ثقافة وفن

الصويرة .. كان “رزون” عاشوراء ذات يوم

تميز كل جهة بتقاليدها التي ترمز لثقافتها وتاريخها، أهازيج وألعاب وطقوس تحكي في أدق تفاصيلها تاريخا أو حدثا أو قيمة، بعضها يمارس دون أن يفهم معناه الحقيقي، في حين ترتبط غالبيتها بالماضي.

في الصويرة، المدينة الغنية بمكوناتها متعددة الثقافات، يعتير “رزون” عاشوراء أحد بقايا التاريخ التي اختفت تماما بفعل التحولات السوسيو-اقتصادية، والتي لا يوجد لها أثر إلا في ذاكرة الأقدمين وفي مخيلة الشباب الشغوفين بالموروث الثقافي أو على صفحات الكتب النادرة التي أرخت لهذا التراث، الذي يبدو أنه لم يعد يهتم به.

ويحكي الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي جورج لاباساد (1924-2008) في كتابة “تأملات في الصويرة” أن كلمة “رزون” (المشتقة من كلمة رزانة) كانت تطلق على اجتماع ضفتي مدينة الصويرة (الشبانات وبني عنتر).

وبالنسبة للاباساد، الذي خصص جزء كبيرا من حياته لدراسة الموروث الثقافي بالصويرة، فإن الأمر يتعلق بمسابقة شعرية وإيقاعية كانت تجمع بين “فرق” أحياء المدينة التي ينحدر سكانها من مناطق مختلفة، تساهم “في خلق وحدتهم مع الحفاظ على خصوصياتهم”.

وأوضح حفيظ صديق، الباحث في التراث الصويري، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن المسابقة كانت تكون على شكل اجتماع فريقين يمثلان ضفتي الصويرة في قلب المدينة يتواجهان شفويا بارتجال الأهازيج، مضيفا أن الطرفين كانا يتمثلان في الشبانات التي تقع شرق المدينة بالقرب من الغابة، وبني عنتر بمحاذاة البحر (غربا).

وأضاف الباحث أن المتبارين كانوا يلجون الساحة ويبدأون بالتناوب بارتجال نصوص إيقاعية تنطوي على السخرية والسباب والشتم، مشيرا إلى أنه في نهاية المواجهة يتم تحطيم “التعريجات” ويعانق المتبارون بعضهم البعض بكل روح رياضية.

وهكذا يتبين أن “رزون” هو تقليد يحكي بالخصوص نشأة مدينة الصويرة ويكشف سر تعايش أسطوري كان قائما بين سكان وثقافات غريبة تماما عن بعضها البعض. إنه بمعنى آخر علاج جماعي لأعراض الفتنة التي كانت ستعرض للخطر مشروع المدينة الجديدة التي كان مؤسسها سيدي محمد بن عبد الله يريدها أن تكون نافذة على إفريقيا والعالم.

ويعتقد لاباساد أن “أهازيج عاشوراء يعود أصلها إلى مدينة مراكش، ويتضح ذلك من خلال الإيقاع واللحن والنص أيضا”، مضيفا أنه “على هذا الأساس، أنتج أهالي الصويرة توليفة تأخذ بعين الاعتبار الواقع المحلي”.

ويرى لاباساد أن من أهم الأسباب التي أدت إلى اختفاء هذا التقليد وبالتالي اندثار تراث شفهي لا يقدر بثمن، التراجع الاقتصادي للصويرة الذي أحدث فراغا ثقافيا.

من جانبه، يعزو الباحث حفيظ صديق ذلك للتغيرات الديمغرافية والهجرة من الجانبين وظهور أحياء جديدة خارج المدينة، وهو ما يجلي حقيقة واحدة هي تراجع نمط الحياة “المدني” الذي يعتبر عماد أي هوية ثقافية.

هذا ينبه إلى أمر آخر أكثر خطورة يتمثل في كون ترميم الجدران لا يفيد في شيء إذا لم يوضع في مكانه الأصلي، هذه الساكنة الحاملة للمعرفة والقيم والتقاليد وتراث المدن القديمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *