آراء

وطن المعارضة

بعد أن ضاق الخناق على رئيس المجلس البلدي لسيدي افني داخل بيته الداخلي، الايل للسقوط لامحالة، طل مضطرا، لا بطلا بالمرة، من نافدة الفيس بوك لعله يجد في حفنة من “الجيمات” من بعض “العبادا”، الذين هم في الغالب نكرات، مصدرا للتنفس الاصطناعي ومساحة لاحتجاج يائس، بعد أن ضربت الشارع موجة من البرد القارس وصلت الى مستوى غير معهود يستحيل معها اشعال نار الاحتجاج.

لهذا فما عليه سوى أن يداوي جروحه النازفة بـ “بيتادين” التعليقات، التي تعد على رؤوس الاصابع، والتي يعبر اصحابها، بطريقة غير مباشرة بالطبع، لرئيس “مخلوع” ومخلوع في الان نفسه، عن امتنانهم العميق لما وجدوه من حرية، قل نظيرها، في استغلال وسائل الجماعة التي وُضعت رهن اشارتهم في الليل كما في النهار. هذا دون نسيان التفاصيل التي تسير بذكرها الركبان.

فهؤلاء الذين يذرفون اليوم بكاء الحسرة، أمام حائط المبكى، استعدادا لتوديع هامش “الهبال” الكبير، الذي لم يكونوا يحلمون به مطلقا، وحيث توفرت لهم كل امكانيات التنقل والحركة ضدا على القانون، بينما لم نجدهم ولو للحظة واحدة، على الاقل، ينتقدون موضوعيا تلك الخروقات التي سجلت في رصيد تدبير، عفوا، تدمير الشأن المحلي طيلة هده السنوات بسيدي افني، سيضرب لهم القدر موعدا تاريخيا مع حائط أكبر “ينطحونه” إن شاء الله مجتمعين.

واذا كان <<الطبالا>> الذين لا يفترقون مع <<الغربال>> سوى لتسخينه أملا في استمتاع اطول بالرقص على جراح مؤسسة البلدية، التي مرغوا هيبتها في الوحل، قد لجأوا اليوم مُكرهين الى الفضاء الوهمي ، فلانهم على يقين تام بانهم يعانون من داء فقدان الثقة المكتسبة من الجماهير التي فهمت أن وجودها بالنسبة لهؤلاء لا يعدو أن يكون ورقة تُستغل في لحظات معينة، وهو الامر الذي دفعها الى الامتناع عن الانخراط في التطبيل ، و المساهمة مقابل ذلك، بشكل ملفت في توسيع واقع المعارضة لمسار مُخجل طبعه الاستخفاف بمصير مدينة لم يكتب لها، وللأسف، أن تعانق امال التغيير.

ولعل ما يجهله هؤلاء المساكين، الذين تراودهم أضغاث احلام، أن فبركة صفحة في الفيس بوك لن تخلق أبدا الانطباع بوجود شارع متعاطف بالمرة، ببساطة لأن هذا الشارع الذي يستجدون عطفه كلما ضاقت بهم السبل، قد أدرك، بعد توالي النكبات عليه، أن الشعارات الجوفاء التي يرفعونها تعرف طريقها الى التبخر بمجرد اطمئنان هؤلاء المنافقين الى بقاء السلطة بين أيديهم.

فهل سينسى الناس بهذه السهولة تلك الايام التي كان الرئيس يستمتع فيها بأغلبيته المريحة، و لا يجد حرجا في الاستقواء بالقانون لمنع أي مواطن من اخد الكلمة اثناء المجلس التداولي، بينما اليوم وقد انفرط عقد اغلبيته لا يكف عن <<المزاوكة>> طمعا في حضور <<الشعب>>، كما يحلو له القول، ودعوته للمشاركة في التداول والتصويت على مقرر الميزانية، ضدا على القانون، و التي زعم أن من أسماهم بالمفسدين هم من صوتوا ضدها، متناسيا أن المفسدين الحقيقيين كانوا، وحتى الامس القريب، من شيعته المختارين؟!

 

وهل سينسى الشارع اليوم الذي شهد فيه تدخلا <<امنيا>> من نوع اخر، حيث انتشرت <<القوات البلدية>> مدعومة بالبطلجية حي بولعلام بغرض تشتيت وقفة احتجاجية سلمية للمعطلين، في واقعة لم يعرفها تاريخ تدبير الشأن المحلي في مغرب ما بعد الاستقلال؟!

واليوم فمازال بيننا والحمد لله مستشارون شهدوا على ما أكتب الان، حيث سُخرت امكانيات الجماعة، ذات أحد، وانخرط الرئيس بنفسه في معركة الى جانب السلطة بهدف إطفاء نار الاحتجاج.

أوليس هذا بدليل كاف على أن <<المخزن>>، الذين يدعون اليوم مواجهته <<بالشفوي>>، كان وحتى الامس القريب يدعم خطواتهم على طريق محاربة الاحتجاج، وأنهم في الحقيقة لم يهددوا بالعودة الى الشارع إلا بعد أن أرادوا استخدام هذا الاخير كفزاعة أو في أحسن الاحوال ورقة ابتزاز كي يحظوا من جديد بتعبئة مضاعفة في رصيد التمثيلية؟

وكم هو واهم من يعتقد أن اطلاق بعض الشعارات الفارغة ستجعل الناس يغضون الطرف عن كل هذه الخروقات التي تحتفظ بها الذاكرة الجماعية، بصرف النظر عن تقارير لجان التفتيش التي اصبحت حديث القاصي والداني، و يلتفتوا الى حائط المبكى التي تعلق عليه الام الاحتضار فيما الآمال في البقاء على الكراسي لولايات قادمة تبخرت الى غير رجعة.

إن الحقيقة التي لا يريد بعض المُنومين أن يدركونها هي أن كل مشارك في اللعبة الانتخابية قد وافق طوعا على دفتر تحملاتها الذي يوصي في بنوده بوجود محطة للمحاسبة لا يمكن تجاوزها باي شكل من الاشكال ، وهو ما يجب أن يحدث في سيدي افني تماما كما يحدث في أي منطقة من المغرب، حتى يستعيد القانون هيبته ويردع كل عابث بمصالح السكان والمدينة.

لقد دقت اذن ساعة الزحف نحو معاقل الفوضى والعبث و الاستهتار التي وضعت المدينة في خانة خطر أمام كل الحالمين و الحاملين لأفكار مُخلصة من زمن ردئ طال عمره.

واذا كان هناك من يرى أملا في النجاة من ملاحقة التاريخ له، فما عليه سوى أن يقدم اعتذاره للسكان قبل أفول نجمه، و يلتحق، كما التحق غيره من المغرر بهم ، بنادي المعارضة لتوجه انتحاري لم يتردد في نسف حافلة التنمية الموعودة استجابة لنزوات مرضية لا ينفع مع علاج.

لقد مرت علينا أيام قبضنا فيها على جمرة العناد والتحدي انتصارا لمعقل الكرامة الذي يستحيل سقوطه حتى لو تكالب العالم كله وفُتحت جبهات الدنيا كلها ، وها هو يوم النصر قد حل، نتملى فيه ، في تواضع، مشهد شارع اختار السير حبا وطواعية على خطى الحق والحقيقة.

فمرحى أيها الابطال الشجعان الذين اخترتم الغربة في الوطن!

ومرحى بالملتحقين بالمُغرر بهم في خيام الانفصال عن المبادئ !

إن وطن المعارضة لغفور رحيم!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *