ثقافة وفن

أحمد فؤاد نجم .. رحيل “فاموجي” مصر عن 84 عاما

“مصر يما يا بهية يا أم طرحة وجلابية.. الزمن شاب وانتي شابة هو رايح وانتي جاية”، بكلمات بسيطة من اللغة العامية المصرية تحمل موسيقى داخلية وصف الشاعر أحمد فؤاد نجم وطنه الذي كان مصدر إلهام كل قصائده وجل حياته التي انتهت الثلاثاء بعد مسيرة من النضال الثوري استمرت قرابة خمسون عاما.

غيب الموت أحمد فؤاد نجم الذي تربع على “عرش العامية المصرية” منذ ستينيات القرن الماضي، ليلحق بصديق عمره وزميل كفاحه ورفيق سجنه المطرب والملحن الشيخ إمام عيسى الذي ارتبط اسميهما برحلة مشتركة كتبا فيها تاريخ مصر الحديث عبر أغانيهما الثورية التي كلفتهما سنوات في معتقلات حكام مصر.

دخل نجم المعتقلات والسجون مرات عدة في عهد كل من جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك.

وتهكم بأسى على التهم الموجهة إليه في قصيدته “بيانات على تذكرة مسجون” التي قال فيها “الإسم: صابر، التهمة: مصري”.

النكسة.. نقطة تحول

على الرغم من حبه الشديد للزعيم الراحل جمال عبد الناصر إلا أنه لم يتوان عن انتقاده وانتقاد أداء حكومته خاصة بعد هزيمة الجيش المصري أمام القوات الإسرائيلية في يونيو 1967.

كانت هذه الهزيمة وقود قصائد نارية كتبها ليغنيها ويلحنها الشيخ إمام لتتفجر غضبا وألما وفي نفس الوقت عزيمة وإصرار ا وتأكيدا على ضرورة عودة الأرض ورد الاعتبار.

كانت قصائده بالعامية المصرية وموضوعها الأساسي هو مصر، لكن صدق إحساسه وتضامنه مع القضية الفلسطينية وإيمانه بالعروبة والقومية العربية جعل أجيالا كاملة تجد فيها تجسيدا لشعورهم بأوطان وقعت تحت الاحتلال أو في حرب أهلية مثل لبنان أو تحت حكم ديكتاتوري يكبل طموحها إلى الحرية والتقدم.

التقى الثنائي نجم وإمام في بداية الستينيات وأصبح مسكنهما في حارة خوش قدم بالقاهرة ملتقى المثقفين والمناضلين وانضم إليهم محمد علي الذي كان يضبط إيقاع الأغنيات التي يغنيها إمام على عوده دون زخارف لتشبه في بساطتها الموسيقية حياة الانسان المصري البسيط.

 نجم.. والشخصية المصرية

ولم تفرق القضبان بين رفيقي الدرب واعتقلوا سويا عدة مرات حتى اعتادوا الزنزانات وتغنوا بها.

يتذكر صديقه الصحفي المصري جمال فهمي إحدى هذه المرات.

يقول فهمي لسكاي نيوز عربية “أول مرة أدخل فيها السجن في حياتي كان أثناء أحداث 18 و19 يناير 1977 وأقمت معه في زنزانة واحدة لمدة خمسة شهور” ، عندما قامت “انتفاضة الخبز” احتجاجا على قرار رفع الدعم عن الخبز.

ويردف: “نجم هو أكثر نموذج قابلته في حياتي يكاد يجسد كل صفات وميزات المواطن المصري البسيط. هو يختصر في شخصيته المواطن المصري بكل أبعاده وتناقضاته: المرح، الجاد، الساخر، الحزين، القوي والناعم في آن واحد”.

يبتسم فهمي في حنين ويقول “كان صعلوكا كبيرا وعظيما يعتز بثقافة الشارع ويمكننا أن نقول أن هناك ثلاثة من هذا النوع في العالم: جان جينيه في فرنسا، محمد شكري في المغرب وأحمد فؤاد نجم في مصر”.

في نظر فهمي، الذي استمرت صداقة وقربه بالشاعر حتى رحيله كان نجم يمثل “بطولة الإنسان العادي”.

“عندما سجنت معه، كنت في سن صغيرة لكنه أشعرني أن لي والدا داخل المعتقل”، ويردف: “كانت موهبته الشعرية مثل شخصيته تماما، فطرية لكنها مع ذلك شديدة النعومة والرقي. شخصيته في العمق كانت تبدو مناقضة تماما لشخصيته الخشنة أو حتى السوقية التي تبدو على السطح، لكنه في الواقع كان شديد النعومة”.

يضحك فهمي عبر حزنه عندما يتذكر غضب نجم عليه بسبب مباراة كرة قدم في السجن. “كنت لا أعرف لعب الكرة على الإطلاق وأصر على أن أقف حارسا لمرمى فريقه، لم يغفر لي أبدا أن دخل في مرماي 40 هدفا تقريبا ، وظل يطاردني بهذه الحادثة متهكما طوال حياته”.

يدافع فهمي عن نجم ضد الانتقادات التي وجهت إليه في الفترة الأخيرة بسبب انحيازه التام لقيام وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي بعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، إثر مظاهرات مطالبة برحيله في 30 يونيو.

ويؤكد على أن الشاعر الراحل “لا يمكن أن يزايد عليه أحد. وهو عندما يأخذ موقفا ويتشبث به يكون، يمكننا عندها أن نقرأ في ذلك الموقف رأي غالبية الشعب المصري ولقد كانت ثورة 30 يونيو هي الثورة الأكثر تعبيرا عن الكتلة الشعبية المصرية”.

ويختم”من يتحذلقون ويزايدون عليه هم نفسهم من يتحذلقون ويزايدون على الشعب المصري.. وتكوين نجم مصري خالص وبالتالي فإن موقفه هو موقف الشعب المصري”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *