد النكبة والنكسة والتهجير القسري من مخيمات الشتات في سوريا ولبنان) ليخلق طاقة هائلة تنبثق من هذا الواقع ذاته، وتتجسد اليوم في صيغتين بعد صيغة الثورة الفلسطينية المسلحة، وصيغة الكلمة الفلسطينية المناضلة المُعبّرة عن الطلقة الشجاعة، صيغة بناء الدولة الحديثة المرتكزة على المؤسسات الدستورية وصيغة الكلمة المناضلة اليوم التي تأبى إلاّ أن تُمثّل واقع الوحدة الوطنية بعد أن مثّلت واقع التشرد والنواح والبكاء المأزوم.

ولا شك أن التجربة الفلسطينية التي هي من أخصب ما عاش الشعر والنثر العربي الحديث من تجارب مثَّلت عاملاً كبيراً من عوامل الحيرة والقلق والتساؤل والثورة والانتفاضة في الحياة العربية ووقف الانسان بفضلها على تخوم عالمين عالم الهزيمة والإنكسار والصمت الرسمي القاتل، وعالم الرفض والإحتجاج فشكلت منهما أضخم دراما إنسانية كان الشاعر والكاتب والشارع حيالها في موقف المشدود مرةً غير مصدّق ما يرى.

وفي موقف من يعيش غصة روحية مرة ثانية، وفي موقف ثالث راح يتمثل الانسان الطفل والشاب والكهل والكبير والانتفاضة وأبو عمار وروح أبو عمار وأبو مازن وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة وكل الخيرين ككل متوحد وموَحّد لقضية واحدة باجتماعهما على هذا النحو يتشكل محورها الحقيقي. وفي كلٍ من هذه المواقف الثلاثة حاول الشاعر وكذلك الكاتب أن يجعل من شعره ونثره إكتشافاً للذات وللحقيقة معاً ليسير بعدها الفنان في تيار الإيمان بالنضال والثقة بالانتصار للثورة وللقضية وللدولة المستقلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *